في خطوة نحو بناء معالجات دقيقة وشرائح إلكترونية عالية السرعة وأقل استهلاكاً للطاقة بكلفة منخفضة

معالج تجريبي مصنّع من مواد مرنة «ثنائية الأبعاد» قابلــة للطي

يمكن إعادة شريحة المعالج الجديد إلى حالتها الأصلية بعد طيها دون أن تنكسر أو تظهر فيها شقوق. من المصدر

قبل 46 عاماً ظهرت الحاسبات المصغرة أو «المايكروكمبيوتر» التي أصبحت تعرف في ما بعد بالحاسبات الشخصية، وكانت النواة الأساسية لظهورها، المعالجات الدقيقة من الفئة العاملة على هذه النوعية من الأجهزة، حيث كانت الشركة الناشئة المتخصصة فيها، وهي «إنتل»، التي تعد عملاق صناعة المعالجات الآن، تقدم معالجات بدائية متواضعة القدرات، وتسمح بتشغيل وظائف محدودة على هذه الحاسبات، وبعدها تغيرت مسيرة الإنسانية مع عالم التقنية، حيث يبدو اليوم أن دورة جديدة في عُمر صناعة تقنية المعلومات ومسيرة الإنسانية مع التقنية على وشك أن تبدأ، بعد أن ظهر نموذج تجريبي بدائي لمعالج دقيق مصنوع من مواد «ثنائية الأبعاد» عالية المرونة، لا تدخل فيه مادة «السيليكون» مطلقاً، ويعد أول خطوة نحو بناء معالجات دقيقة وشرائح إلكترونية بديلة وجديدة تماماً، تتسم بالاستهلاك المنخفض للطاقة، والسرعة والقوة والكلفة الرخيصة، فضلاً عن المرونة التي تجعلها قابلة للطي والانحناء، مع إمكانية إعادتها إلى البسط والفرد من دون أن تنكسر أو تظهر بها شقوق وشروخ.

فريق البحث

 

- المعالج الجديد طوره باحثون في معهد «إلكترونيات فيزياء الجوامد» بجامعة فيينا

- الباحثون اختاروا مادة «ثاني كبريتيد الموليبيدينيوم» بديلاً لـ «السيليكون»


الإنتاج التجاري

أفاد الباحثون بأن «الإنتاج التجاري واسع النطاق للمعالجات المرنة المصنوعة من مواد ثنائية الأبعاد ليس أمراً قابلاً للتحقق خلال المدى القصير، وإنما سيتحقق على الأجل المتوسط أو الطويل، في غضون 10 سنوات وأكثر».


115

«ترانزستور» يعمل بها النموذج الأوّلي من المعالج الجديد.

وطوّر المعالج الجديد فريق من الباحثين بمعهد «إلكترونيات فيزياء الجوامد» في جامعة فيينا، يضم الأساتذة الباحثين في المعهد: ستيفان ووتشر وديمتري بوليشكين وتوامس ميولر، إضافة إلى الدكتور أول بيثغ، من معهد «الفوتونات» بالجامعة. ونشر الفريق بحثا أكاديمياً حول هذا المعالج في مجلة «نيتشر» العلمية، تحت عنوان «معالج دقيق معتمد على أشباه موصلات ثنائية الأبعاد».

وقال أعضاء الفريق في بحثهم الذي نشر، أخيراً، على موقع «نيتشر»، إن «ظهور الحاسبات الـ(مايكرو) أو الحاسبات الشخصية في سبعينات القرن الماضي، غيّر الحياة بصورة كبيرة، ومنذ ذلك الحين والمعالجات الدقيقة تُصنع حصرياً من (السيليكون)، لكن الطلب المتزايد والمستمر على السرعة الأعلى والكثافة الأشد والاستهلاك الأقل من الطاقة، إلى جانب التكامل الأفضل مع الأجهزة والمعدات والبضائع المستخدمة في الحياة اليومية، دفعا البحوث نحو إيجاد بدائل لـ(السيليكون)»، موضحين أنه «ظهرت خلال السنوات الماضية بدائل عديدة، منها (الجرمانيوم) وألياف الكاربون النانوية أو الفائقة الصغر، التي يتم تصنيعها على هيئة أفلام بلاستيكية شديدة النحافة، يتم تكوين المعالجات الدقيقة عليها».

