دراسة استهدفت التعرف إلى السلوك البشري في الظروف غير العادية

بيانات الهواتف المحمولة تُفسّر طريقة تدفق المعلومات في حالات الطوارئ

صورة

أتاحت البيانات التي توفرها الهواتف المحمولة فرصة غير مسبوقة للاقتراب من طبيعة السلوك الإنساني على نطاقٍ واسع، وكذا دراسة طبيعة المجتمعات، مثل دراسة أنماط الانتقالات والعلاقات بين الجنسين، وإذا كان هذا في الظروف العادية، فلابد أن السلوكيات البشرية يطولها بعض التغيير في الظروف غير العادية، كالكوارث الطبيعية والصراعات المسلحة، ونحو ذلك.

وسعى ليانغ جاو من جامعة «جياوتونغ» في العاصمة الصينية بكين، وزملاؤه إلى دراسة أساليب تدفق المعلومات في حالات الطوارئ، وأشار فريق البحث إلى أن تسجيلات الهواتف المحمولة وفرت فرصة لدراسة كيفية مواجه البشر للظروف القاسية، وأظهرت أنماط الاتصالات تغير الطريقة التي تتدفق بها المعلومات على نحوٍ طفيف لكنه مهم أثناء الطوارئ.

ودرس الباحثون البيانات الوصفية أو «ميتا داتا» المرتبطة بمكالمات هاتفية ورسائل نصية قصيرة تعود إلى 10 ملايين شخص في بلد أوروبي غير محدد، وذلك على مدى أربع سنوات، وتضمنت البيانات المتصل والمستقبل، ووقت المكالمة، وموقع برج الاتصالات القريب.

ثم استخدم فريق البحث خدمة الأخبار من «غوغل» أو «غوغل نيوز» للتعرف إلى حالات الطوارئ التي وقعت في المناطق ذاتها خلال فترة الدراسة، وبحثوا عن المكالمات التي أجُريت بالقرب من مناطق الأحداث الطارئة في تلك الفترة، وانتهى الباحثون إلى تحديد ثلاثة أحداث أشاروا إليها بأسماء: تحطم طائرة، وخوف متصل بطائرة، وقنبلة.

ثم اتجه فريق البحث إلى دراسة سلوك الاتصالات الخاص بمجموعتين من الأشخاص على وجه التحديد، أولهما تتكون من الأشخاص الذين كانوا قريبين من الحدث الطارئ بصورة كافية تجعلهم ضمن المتأثرين به بشكلٍ مباشر، أما المجموعة الثانية فتضمنت الأشخاص الذين اتصل بهم أفراد المجموعة الأولى، ومن المفترض إلى حدٍ كبير أنها تضم الأقارب والأصدقاء المقربين.

وبغرض المقارنة بين سلوك الأشخاص في الاتصالات خلال حالات الطوارئ، بحثت الدراسة في سلوكهم في الظروف العادية مثل وجودهم في إحدى الحفلات.

ورصدت الدراسة ارتفاعاً حاداً وفورياً في اتصالات المجموعة الأولى من الأشخاص في حالات الطوارئ، من خلال إقبالهم على إجراء المكالمات الهاتفية وإرسال الرسائل النصية للأصدقاء والأقارب عن الوضع، وفي الوقت نفسه شهد نشاط المجموعة الثانية ارتفاعاً حاداً تلاه انخفاض، وهو ما مثل لغزاً واجه فريق البحث، فمن المنطقي التوقع بأن يتبع النشاط الزائد للمجموعة الثانية من المستخدمين نشاط المجموعة الأولى بعد فاصل قصير، لكن الحاصل أن ارتفاع نشاط المجموعة الثانية في الاتصالات لم يتأخر عن الأولى، الأمر الذي عجز الباحثون عن تفسيره.

ومن بين نتائج الدراسة الأكثر إثارة للاهتمام، أنه من اليسير تصور أن ما سيقوم به مجموعة الأصدقاء والأقارب بعد تلقي الاتصال الأول من الأشخاص القريبين من أماكن الطوارئ هو الاتصال بمجموعة ثالثة من الأشخاص لإبلاغهم بأخبار الموقف أو الكارثة، لكن بدلاً من ذلك كانت مكالماتهم التالية موجهة لأشخاص ينتمون إلى المجموعة الأولى، وهو ما يختلف عن السلوك العادي الذي تقل فيه احتمالات إجراء مكالمة ثانية بشكل كبير، كما أنه أثناء الحضور في حفل تقل احتمالات رد المكالمة للشخص ذاته.

واستنتج الباحثون أن الحاجة إلى مراسلة شهود العيان القريبين من الحادث أكثر أهمية من نشر المعلومات الفورية عن الحادث، ما يعني أن رغبة المستخدمين في معرفة المزيد عن الحادث، ومن فيه تفوق رغبتهم في نشر ما لديهم من معلومات إلى أشخاص آخرين، على الأقل في حالات الطوارئ.

وتُشير نتائج الدراسة، التي جاءت بعنوان «التعرف إلى تدفق المعلومات خلال الطوارئ»، إلى طريقة جديدة في فهمنا لأنماط الاتصالات، وهو ما يراه فريق البحث مؤثراً في أسلوب انتشار المعلومات خلال الأحداث غير العادية، وربما يُؤثر في الطريقة التي ينبغي على السلطات التعامل بها أثناء الطوارئ.

وإلى جانب هذه التجربة، سبق أن استخدمت دراسات بيانات الهواتف المحمولة لدراسة المجتمعات، مثل دراسة لباحثين من جامعة «لوفان» البلجيكية استهدفت الكشف عن أنماط توزيع الثروة في مدن كوت ديفوار، باعتبار أن طريقة شراء الأفراد لرصيد المكالمات مؤشر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي لهم، إلى جانب تجربة مختلفة استعانت ببيانات الهواتف لرسم خرائط الضوضاء في المدن، وأخرى للتوصل إلى أنماط الانتقالات ووقت التنقل.

تويتر