«سلاسل الكتل» تتحوّل من تقنية معقّدة إلى خدمة سـهلة

قبل أسابيع قليلة على انتهاء عام 2017، بدا واضحاً أن تقنية «سلاسل الكتل»، التي استمدت شهرتها الواسعة من كونها التقنية التي تعمل بها عملات الإنترنت المشفرة، على رأسها «بيتكوين»، دشنت نفسها كواحدة من أسرع التقنيات نمواً وانتشاراً، وأعمقها تأثيراً خلال هذا العام، بعدما استطاعت أن تتحوّل من تقنية معقدة محدودة الانتشار، يشغلها عدد قليل من المؤسسات الضخمة حول العالم، ومجتمع المطوّرين المحترفين المتخصصين في العملات الرقمية عبر الإنترنت، إلى خدمة برمجية سهلة الاستخدام، متاحة لجميع المؤسسات والشركات عبر منصّات الحوسبة السحابية الخاصة بمعظم منتجي التقنية الرئيسين حول العالم، طارحة بذلك واقعاً جديداً ومغايراً، يعد بتحسينات وتغيّرات هائلة في النظم المالية والمحاسبية السائدة لدى الشركات والمؤسسات، التي لديها سلاسل بيع أو سلاسل توريد، كبيرة أو متوسطة أو صغيرة.

تقنية غير جماهيرية

وعلى الرغم من أنها تقنية غير جماهيرية، لا يمكن مضاهاتها بتقنيات الهواتف الذكية مثلاً، فإنها باتت تمثل أحد التغيّرات المفصلية في عالم التقنية خلال العام الجاري، حيث يعود ذلك إلى ظهور العديد من التكتلات المالية والمصرفية العالمية الكبرى، التي أعلنت الاعتماد عليها كآلية لتنفيذ ملايين من عمليات المدفوعات المالية العابرة للحدود حول العالم.

والواضح أن أمر تقنية «سلاسل الكتل» لم يتوقف عند هذا الحد، إذ صدر تقرير عن مؤسسة «آي دي سي» البحثية، أكد أن تقنية «سلاسل الكتل» لم تعدّ التقنية التي يقتصر تشغيلها على عدد محدود من المؤسسات الكبرى عالمياً، بل أصبحت خدمة سهلة بسيطة منتشرة ومتاحة عبر عشرات من منصّات الحوسبة السحابية، ليستخدمها الجميع، وتقدم تحت اسم «باس».

قواعد بيانات

وبيّن التقرير أن «سلاسل الكتل» هي قواعد بيانات موزعة، تحتفظ بقائمة من السجلات المستمرة النمو بلا انقطاع، والمؤمنة ضد العبث والمراجعة، ويصفها المصرفيون والمحاسبون العاملون بالقطاع المالي بأنها أشبه بـ«دفتر أستاذ إلكتروني عام مفتوح»، تتشارك فيه أطراف عدة منفصلة في بياناتها ومعاملاتها، وتضع فيها بياناتها ومعلوماتها الخاصة بمعاملاتها المالية، وكل وحدة من هذه البيانات تختص بمعاملة أو عملية معينة، يطلق عليها «كتلة»، وكل كتلة لديها بصمة وقت، وترتبط مع سابقتها ولاحقتها برابط مميز، كما ترتبط بمشارك معين، لتشكل في النهاية «سلسلة كتل»، الامر الذي يسمح لأي مجموعة من المستخدمين، سواء مفتوحة أو مغلقة وتحت التحكم، بالمشاركة في «الأستاذ الإلكتروني العام»، والانخراط في مدفوعات مالية مشتركة طوال الوقت. ووفقاً لهذا التصور، يتم تحديث «سلسلة الكتل» فقط من خلال التوافق والاتفاق بين المشاركين في النظام، وعند إدخال بيانات جديدة لا يمكن محوها.

