تطور تقني يتيح تشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي دون الاستعانة بـ «خوادم» بعيدة

شريحة إلكترونية تعمل بطريقة تحاكي الخلايا العصبية في المخ البشري

باحثون في معهد ماساشوستس للتقنية طوّروا هذا النوع من الشرائح الإلكترونية الدقيقة. من المصدر

طوّر باحثون في معهد ماساشوستس للتقنية «إم آي تي» نوعاً جديداً من الشرائح الإلكترونية الدقيقة، يعمل مع «الشبكات العصبية» التي يتم تصمميها وبناؤها بطريقة تحاكي طريقة عمل الخلايا العصبية في المخ البشري. ويتميز هذا النوع الجديد من الشبكات بقدرته على خفض الطاقة اللازمة لتشغيل الشبكات العصبية بمقدار 95%، ما يمهد الطريق نحو تشغيل هذه النوعية من الشبكات في الأجهزة التي تعمل على البطاريات العادية المستخدمة في الأجهزة اليدوية والمحمولة والشخصية، الأمر الذي يقود في النهاية إلى إمكانية نشر هذه النوعية من الشبكات في كل مكان، لخدمة مختلف الأغراض والأهداف.

ووفقاً للبيان المنشور على غرفة أخبار المعهد news.mit.edu في 13 الجاري، حول هذا التطور، فإن الفريق البحثي الذي حقق هذا الإنجاز ضم كلاً من عميد كلية الهندسة في المعهد أنانثا تشاندراكاسان، وأستاذ الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر فانيفار بوش، والباحث وطالب الدكتوراه في المعهد أفيشيك بيسواس، الذين أعلنوا عن نتائجهم في ورقة بحثية ضمن فعاليات المؤتمر الدولي لدوائر الحالة الصلبة، الذي عقد في الولايات المتحدة، الأسبوع الجاري.

وطبقاً لما قاله الباحثون، فإن أهمية هذه النوعية الجديدة من الشرائح تعود في جزء كبير منها إلى أن أحدث التطورات الجارية في أنظمة الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، ونظم التعرف إلى الكلام، والتعرف إلى الوجوه وتحليلات البيانات الضخمة، وغيرها من النظم والتقنيات المعقدة، تعتمد بصورة أو بأخرى على الشبكات العصبية، ومن ثم فهي تفتح الطريق لنشر هذه التطبيقات والشبكات بصورة أسرع وأسهل.

الشبكات العصبية

الشريحة تخفّض استهلاك الطاقة بالشبكات العصبية 95%، وترفع سرعتها ثلاثة أضعاف.

شرح الباحثون مفهوم الشبكات العصبية الذي جرى الاستناد إليه في تصميم الشريحة الجديدة، بقولهم إن الشبكات العصبية تتكون في العادة من عدد لا يحصى من الطبقات الموضوعة فوق بعضها بعضاً، وكل طبقة تكون فيها مجموعة من «العقد» أو نقاط معالجة، في ما تكون هناك «عقدة معالجة واحدة» في كل طبقة مسؤولة عن تلقي نتائج أو ما تتوصل إليه عقد المعالجة المنتشرة في الطبقة التي تحتها، ثم تمرر البيانات إلى العديد من العقد في الطبقة التي فوقها، وكل رابط أو وصلة بين العقد لديها وزنها الخاص الذي يشير إلى حجم أو أهمية الدور الذي ستلعبه مخرجات العقدة في الحسابات التي ستجري في العقدة التالية، وتدريب الشبكة على العمل بهذه الطريقة يتعلق بالأساس بوضعية هذه الأوزان.

والعُقد التي تتلقى البيانات من عقد متعددة في الطبقة الأسفل، ستضاعف كل مدخل من المدخلات استناداً إلى الوزن الخاص بكل وصلة، ثم جمع النتائج، وهذه العملية يطلق عليها «الجمع بين المضاعفات»، وهي أبسط تعريف لمفهوم «منتج النقطة»، وإذا تجاوزت قيمة منتج النقطة عتبة معينة، فإن العقدة ستحيلها إلى العقد في الطبقة التالية فوق الوصلات ذات الأوزان الخاصة بها، وهكذا.

واستناداً إلى ذلك، فإن الشبكات العصبية بصورة مجردة هي العقد والأوزان المخزنة في ذاكرة الكمبيوتر، وحساب منتج النقطة يتطلب جلب الوزن من الذاكرة، وجلب عنصر البيانات المرتبطة به، وضرب الاثنين وتخزين النتيجة في مكان ما، ثم تكرار العملية مع كل عملية إدخال إلى عقدة، ولأن الشبكة العصبية يمكن أن يوجد بها آلاف أو ملايين العقد، فإن هذا يؤدي بالضرورة إلى حركة البيانات بصورة كبيرة وضخمة في شتى الاتجاهات.

وهذا التسلسل في العمليات هو مجرد تقريب رقمي لما يحدث في المخ البشري، إذ تسافر الإشارات العصبية عبر العديد من «العصبونات» التي تتلاقى في ما يعرف علمياً بمنطقة «المشبك»، أو الفجوة بين حزم الخلايا العصبية المختلفة، وتطلق الخلايا العصبية الإشارات الكهروكيميائية التي تعبر المشبك وتتوافق مع قيم البيانات والأوزان.

المعالج العام

وقدم الباحث في المعهد أفيشيك بيسواس مزيداً من التفاصيل حول هذا التطور بقوله إنه «تم تصميم الشريحة الجديدة بحيث تعمل بمفهوم يطلق عليه (المعالج العام)، ووفق هذا المفهوم، فإن جزءاً من الشريحة يعمل كذاكرة إلكترونية فائقة السرعة، وجزءاً آخر كمعالج، وتتحرك البيانات المطلوب معالجتها بين الاثنين ذهاباً وإياباً عند القيام بأية حسابات، أو الرغبة في إنجاز أي مهام من قبل تطبيقات الذكاء الاصطناعي المثبتة على الجهاز، سواء كان هاتفا ذكياً أو غيره».

سرعة وطاقة

وفي النموذج الأولي للشريحة الذي عرضه الفريق خلال المؤتمر، اتضح أنه يتم تحويل قيم المدخلات العقدة إلى قيمة بـ«الفولت» الكهربائي، ثم ضربها بالأوزان المناسبة، ثم يتم تحويل القيم الفولتية المجمعة فقط إلى تمثيل رقمي مرة أخرى، وتخزينها من أجل عملية المعالجة التالية، وبالتالي، فإنه يمكن للرقاقة حساب «منتج النقطة» لكل عقدة، أو لعقد متعددة تصل إلى 16 عقدة في وقت واحد، بدلاً من إجرائها عبر رحلات مكوكية بين المعالج والذاكرة عند كل عملية حساب.

ومن هنا استطاعت الشريحة الجديدة أن ترفع سرعة معالجة البيانات والحسابات داخل الشبكات العصبية، بما يراوح بين ثلاثة أضعاف ما هو قائم حالياً، وفي الوقت نفسه خفض استهلاك الطاقة بما يراوح بين 94 و95%، ما يجعل من الممكن تشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي محلياً بالكامل على الهاتف الذكي والأجهزة المنزلية والمحمولة الأخرى، من دون الحاجة لتنفيذها على أجهزة الكمبيوتر الخادمة البعيدة.

تويتر