مواد ثنائية الأبعاد

وأضاف الباحثون أنه «خلال السنوات الأخيرة ظهرت أيضاً المواد ثنائية الأبعاد المعروفة علمياً باسم (تي إم دي)، ومنها الفوسفور الأسود»، مشيرين إلى أن «إنتاج هذه المواد تطوّر بصورة كبيرة وسريعة جداً خلال السنوات القليلة الماضية، وأصبحت، على غرار البدائل السابقة، تنتج في صورة أفلام مرنة فائقة النحافة، وبتناسق وجودة عالية، وتتصف بخصائص يمكن أن تؤدي إلى ثورة في تصميم وتصنيع الشرائح الإلكترونية والمستشعرات والبطاريات والأجهزة الكهربائية عموماً». وبينوا أن «نحافة المواد ثنائية الأبعاد الشديدة توفر بوابات تحكم كهربية محسنة للغاية، وتقلل استهلاك الكهرباء، كما تتيح الفرصة لعمل تصميمات وأحجام متناهية الصغر للأجهزة»، لافتين إلى أن «أهم خاصية لهذه المواد هي مرونتها العالية وجودتها كشبه موصل للكهرباء».

بديل «السيليكون»

وذكر أعضاء الفريق البحثي أنهم «اختاروا مادة (ثاني كبريتيد الموليبيدينيوم) من بين المواد ثنائية الأبعاد، بديلاً لـ(السيليكون) في صناعة المعالجات الدقيقة، وهي مادة مصنّعة من طبقة واحدة مسطحة في سُمك الذرات والجزئيات، ما يجعلها مرنة للغاية». وأوضح الباحثون أنه «عند بناء المعالج، وضعوا طبقتين منها على قاعدة أو (ركيزة) من (السيليكون)، محفور فيها تصميم دائري مفصول بطبقة من أكسيد الألمنيوم»، مشيرين إلى أن «قاعدة (السيليكون) لا تقوم بأي وظيفة سوى العمل كوعاء حامل أثناء التصنيع، وبعد ذلك تتم إزالتها واستبدالها بالزجاج أو أي مادة أخرى، فلا يصبح لها أثر في المعالج». وأفادوا بأنه «يمكن مستقبلاً استخدام ركائز أو قواعد من مواد أخرى غير (السيليكون) أثناء التصنيع، لتصبح العملية برمتها خالية من (السيليكون) تماماً».

وبين الفريق البحثي أن «المعالج الذي تم إنتاجه بهذه الطريقة احتوى على 115 (ترانزستور) فقط قابلة للزيادة والتوسع، يفصل بين كل منها اثنان مايكرومتر، بحيث يتعامل المعالج أو يعالج بياناً واحداً فقط في الوقت نفسه، ولذلك فهو معالج (1 بت)».

معالج بدائي

ولفت الباحثون إلى أن «هذه المواصفات تعيد للأذهان المعالج (4004) الذي قدمته شركة (إنتل) قبل 46 عاماً، وكان يعمل أو يعالج أربعة بيانات، و46 أمراً، وبالتالي فهو يعد معالجاً بدائياً للغاية مقارنة بمواصفات معالجات اليوم»، مبينين أن «أحدث معالج طرحته (إنتل) ويحمل اسم (كابي ليك)، يعالج (64 بت) من البيانات، ويضم مئات الملايين من الترانزستورات، كما يعالج ملايين الأوامر في وقت واحد، والمسافة الفاصلة بين كل ترانزستور وآخر في (كاب ليك) تقل بـ100 ضعف على الأقل عن المسافة الفاصلة بين الترانزستورات المثبتة على المعالج الجديد». واعتبر الباحثون أن «المعالج الجديد يعتبر بدائياً فعلاً»، لكنهم في الوقت نفسه يرون أنه «يقدم شيئاً جوهرياً جديداً تماماً»، موضحين أن «من يمسك شريحة (السيليكون) الموضوع عليها معالج (كابي ليك) ويضغط عليها سيكسرها حتماً، لكن المعالج الجديد لو تعرض للموقف نفسه سينحني ويُطوى وقد تصيبه (الكرمشة)، من دون أن يصاب بشيء يوقفه عن العمل، وبعدها يمكنه أن يعود إلى حالته الأصلية بلا مشكلات».

حجم كبير

أما بالنسبة للمواصفات البدائية المتواضعة المتعلقة بالوظائف، فقال الباحثون إنهم «اختاروا عن عمد الاعتماد على خاصية الحجم الكبير في عملية التصنيع لتقليل تأثيرات الفجوات والمشروخات والتلوث في أفلام (ثاني كبريتيد الموليبدينوم)، وحتى يكون من السهل فحص النتائج بالميكروسكوب البصري، لاعتبارات تتعلق بالمرحلة البحثية التي يمرون بها، وهو ما قلّل كثيراً من عدد (الترانزستورات) والأوامر التي يعالجها، وجعل المسافة بين كل (ترانزستور) وآخر كبيرة مقارنة بالمعالجات الحالية».

وأكد الفريق البحثي أنه «بمزيد من العمل والتقدم في الأبحاث، يمكن أن ترتفع درجة تعقيد هذه المعالجات، ويتم تقليل حجمها، ورفع كفاءتها كثيراً».

تويتر