مفهوم الخدمات

وحتى وقت قريب، كان يتم تركيب وتشغيل تقنية «سلاسل الكتل» حلولاً قائمة بذاتها، عبر المؤسسات الراغبة في الاستفادة منها، لكن تقرير «آي دي سي» الأخير رصد تحوّلها إلى مفهوم الخدمات، بعدما ظهرت عروض من شركات كبرى تطرح «سلاسل الكتل» كخدمة، أي تتيح لأي شركة الاستفادة من هذه التقنية وتشغيلها، من خلال الحصول عليها جاهزة كخدمة يتم دفع مقابلها بصفة دورية (شهرياً أو سنوياً)، بحسب درجة استخدامها، وذلك كله من دون شرائها وتركيبها داخلياً في مقرات الشركات، أو تدريب موظفيها على صيانتها وحل مشكلاتها، وتهيئة بنيتها التحتية المعلوماتية للعمل معها، إلى غير ذلك من متطلبات التشغيل المعروفة.

وبحسب التقرير، فإن عروض خدمة «باس» صدرت عن شركات كبيرة متنوّعة، لعل أولها العروض المقدمة من شركة «مايكروسوفت» عبر منصّة «أزور» للحوسبة السحابية، حيث تتضمن هذه الخدمة تقديم مجموعة متنوّعة من بروتوكولات تقنية «سلاسل الكتل»، وعمليات دعم بسيطة، ومخرجات حسابية، مثل بيانات «غير المنصرف»، وبعض المخرجات الأخرى الأكثر تعقيداً، كخدمات «دفتر الأستاذ» القائمة على الإنتاج.

منتجو التقنية

وذكر التقرير أن شركة «إتش بي» للمؤسسات انضمت الأسبوع الماضي إلى منتجي التقنية، الذين يقدمون تقنية «سلاسل الكتل» كخدمة، مشيراً إلى أن الشركة تخطط لتقديم نماذج مرنة متغيرة، مشابهة لعروض أخرى في مجال تقديم تقنية «سلاسل الكتل»، بأسعار تركز على الحاسبات الخادمة، ووحدات المعالجة المركزية أو المحاور. وأوضح أن ذلك يعتمد من الناحية المحاسبة على المفهوم المعروف باسم «كوردا»، وهو منصّة «دفتر الأستاذ» الموزعة المصممة لتسجيل وإدارة وأتمتة الاتفاقات القانونية بين الشركاء التجاريين.

وأضاف أن شركة «أوراكل» المتخصصة في إنتاج قواعد البيانات، كشفت عن عروض لتقديم «سلاسل الكتل» كخدمة أيضاً، من خلال مشروع مؤسسة «لينكس» المعروف باسم «دفتر الأستاذ بالغ الضخامة»، وكذلك فعلت شركة «آي بي إم»، لتمكين وتأمين العمليات المالية العابرة للحدود، حيث تركز بالأساس على عمليات الشحن البحري، من خلال تحالفها مع شركة «ميرسك» للنقل البحري. ولفت التقرير إلى أن خدمة «آي بي إم - ميرسك لسلاسل الكتل» تتيح إدارة وتتبع مسارات الأوراق الخاصة بعشرات الملايين من حاويات الشحن في جميع أنحاء العالم، عن طريق «رقمنة» عملية سلسلة التوريد.

«ساب»

ووفقاً لتقرير «آي دي سي» فعلت شركة «ساب» كبرى الشركات المتخصصة في إنتاج نظم إدارة موارد المؤسسات، الشيء نفسه وأعلنت عن تقديم منصتها الخاصة بتوفير تقنية «سلاسل الكتل» كخدمة، التي تحمل اسم «منصّة ليوناردو البرمجية الرقمية».

أما مؤسسة «أرنست آند يونغ»، فأطلقت عرضين في هذا الصدد يتعلقان بالعمليات وسلاسل التوريد، على منصّة «ليوناردو» السحابية، إذ إنها تستهدف من هذين العرضين أن يكون من السهل على أي شركة - تحاول نشر وتشغيل نظام مشتريات قائم على تقنية «سلاسل الكتل» - أن تمتلك وتشغل نظام إدارة مؤسسات تم تكييفه وتهيئته ليناسب أعمالها، بما يمكنها من ملاحظة واعتماد والدفع في انشطة المشتريات من داخل أنظمتها وقواعدها القائمة والعاملة من دون الحاجة إلى تغييرها، والحصول على كل الفوائد والمزايا التي توفرها «سلاسل الكتل»، مثل التأمين العالي، والطبيعة الموزعة وغيرهما.