يتكون من حبيبات إلكترونية دقيقة تنثرها طائرة بدون طيار لتشكل شبكة لالتقاط المعلومات

«الغبار الذكي».. أحدث أدوات جمع البيانات ووقود لإنترنت الأشياء

بعد استقرار الغبار على المكان المستهدف تنشط كل حبيبة منه وتعمل معاً كشبكة معلومات واسعة النطاق. من المصدر

من يعش في المناطق الريفية التي تنتشر بها المزارع الواسعة يألف مشهد مرور طائرات الرش الزراعي الصغيرة فوق الحقول، لتنثر السماد والمبيدات المقاومة للآفات الزراعية، لكن في ما يبدو أن هذا المشهد ستضاف إليه صورة أخرى مختلفة، إذ سيكون مألوفاً أن تمر طائرة صغيرة بدون طيار «درونز» فوق الحقل أو المزرعة، فتنثر في الهواء غباراً براقاً دقيقاً، غير أن هذه المرة الغبار لن يكون سماداً أو مبيداً للآفات بل «غبار ذكي» يتكون من حبيبات إلكترونية دقيقة الحجم، تتناثر بالجو كالغبار ثم تتساقط على المكان، وبعد سقوط واستقرار الغبار على الأرض تنشط كل حبيبة أو حبة منه وتعمل معاً كشبكة معلومات واسعة النطاق، ترصد درجات الحرارة والرطوبة وحركة الأشياء، وتلتقط الصوت والصور لحظياً، ثم تنقل هذه المعلومات إلى الجهات المسؤولة عن نثرها وتشغيلها عن بعد، لتتعرف إلى حالة المزروعات، واحتياجها للماء أو السماد، أو مدى تعرضها للآفات وخلافه.

تقنيات بازغة

- «الغبار الذكي» يستخدم في رصد الحرارة وحركة الأشياء.. ويلتقط الصوت والصورة لحظياً.

- التقنية الجديدة تعبر عن التطور المذهل الذي طرأ على أجهزة الاستشعار الدقيقة الحجم.

وجاء الحديث عن «الغبار الذكي» ومستقبله وتطبيقاته المختلفة في تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات، أخيراً، يتعلق بإنترنت الأشياء، وآفاقها المستقبلية، وكيف أنها ستتحول إلى فضاء تكون السيادة فيه لـ«الأشياء غير العاقلة» التي إما ستنوب عن البشر في العمل على الشبكة أو تستخدم الشبكة من تلقاء نفسها.

واعتبر التقرير هذا الغبار أحدث أدوات جمع البيانات وواحداً من تقنيات عدة بازغة تدفع وتيرة التقدم في مجال إنترنت الأشياء وتعد وقودها الأساسي، منها تقنية التصغير الفائق «النانو»، وتقنية التحقق من الهوية بواسطة موجات الراديو، فضلاً عن تقنية المستشعرات الدقيقة التي يتصدرها «الغبار الذكي».

المستشعرات

وأشار التقرير إلى أن مصطلح «الغبار الذكي» يعبر عن التطور المذهل الذي طرأ على المستشعرات أو أجهزة الاستشعار الدقيقة الحجم، موضحاً أن المستشعر هو أداة إلكترونية تفحص وتستشعر أو تقيس التغيرات أو الاستثارات الفيزيائية للأشياء مثل الحركة والحرارة والضغط، ويستجيب لها بطريقة معينة، ثم يحول الإشارات من استثارة فيزيائية الى شكل تماثلي أو رقمي، لذلك فإن البيانات الخام حول المعايير المطلوب رصدها وفحصها يمكن قراءتها بواسطة الآلات أو البشر.

وأضاف أنه بشكل عام، فإن المستشعرات تصنف طبقاً للمعايير التي تقيسها، سواء كانت ميكانيكية كالموقع والقوة والضغط، أو كانت حرارية مثل التغيرات في درجة حرارة الطقس، أو إلكترونية أو تتعلق بالمجالات المغناطيسية أو الإشعاعية، أو كيميائية كالرطوبة والغازات المؤينة، أو بيولوجية كالسمية ومعدلات وجود الكائنات البيولوجية.

وبين تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات، أن المستشعرات بهذا الشكل ليست وليدة اليوم بل موجودة منذ فترة طويلة وتستخدم على نطاق واسع، لكنها كانت دوماً مستشعرات ينقصها الذكاء بالمفهوم الذي يجري الحديث عنه حالياً، إذ إنه من حيث الحجم كانت كبيرة ومرئية للعين حتى إنه يمكن التقاطها باليد، علاوة على أنه لابد من تثبيتها في مكان ما بشكل محسوب بدقة، سواء كانت معلقة على حائط أو مغروسة في عنق حيوان يرتع بمزرعة، ووظيفياً هي تستشعر فقط الاستثارة أو التغيرات والأنشطة الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية بالبيئة المحيطة، بها ثم تحولها إلى إشارات كهربية تماثلية أو رقمية وتنقلها لوحدة بث متصلة بها، لتقوم وحدة البث بنقل هذه الإشارات سواء كان سلكياً أو لاسلكياً إلى مركز تلقي هذه الإشارات ومعالجتها وتحويلها إلى بيانات ومعلومات يفهمها البشر أو الحاسبات والآلات، وتستخدمها في اتخاذ قرارات بعينها.

