خبراء اعتبروا أن رسائل التحذير من اللعب المتواصل لا تكفي.. ودراسة تؤكد:

منتجو ألعاب الإنترنت مطالبون بحــماية اللاعبين من إدمانها

الإفراط في اللعب أصبح طاغياً لدى بعض الأفراد على الممارسات الضرورية مثل تناول الطعام. فوتوز

أمام الشاشات المضيئة يقضي ملايين الأشخاص حول العالم ساعات طويلة في ممارسة ألعاب الفيديو والإنترنت، ويطغى اللعب لدى البعض على بقية أنشطة حياته وحاجاته الضرورية، بما فيها الطعام والنوم، ويصل الاندماج في أجواء اللعب إلى درجة يفقد معها اللاعب قدرته على الفصل بين الواقع والخيال، وتحدث بعض المتخصصين عن «إدمان الألعاب» بوصفه حالة مرضية، وسبق أن تداولت وسائل الإعلام أنباء عن حالات وفاة بسبب الإفراط في اللعب.

وتختلف الآراء بين من يُحمّل اللاعبين أنفسهم مسؤولية تنظيم وقتهم وممارسة ألعاب الفيديو باعتدال، ومن يتهم الشركات المنتجة باعتمادها أساليب لتصميم الألعاب تجعل منها منتجات قابلة للإدمان لدى بعض اللاعبين، وبالتالي فإن عليها بذل مزيد من الجهد لحماية اللاعبين من خطر الإدمان.

في هذا السياق، حثت دراسة بريطانية حديثة الشركات على إعادة النظر في بنية الألعاب ووضع ضوابط بهدف منع اللاعبين من إدمانها، ولتتجنب التدخل الحكومي بفرض قيود على استخدام الألعاب، كما هى الحال في بعض الدول الآسيوية، فعلى سبيل المثال، وضعت الصين حدوداً على ممارسة ألعاب الإنترنت، منها تحديد وقت اللعب، فبعد قضاء اللاعب ثلاث ساعات من دون حصوله على فترة للراحة تنخفض القدرات المتاحة للشخصيات التي يلعب بها.

شارك في الدراسة باحثون من جامعات «كارديف»، و«ديربي»، و«نوتنغهام ترينت» البريطانية، وحلل البحث أنواعاً مختلفة من ألعاب الإنترنت مع التركيز على ألعاب «تقمص الأدوار كثيفة اللاعبين على الإنترنت»، مثل: «وورلد أوف ووركرافت» و«فاينال فانتسي» و«إيفركويست» وغيرها، وفيها يتقمص اللاعبون أدوار لشخصيات ضمن عالم خيالي يضم مدناً وصراعات وحروب، ويتحكم اللاعب في تطور الشخصية من خلال أفعاله، وتتضمن سلسلة لا نهائية من المكافآت والأهداف التي تجذب اللاعب لتحقيقها.

ووصفت الدراسة التي جاءت بعنوان «المسؤولية الاجتماعية في ألعاب الفيديو على الإنترنت: ما الذي ينبغي على صناعة ألعاب الفيديو فعله؟»، هذه الألعاب بأنها «مصدر لا ينضب من الأهداف والنجاحات»، كما أن شخصيات اللاعبين تصبح أقوى وأكثر ثراء وجذباً بعد الانتقال إلى مستويات جديدة، وتتكدس لديهم الكنوز والأسلحة وأدوات النفوذ.

وأشارت الدراسة، التي نُشرت في دورية «نظرية وبحوث الإدمان»، إلى أن مثل هذه الألعاب بخلاف الأنواع الأخرى، تتميز بنيتها بعدم تحديد نهاية واضحة للعبة، وبوجود عدد كبير من اللاعبين، كما لفتت إلى أدلة عن معاناة نسبة تراوح بين 7 و11% من اللاعبين من مشكلات جراء اللعب، بما يضعهم في مصاف المرضى، وتحدثت عن استمرار بعض اللاعبين مدة تصل إلى 40 أو 60 ساعة، حتى وصل البعض إلى 90 ساعة من اللعب المتواصل في جلسة واحدة.

وبحسب مدير «الوحدة الدولية لأبحاث الألعاب» في جامعة «نونتغهام ترنت»، أحد المشاركين في الدراسة، مارك غريفيث، فإنه ربما تظل نسبة مستخدمي الألعاب الذين يواجهون مشكلات بسببها أو يعتبرون مدنين، نسبة ثابتة تقريباً، لكنه يرى مع تحسن ألعاب الإنترنت شيئاً فشيئاً، واتجاه أعداد متزايدة من الأشخاص لاكتشاف عالمها، فمن المُرجح ارتفاع أعداد مدمني الألعاب.

