تحذيرات علمية من المبالغة في تقدير تأثير الألعاب واعتبارها علاجاً مضمون الأثر

دراسة: ألعاب الفيديو تحسّن ذاكــرة المسنين

الدراسة تعتقد أن الألعاب ترفع قدرة المسنين على التركيز. أرشيفية

عادةً ما تستهدف ألعاب الفيديو الشباب والأطفال، باعتبارهم جمهورها الأول، والفئات الأكثر إقبالاً عليها، كما تُركز الدراسات العلمية على تأثير الألعاب فيهم. لكن دراسة حديثة رأت أن ألعاب الفيديو يمكن أن تفيد كبار السن من ناحية رفع قدرتهم على التركيز، وتحسين الذاكرة قصيرة الأمد التي تحتفظ بالمعلومات في حالة نشطة لفترة زمنية قصيرة.

وكشفت نتائج الدراسة عن دور ممارسة الألعاب التي تتضمن أداء مهام متعددة، في علاج ضعف الذاكرة، وتشتت الانتباه الذي يتزايد مع التقدم في العمر، كما ظهر تأثيرها في إعادة بعض الشباب إلى أدمغة المسنين؛ إذ أظهر أشخاص في العقد الثامن من العمر ــ بعد تدربهم على اللعب ــ أنماطاً عصبية تشبه تلك الموجودة لدى الشباب في مرحلة العشرينات، ولذلك، فمن المحتمل أن يُمثل المسنون جمهوراً إضافياً لألعاب الفيديو في المستقبل، أو أن تكون عنصراً بارزاً في وصفات العلاج.

وقد أجرى الدراسة عالم الأعصاب، آدم جازالي، وفريق من الباحثين في جامعة «كاليفورنيا» في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، وتعاون الفريق مع مطوري ألعاب لابتكار لعبة «نيرو ريسر»، التي تعتمد على استخدام اللاعبين لمجموعة مهارات لازمة لمهام الحياة اليومية، مثل التركيز والانتقال من مهمة إلى أخرى.

وتتطلب «نيرو ريسر» ــ وهي لعبة ثلاثية الأبعاد ــ من اللاعبين قيادة سيارة في طريق منحنٍ وشديد الانحدار، بواسطة إبهام اليد اليسرى فقط، وفي الوقت نفسه يكون عليهم متابعة علامات معينة تظهر فجأة وبشكل عشوائي على الشاشة، وعندها يكون عليهم إسقاطها باليد اليمنى.

وأظهرت نتائج الدراسة، التي نشرتها مجلة «نيتشر» العلمية، تراجع قدرة الشخص على إنجاز مهام متعددة مع التقدم في العمر، إذ انخفض أداء أشخاص في مرحلة العشرينات بنسبة 26%، حين طُلب منهم القيادة والتعرف الى العلامات، مقارنة مع أدائهم عند متابعة العلامات فقط، ووصلت نسبة التراجع في الأداء إلى 64% للأشخاص في مرحلة الستينات إلى الثمانينات.

وشارك في الدراسة 46 شخصاً راوحت أعمارهم بين 60 و85 عاماً، وتدرب كلٌ منهم لأربعة أسابيع مع نسخة من لعبة «نيرو ريسر» تتزايد صعوبتها مع تحسن مستوى اللاعب.

وبعد انتهاء فترة التدريب، أظهر المشاركون كفاءة في اللعب تفوق أشخاصاً غير مدربين في العشرينات من أعمارهم، كما احتفظوا بالمستوى الجيد نفسه طوال الأشهر الستة التالية، على الرغم من توقف التدريب.

وكان من اللافت للانتباه، امتداد التأثير الناتج عن اللعبة، إلى أداء المسنين لمهام حياتهم اليومية، فتحسن أداؤهم في اختبارات الذاكرة، وثبات الانتباه التي أجريت عقب التدريب، مقارنة مع نتائجهم في السابق، وترتبط كلتا المهارتين بشكل مباشر بمهام مختلفة بدايةً من قراءة الصحيفة إلى الطهي. ويُشير ذلك، بحسب «جازالي»، إلى أن قيام الشخص بإتمام مهام متعددة يُشكل ضغطاً على نظام الإدراك في الدماغ، ما يُحسن من جميع مكوناته، على الرغم من أن لعبة «نيرو ريس» لم تستهدف تحسين هذه الجوانب.

ومما يدعم نتائج الدراسة، التي أجريت على مدى أربع سنوات، قياس الباحثين للتغيرات في نشاط موجات الدماغ لدى المشاركين أثناء اللعب، ما يساعد على تحديد الآليات العصبية التي ينبغي تصليحها لتحسين الذاكرة والانتباه.

