استجابة للنمو السريع في عائدات الحوسبة والتراجع الملحوظ في مبيعات البرمجيات التقليدية

«مايكروسوفت» تبدأ سياسة مبيعات تركز على الحوسبة السحابية

يوليو هو الشهر الذي اعتادت «مايكروسوفت» الإعلان فيه عن خططها بشأن خفض أو إلغاء الوظائف. أرشيفية

بحلول السنة المالية الجديدة في الأول من يوليو الجاري، بدأت «شركة مايكروسوفت الأميركية» تنفيذ أكبر عملية تغيير وإعادة بناء وتنظيم لجهاز التسويق والمبيعات التابع لها حول العالم، ليعيد التركيز على بيع خدمات الحوسبة السحابية، أكثر من التركيز على بيع البرمجيات التقليدية مثل «ويندوز» و«أوفيس»، وهو ما يعد انقلاباً تاماً وشاملاً على أفكار ونظريات مؤسس الشركة وأسطورتها التاريخية، بيل غيتس، التي قامت بالأساس على فكرة منح الاستقلال الكامل للكمبيوتر الشخصي، عبر مده بكل ما يحتاجه من نظم تشغيل وبرمجيات، تصنع لمن يستخدمه عالمه الخاص المستقل.

ويأتي هذا التغيير الذي تبدو فيه «مايكروسوفت» مجبرة على التخلي عن أفكار مؤسسها الأول، استجابة للنمو القوي والسريع في عائدات الحوسبة السحابية، والتراجع الملحوظ في مبيعات وعائدات البرمجيات التي تسوق بالطرق التقليدية.

إلغاء وظائف

«مايكروسوفت» بدأت إعادة بناء وتنظيم لجهاز التسويق والمبيعات التابع لها حول العالم.

موظفو «مايكروسوفت» يتخوفون من قرارات بتسريح آلاف العاملين في الشركة.


مجالات بيع البرمجيات

كشفت «مايكروسوفت» النقاب، قبل فترة، عن أن الرئيس التنفيذي لها، ساتيا ناديلا، يعمل على تقوية أهم أشكال الحوسبة السحابية التي تجعل الشركات تستخدم «منصة آزور» بكثافة وبصورة أساسية، بدلاً من إضافة عدد محدود من الدولارات كائتمان، أو مخصصات لـ«آزور» في اتفاقات العقود الشاملة لمؤسساتهم التي تبرم بالطريقة التقليدية.

ومع إعادة التنظيم، ستركز فرق مبيعات قطاع المؤسسات على بيع برمجيات «مايكروسوفت» وخدماتها في ستة صناعات، هي: التعليم، والحكومة، والتجزئة، والصحة، والتصنيع، والخدمات المالية.

أنباء هذا التغيير الضخم، الذي يتوقع العديدون أن يكون مصحوباً بإلغاء آلاف الوظائف وتسريح العاملين بها، وردت في كثير من المواقع خلال الأسبوع الماضي، منها شبكة «بلومبيرغ»، و«تيك كرنش»، و«بيزنس انسايدر»، و«جيك واير»، إذ أشارت هذه المواقع إلى مذكرة داخلية وزعتها الشركة على العاملين في الثالث من يوليو الجاري، وتحدثت عن هذا الأمر، وذكرت أن الشركة ستمد العاملين بالتفاصيل الكاملة عن هذا التغيير خلال وقت قريب.

وأكدت جميع التقارير أن هذا التغيير مرتبط، من الناحية الإجرائية، بالتغيير الذي حدث في القيادة العليا للشركة الصيف الماضي، بخروج نائب الرئيس للتسويق والمبيعات، كيفن تورنر، من منصبه الصيف الماضي، بعد أن ظل فترة طويلة مسؤولاً عن التسويق والمبيعات، ومجيء كل من جودسون التهوف، وجين فيليب كورتويس، مديرين تنفيذيين مسؤولين عن التسويق والمبيعات في الشركة، خصوصاً أن «التهوف» معروف بانتقاداته العلنية لسياسات المبيعات السابقة.

أفكار بيل غيتس

لكن من الناحية الموضوعية، فإن الأمر مرتبط بالتغيير العميق الذي حدث في سوق البرمجيات، الذي جعل الكفة تميل تدريجياً نحو خدمات الحوسبة السحابية، على حساب البرمجيات التقليدية الموضوعة في علب وتباع كمنتجات مستقلة وفق اتفاقات تراخيص الاستخدام التقليدية، إذ إن عائدات وأرباح الأولى تنمو بقوة وبصورة سريعة، وعائدات وأرباح الثانية تتباطأ وتنخفض عاماً بعد آخر.

