الأسواق الرقمية تعتبر نفسها «وسيطاً».. وتُحمّل المشتري المسؤولية القانونية في العملية

تقرير دولي يحذر من شراء التحف والقطع الأثرية عبر الإنترنت

صورة

حذر تقرير دولي حديث من شراء القطع الأثرية القديمة عبر الأسواق الرقمية من خلال شبكة الإنترنت، لافتاً إلى أن الذين يدخلون في صفقات شراء من هذا النوع عبر الإنترنت يكونون عرضة لفقدان 100% من أموالهم في 95% من الحالات.

• مخاطر وقوع المشترين تحت طائلة القانون أكبر بكثير من المخاطر التي يتعرض لها البائعون.

• «مؤسسة استعادة الفن» متخصصة في استرداد الممتلكات الثقافية المسروقة أو المفقودة.

المسؤولية المشتركة

وصف أحد مسؤولي موقع «إي باي» السياسة المتبعة في عرض الإعلانات الخاصة بالآثار بأنها قائمة على «نموذج المسؤولية المشتركة»، مشيراً إلى أن الشركة تعمل مع مجموعة خبراء لتحديد شرعية القطع الأثرية القديمة التي تباع على موقعها.

إلا أن رئيس «مؤسسة استعادة الفن الدولية»، كريستوفر مارينيلو، الذي عمل مع «إي باي» سابقاً لتحديد مصدر القطع على الإنترنت، يريد مراقبة وتعاملاً أكثر صرامة، وقال إنه لاتزال هناك الآلاف من القطع غير الموثقة والمزيفة ومجهولة المصدر تباع عبر هذه المواقع، وفي الغالب من باعة سيئي السمعة.

وأرجع التقرير ذلك إلى أن القطع المعروضة إما أنها غير شرعية أو مزيفة، فضلاً عن أن مخاطر وقوع المشترين تحت طائلة القانون أكبر بكثير من المخاطر التي يتعرض لها البائعون، وذلك بسبب السياسة التي تنتهجها الأسواق الرقمية في هذا الشأن.

وصدر التقرير عن «مؤسسة استعادة الفن الدولية»، وهي مؤسسة متخصصة في استرداد الممتلكات الثقافية المسروقة أو المفقودة على المستوى الدولي، ونشرت تفاصيل التقرير على العديد من مواقع التقنية الكبرى في الثامن من نوفمبر الجاري.

وكشف التقرير أن عدداً لا يحصى من الآثار المنهوبة والمهربة والمزيفة يجري الترويج لها في كل موقع يستخدم للبيع أو الترويج على الإنترنت.

قطع مسروقة

وقدّر الباحث في علم الآثار المهددة بالانقراض في «جامعة أكسفورد» والمشارك بالتقرير، نيل برودي، أنه من بين 100 ألف قطعة أثرية تعج بها الأسواق الرقمية عبر الإنترنت، فإن 80% على الأقل من المجموعات المقدرة في بعض المواقع والتي تتجاوز قيمتها 10 ملايين دولار إما مسروقة أو مزيفة.

ويلفت التقرير الانتباه إلي أن الخبراء وعلماء الآثار الذين جرى استطلاع آرائهم في التقرير عبروا عن قلقهم من كمية الآثار المسروقة وغير المشروعة التي غمرت مواقع مثل «إي باي» و«أمازون» خلال الفترة الأخيرة، إذ تضع الوسائل التي تطبقها المواقع لتنظيم مصدر الآثار والتحقق منها، عبء الإبلاغ عن قوائم البنود والقطع المشكوك فيها على المشتري، وهو ما يقول الخبراء إنه يجعل المشترين فقط عرضة للمخاطر عند شراء الآثار عبر الانترنت، فيما لا يضع شيئاً على البائعين.

تسهيل المهمة

والمعضلة الكبرى في هذه القضية أن الإنترنت سهلت كثيراً الانخراط في هذا النشاط، فمن يهتم بشراء التحف والقطع القديمة ما عليه سوى إجراء بحث سريع عبر مواقع التجارة الإلكترونية الكبرى، مثل «أمازون» أو «إي باي» ليحصل على نتائج فورية، ويختار أي عدد من القطع المتاحة، مثل مخطوطات البردي الفرعونية والقبطية، والقطع الأثرية الفرعونية، والرومانية، والإسلامية القديمة من مختلف العصور، ومجموعات من المطبوعات الحجرية الصفراء، وقطع نقدية قديمة، وغيرها، لكن في الحقيقة تكون كل هذه الأشياء عبارة عن تشكيلة من قطع مزيفة، ومنهوبة، ومختلسة، وإذا كنت تحاول شراءها فإن فرص فقدان أموالك يمكن أن تكون عالية.