تطورات متلاحقة

وأفاد التقرير بأن المستشعرات القديمة خضعت لتطورات متلاحقة سارت في مسارات ثلاثة متزامنة ثم تلاقت أخيراً لتصنع ما يعرف بـ«الغبار الذكي»، موضحاً أن المسار الأول تمثل بالتصغير الفائق في حجم المستشعرات، حيث تم فيه تكثيف الاعتماد على تقنية التصغير الفائق «النانو» في إنتاج المستشعرات فنقصت أبعادها وأحجامها وأوزانها من الغرامات والسنتيمترات إلى ما دون المليمترات والمليغرامات مساحة ووزناً، بل وتواتر الحديث عن مستشعرات لا ترى بالعين المجردة. وأضاف أنه مع خفة الوزن وتضاؤل الحجم باتت بالفعل أشبه بحبيبات الغبار وربما أصغر وأخف، وفي الوقت نفسه قادرة على استيعاب العديد من المكونات الجديدة التي لم تكن موجودة به من قبل.

أما المسار الثاني، وفقاً للتقرير، فتمثل بالتعديل والتحسين في الأداء الوظيفي، إذ دخلت على الخط التقنيات فائقة التقدم المستخدمة في صناعة الشرائح الإلكترونية والمعالجات الدقيقة المستخدمة في صناعة الحاسبات، وكذلك التقنيات المستخدمة في دمج البرمجيات والنظم داخل الشرائح بالغة الصغر، ما فتح الطريق أمام إضافة وظائف ومقومات جديدة للمستشعر، من بينها التحلي بذاكرة إلكترونية وامتلاك وسيلة مستقلة للحصول على الطاقة، فضلاً عن استيعاب برمجيات دقيقة تجعله قادراً على اتخاذ قرارات من تلقاء نفسه، أو الاستجابة لأوامر تأتيه من بعيد.

وذكر التقرير أن المسار الثالث ركز على تحسين قدرات الاتصال والتراسل لدى المستشعر، بحيث تكون القدرة على الإرسال والاستقبال مدمجة في المستشعر نفسه وليست وظيفة لجزء ملحق به، لافتاً إلى أن هذا المسار أفضى إلى منح المستشعر قدرات غير مسبوقة في التواصل لاسلكياً، وسهولة ضم نفسه إلى مستشعرات أخرى في إطار شبكة أوسع نطاقاً، بما يعنيه مفهوم الشبكة من قدرات على المشاركة وإتاحة المعلومات والتفاعل مع الأعضاء الآخرين عبر الشبكة.

المستشعر الذكي

وأفاد تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات بأن الإنجازات التي تحققت في تلك المسارات تلاقت معاً وصنعت في النهاية المستشعر الذكي الذى يتشابه في حجمه ووزنه مع ذرات الغبار، والقادر على أن يتحسس ويرصد ويلتقط المعلومات المتعلقة بالاستثارة أو الأنشطة الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية للأشياء والأهداف في البيئة المحيطة به، إضافة إلى التقاط الأصوات والصور، ويتمتع بذاكرة ونظام تشغيل وقدرات تواصل لاسلكي متطورة وبرمجيات مدمجة تتيح له تلقي أوامر جديدة أو تعديل مهام قائمة.

العمل بتقنية الـ«ويب»

وأشار التقرير إلى أنه بدأ الحديث أخيراً عن إعادة تهيئة «الغبار الذكي» ليعمل بتقنية الـ«ويب» المستخدمة عبر الإنترنت، ما يسمح بمشاركة واسعة للمعلومات التي يتم جمعها بواسطة ذرات الغبار، بمعنى إيجاد شبكات معلومات تعمل بتقنية الإنترنت ويتم من خلالها ربط حبيبات «الغبار الذكي» بالطريقة التي تترابط بها الحاسبات والمواقع على الإنترنت، وبما يتيحه ذلك من قدرات ومرونة عالية في تجميع المعلومات من آلاف الحبيبات وتجميعها ومعالجتها مركزياً ثم إتاحتها للمشاركة.

وأضاف أن الأمر تطور وبدأ الحديث عن ذرات الغبار التي تبصر وتسمع، أي المزودة بكاميرات تلتقط الصور و«ميكروفونات» تلتقط الصوت ثم تنقل ما تصوره وتسمعه عبر الشبكات اللاسلكية إلى مركز التجميع.

وأكد التقرير أن هذه التطورات تفتح المجال واسعاً أمام تطبيقات تجارية واقتصادية وصناعية واسعة النطاق، مبيناً أن أول التطبيقات المبكرة يتمثل في استخدام طائرة بدون طيار «درونز» في نثر «الغبار الذكي» فوق المزارع، لتكوين شبكات معلومات ترصد وتتنبأ بحالة المحاصيل طوال فترة نموها وحتى الحصاد، وكذلك في أغراض مراقبة البيئة والأحوال الجوية ومستويات تلوث الماء والهواء. كما يمكن استعمال هذه الشبكات داخل المصانع والتجمعات الإنتاجية الكبرى، لرصد درجات الحرارة والمباني وخطوط الإنتاج وغيرها.

تويتر