أما من حيث الجوهر والفلسفة، فإن عملية «إعادة تنظيم وبناء» جهاز تسويق ومبيعات «مايكروسوفت» ليركز على الحوسبة السحابية بدلاً من البرمجيات التقليدية، أمر مناقض كلياً للأفكار والمناهج التي وضعها مؤسس الشركة بيل غيتس في نهاية السبعينات، وشكلت الأساس الذي عملت به «مايكروسوفت» طوال تاريخها، والقائم على منح الاستقلالية لكل كمبيوتر وكل مستخدم، ليكون مالكاً لنظام تشغيله وبرمجياته، وتطبيقاته المكتبية التي تصنع عالمه الخاص، بعيداً عّما كان غيتس يصفه دوماً بأنه «حالة خضوع وعبودية» لشبكات المعلومات وحاسباتها المركزية العملاقة، التي تهيمن على كل شيء يفعله أو يقوم به الكمبيوتر المخصص للمستخدم النهائي، سواء كان مستخدماً منزلياً أو موظفاً في مؤسسة.

شكل غيتس هذا الفكر الأساس الراسخ لمفهوم أجهزة الكمبيوتر الشخصية والتطبيقات المكتبية، لكنه اليوم يذوب ويتلاشى، فها هي «مايكروسوفت» مجبرة على مسايرة منطق خضوع الكمبيوتر الشخصي والمستخدم الفرد لهيمنة مركز الشبكة مرة أخرى، الذي تغير في الألفية الجديدة ليحمل اسم «الحوسبة السحابية» بدلاً مما كان يعرف في الماضي بالحاسبات الكبيرة «مين فريم»، فضلاً عن وجود الإنترنت كوسيط عملاق للتواصل والاتصال طوال الوقت من أي مكان وبأكثر من وسيلة.

الحوسبة السحابية

وقال متحدث باسم «مايكروسوفت» إن الشركة تنفذ هذه التغييرات لتحسين خدمة المتعاملين وشركائها، متوقعاً أن تشهد المرحلة المقبلة تكثيفاً لجهود الشركة في بيع خدمات الحوسبة السحابية القائمة على الاشتراكات، وهو مجال الأعمال السريع النمو بالنسبة لـ«مايكروسوفت» الذي يحقق معدل تشغيل قيمته 15.2 مليار دولار. وعلى الرغم من أن عمل بيع البرمجيات بالطريقة التقليدية لمرة واحدة لايزال ضخماً، فإن عائداته ومبيعاته تتجه للانخفاض، مع تصاعد أعمال الحوسبة التي باتت «تأكل» من عائدات وأرباح بيع البرمجيات المبيعة بالطريقة التقليدية. وطبقاً لتقرير أورده موقع «جيك واير»، فإن «مايكروسوفت» تعيد بناء وتنظيم جهاز التسويق والمبيعات التابع لها، ليركز على مجموعتين من العملاء، الأولى: هي المؤسسات الكبيرة، والثانية تشير إليها «مايكروسوفت» بمجموعة «إس إم سي»، وتتضمن المتعاملين الأفراد والمؤسسات المتوسطة والصغيرة الحجم.

ويستهدف التغيير أيضاً تحسين عائدات الحوسبة السحابية بالنسبة لكل موظف، والتي تراها «مايكروسوفت» منخفضة مقارنة بما ترغب في الوصول إليه.

وبحسب مصادر مقربة من الشركة، فإن «مايكروسوفت» تعتقد أن لديها عدداً كبيراً جداً من فرق المبيعات والموظفين المرتبطين ببيع خدمات «منصة آزور للحوسبة السحابية»، وهي المنصة المنافسة لخدمات «ويب أمازون»، ونتيجة لذلك، فإنه مع كل عملية بيع، هناك الكثير من الناس والفرق التي تطالب بالعمولات والائتمان، ما يجعل العائد على الموظف منخفضاً.

تسريح موظفين

إلا أن أهم ما يشغل العاملين في «مايكروسوفت» حالياً هو أن هذا التغيير الكبير سيكون مصحوباً على الأرجح بخفض في الوظائف وتسريح لآلاف من العاملين، على الرغم من أن أحداً لم يبلغ رسمياً بذلك، ويعزز هذا الاعتقاد أن يوليو هو الشهر الذي اعتادت «مايكروسوفت» دوماً الإعلان خلاله عن خططها بشأن خفض أو إلغاء الوظائف وتسريح الموظفين.

ففي العام الماضي، أعلنت أنها ستلغي 3850 وظيفة، من بينها 900 وظيفة على الأقل في مجموعة المبيعات، وقبلها بشهرين قالت إنها ستسرح 1850 موظفاً لهم علاقة بقطاع أعمال الهواتف المحمولة، وفي يوليو 2015 ألغت 7800 وظيفة، كما ألغت قيمة صفقة الاستحواذ على «نوكيا» البالغة 7.6 مليارات دولار من أصولها.

تويتر