مسؤولية المشتري

وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» نشرت أخيراً نتائج مسح مطول أعدته لتحديد المسؤولية عن بيع القطع غير المشروعة التي تتم المتاجرة فيها عبر الأسواق الرقمية. وكشف المسح أنه غالباً ما تميل الأسواق الرقمية إلي تطبيق نهج يلغي مسؤوليتها إلى حد كبير، ويضع على المشترين عبء التنبيه إلى وجود القطع الأثرية المنهوبة والمختلسة وغير المشروعة.

ووفقاً لما يقوله رئيس «مؤسسة استعادة الفن الدولية»، كريستوفر مارينيلو، فإن شركات مثل «أمازون» و«إي باي» تعتقد أن المشتري هو المسؤول شخصياً عن التحقق من مصدر القطع التي يشتريها عبر الإنترنت، وما هي إلا «عارض بحسن نية» يعمل كوسيط بين البائع والمشتري، أو مجرد «طريق سريع للتجارة» يسمح للمشترين والبائعين بالتداول، ويتحملون هم المسؤولية عن أفعالهم، وعملياً فإن هذه المواقع لاتزال غير قابلة للمساءلة.

انتهاك القوانين

ويعبر مارينيلو عن خشيته من أن جامعي القطع الأثرية الهواة قد يجدون أنفسهم في حالة انتهاك للقوانين، سواء القوانين الفيدرالية الأميركية أو قوانين دول أخرى، إذا كانوا يشترون البضائع غير المشروعة عبر الإنترنت.

وفي سوق محاطة بمواد مشبوهة، فإنه يكون هناك دائماً احتمال حقيقي جداً بأن يجد المشتري نفسه متهماً بتهمة جنائية. ويضيف: حتى الآن لم تقتنع شركات مثل «إي باي» بإتاحة خدمات تتبع مصدر المعروضات أمام المشترين والمستهلكين، لحمايتهم من الغش، والوقوع في دائرة الاتجار بالقطع المسروقة.

وعندما نبهت صحيفة «وول ستريت جورنال» شركة «أمازون» إلى وجود قائمة مشبوهة من القطع النقدية الرومانية التي «حفرت حديثاً» معروضة للبيع من طرف بائع يسمى: «عملة البيت القديمة»، أزالت «أمازون» الإعلان فوراً. وبعد أيام كانت القطع النقدية معروضة للبيع مرة أخرى، وفي هذه المرة عرضت بثلاثة أضعاف السعر الأول.

تساؤل مشروع

في هذا السياق، قال عالم الآثار بول بارفورد، الذي يكتب على نطاق واسع عن اصطياد وبيع القطع الأثرية القديمة، إنه لا يجد سبباً مقنعاً يجعل «أمازون» لا تفعل ما هو أكثر لإغلاق العناصر المشبوهة التي يتم سردها على الموقع.

وأضاف أنه عند رصد واقعة العملات النقدية المزيفة، فإنه كان هناك 111 إعلاناً مماثلاً لم تفعل معها «أمازون» شيئاً. وتساءل: لماذا سحبت «أمازون» إعلاناً واحداً وتركت البقية؟ ولماذا لا تدرس أنشطة البائعين الذين يعرضون هذا النوع من الآثار على المدى الطويل على بوابتها ككل؟

بدوره، نشر مؤرخ السلع القديمة وعالم البرديات في «جامعة مانشستر»، الدكتور روبرتا مازا، تغريدة عبر حسابه على «تويتر» يخطر فيها موقع «إي باي» عن وجود إعلان لديه، يعرض بيع بردية قبطية غير شرعية على الموقع. وردت الشركة بتغريدة قالت فيها: «نحن لا نسمح بالتزييف والتحريف، وعلى كلٍّ فإن من يشك في أمر من هذا النوع أن يستخدم رابط (إبلاغ عن بند)».

وبعد ذلك تم سحب الإعلان، وهنا قال الدكتور مازا إن موقع «إي باي» تهرب من مسؤوليته الأساسية، وهي مراقبة البضائع المسروقة وغير الشرعية، والقيام من تلقاء نفسه بمنع وصولها للمشترين.

تويتر