وتحرص الشركات المنتجة لألعاب الفيديو الشهيرة على الإنترنت على التأكيد على دور اللاعبين في تنظيم استخدامهم للألعاب، كما لا توافق على تصنيف إدمان الألعاب، إلا أنها ربما تعترف بشكل غير مباشر ببعض المسؤولية من خلال نشر رسائل تحذير تُنبه اللاعبين إلى عدم الإفراط في استخدام الألعاب.

ورأى أحد الباحثين المشاركين في الدراسة من كلية «كارديف» للأعمال، شومايلا يوسفزاي، أن نشر الشركات رسائل التحذير يعني إدراك القائمين على صناعة الألعاب بوجود نسبة من اللاعبين تفرط في استخدام الألعاب، كما تشير إلى علمهم بالوقت الذي يمضونه في اللعب، والخصائص المتاحة في لعبة معينة تجعل منها قابلة للانتشار والإدمان أكثر من غيرها.

من جانبه، لا يرى عالم النفس في جامعة «ديربي»، المهتم بتأثير التقنيات الحديثة وإدمانها والسلوكيات على الإنترنت، زهير حسين، أن رسائل التحذير كافية وحدها، إذ ينبغي على مطوري الألعاب إعادة النظر في التصميمات، مثل طريقة تطور الشخصية والمعدل السريع لاندماج المستخدمين، وخاصية تعدد اللاعبين، وكلها عناصر تجعل من اللعبة قابلة للإدمان، وتسبب مشكلات لبعض المستخدمين، واقترح حسين إمكانية تقصير المهام المطلوبة من اللاعبين بحيث يقل الوقت الذي يمضونه لأجل الحصول على جائزة معينة.

من جانبها، علقت الرئيسة التنفيذية لاتحاد «الترفيه التفاعلي في المملكة المتحدة»، وهو الجهة المعنية بشؤون صناعة الترفيه وألعاب الفيديو، جو تويست، بقولها إن «ملايين اللاعبين يمارسون ألعاب الفيديو بأمان وبطريقة معقولة»، مضيفة أنه: «ليس هناك تشخيص طبي لإدمان الألعاب، لكن مثل أي شيء ممتع في الحياة، فإن بعض الناس يُفرطون في اللعب».

وأشارت تويست إلى اهتمام الشركات والمسؤولين عن صناعة الألعاب بصحة ونفع المستخدمين من خلال تدابير تضمن الاستمتاع بالألعاب على نحو آمن ومعتدل، كما يحثون اللاعبين على الحصول على فترات راحة منتظمة لا تقل عن خمس دقائق كل 45 إلى 60 دقيقة، لافتة إلى توافر أنظمة للتحكم في منصات الألعاب الرئيسية تتيح تحديد وقت اللعب، والاتصال بالإنترنت، وتحديد الوصول للمحتوى بحسب السن.

وتذهب آراء إلى أن مصممي الألعاب يعتمدون آليات جذب للمستخدمين تشبه من حيث المبدأ تلك المعتمدة في نوادي القمار، التي تَعِد اللاعبين طوال الوقت بمكاسب كبيرة للإبقاء على ولاءهم، وبالمثل تتضمن بنية الألعاب تقديم مكافآت للاعبين أو استبعادهم في أوقات غير محددة وغير منتظمة، ما يصيب اللاعبين بالتوتر ويدفعهم إلى الاستمرار، بسبب علمهم بإمكانية حصوله على جائزة من دون أن يدري الوقت المحدد.

وشهدت السنوات الأخيرة بعض الحالات الخطيرة للإفراط الشديد في استخدام الألعاب، منها في كوريا الجنوبية التي تتمتع فيها ألعاب الفيديو بشعبية واسعة، ففي عام 2010 أهمل زوجان إطعام رضيعتهما بسبب إدمانها اللعب واندماجهما في عالم افتراضي على الإنترنت فتوفيت جوعاً، وفي عام 2004 قتل رجل صيني زميله الذي سرق سيفه الافتراضي في إحدى الألعاب كنموذج على الاندماج والاهتمام المبالغ بالألعاب، إلى جانب حالات أخرى لإهمال الدراسة والعلاقات الاجتماعية بسبب الإفراط في اللعب.

وعلى الرغم من هذه الحوادث ووجهات نظر كالتي قدمتها الدراسة، لا تتفق آراء المختصين بشأن تصنيف «إدمان الألعاب» كحالة مرضية، كما يختلفون حول مدى انتشارها، واعتبر الإصدار الخامس من «الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية» أن إدمان الألعاب يحتاج إلى مزيد من البحوث، وصدر الدليل، وهو أحد المراجع المعترف بها عالمياً لتوصيف الاضطرابات النفسية والعقلية، في مايو الماضي عن «جمعية الأطباء النفسيين الأميركية».

تويتر