وأظهرت النتائج تشابهاً في بعض الجوانب بين نشاط الدماغ لدى المشاركين ممن تراوح أعمارهم بين 60 و80 عاماً ونشاط الدماغ لدى شباب في العشرينات.

ورصد الباحثون تدفقات زائدة في موجة «ثيتا» التي ترتبط بمستوى الانتباه لدى المسنين بعد تدربهم على اللعبة، إضافة إلى تشابه في نشاط قشرة الفص الجبهي لدى المسنين والبالغين من صغار السن.

وثمن أستاذ علم النفس في جامعة «ميشيغان»، ديفيد إي. ماير، استخدام الدراسة لأدوات قياس الانتباه؛ مؤكداً أن ذلك يوفر أدلة بصرية مهمة على التغييرات التي تجري في الدماغ، ويجعل الجمهور والعلماء الباحثين عن أدلة ملموسة أكثر ميلاً لتقبل النتائج.

وتتلاقى الدراسة مع محاولات علمية لدراسة الانتباه الذي يُعد عاملاً حاسماً على الذاكرة والذكاء. إذ أجريت دراسات سابقة في جامعة «روتشستر» الأميركية، ركزت على تأثير ألعاب الفيديو في الشباب، وذهبت إلى أثر ألعاب الحركة وإطلاق النار في تحسين قدرة اللاعبين على التعلم، وتجاهل عوامل تشتيت الانتباه.

لكن الباحثة، دافين بافيلير، التي أشرفت على هذه الدراسات، أشارت إلى أن مجال البحث في هذه الناحية لايزال ناشئاً، وأن من المحتمل أن يكون لتدريب الدماغ آثار جانبية، مثل تغييره للكيفية التي يعمل بها الدماغ إلى الأسوأ. وقالت: «نحن في العصر البدائي لتدريب الدماغ».

كما تتزامن دراسة «جازالي» ومثيلاتها، مع تحذيرات مشددة من بعض علماء الأعصاب، الذين يرون عدم وجود أي إثبات على أن التفاعل مع اجهزة الكمبيوتر وسيلة مضمونة النجاح لجعل الإنسان أكثر ذكاءً.  ولفت عالم الأعصاب في «معهد ماساتشوستس للتقنية»، إيرل كي. ميلر، إلى ضرورة أن يعمل العلماء على تطوير الألعاب، واختبار فاعليتها بشكل موضوعي، لأن معظم ما يُوصف بألعاب لتدريب الدماغ لا يعمل بالطريقة التي يُقدم بها إعلانياً.

واتفق «جازالي» مع الآراء القائلة بعدم تعميم ما توصلت إليه الدراسة على ألعاب الفيديو، وقال إنه لا ينبغي أن يُفهم من النتائج أن أي نشاط أو لعبة فيديو ستُحسن الإدراك، أو ستؤدي إلى تغييرات في نشاط الدماغ، مشيراً إلى وجود فجوة كبيرة بين ما حققته الدراسة والعالم الحقيقي. كما حذر من المبالغة في تقدير تأثير الألعاب واعتبارها علاجاً مضمون الأثر.

وأضاف أنه «إذا حاول شخص أن ينجز مهاماً متعددة في الحياة اليومية العادية، فسيبقى مستوى أدائه ثابتاً أو يتأذى بسبب تشتت انتباهه»، مشدداً على ضرورة أن تتمتع الأدوات المستخدمة بالدقة العلمية.

وعلى الجانب العملي، تُطلق شركات لتصنيع الألعاب رسائل دعائية تشير للأثر الإيجابي للعبة معينة في الدماغ، مقابل آراء متخصصين تشير إلى عدم إمكانية تحسين مستوى الذاكرة والانتباه من خلال التدريب، مثل عالم الأعصاب، توركل كلينبيرج، من «معهد كارولينسكا» السويدي، الذي يرى أن دراسة «جازالي» تُثبت إمكانية تحسين الوظائف الإدراكية للدماغ، إذا ما صُممت وسائل التدريب على نحو ملائم.

يشار إلى أن «جازالي» شارك في تأسيس شركة «أكيلي» ويعمل مستشاراً لها، في وقت تعمل فيه الشركة حالياً على تطوير منتج تجاري شبيه باللعبة يتميز برسوم أفضل، كما تسعى للحصول على موافقة «إدارة الغذاء والدواء» الأميركية لتسويق اللعبة، باعتبارها منتجاً علاجياً.

تويتر