تطور تقني غير مسبوق يمهّد لأجهزة أكثر نحافة وأعلى سرعة وأخف وزناً وأقل كلفة

«ميمريستور».. شريحة جديدة تلغي المعالج المركـزي في الكمبيوتر وتنقل مهامه إلى الذاكرة المؤقتة

معظم الأجهزة الإلكترونية تعتمد على وحدة المعالجة المركزية (بروسيسور)، ووحدة ذاكرة الوصول العشوائي أو الذاكرة المؤقتة (رام)، ووحدة التخزين (هارد ديسك). من المصدر

استندت صناعة الكمبيوتر، منذ اختراعها في نهايات النصف الأول من القرن الـ20، ومعها معظم الأجهزة الإلكترونية الأخرى، على نظرية تضم ثلاثة مكونات، هي: وحدة المعالجة المركزية (بروسيسور)، ووحدة ذاكرة الوصول العشوائي أو الذاكرة المؤقتة (رام)، ووحدة التخزين (هارد ديسك)، وتعمل كل منها بصورة مستقلة، وتتصل وتتفاعل مع الوحدتين الأخريين عبر لوحة رئيسة، ومكونات فرعية أخرى.

«الترانزستورات» تتيح مساحة من الذاكرة تستوعب أي برنامج يتم تشغيله على الكمبيوتر.

تعديل شرائح «ري رام» يتيح تخزين البيانات، ومن ثم تسريع مهام الحوسبة.


شرائح «ري رام»

تعد «ري رام» واحدة من أسرع شرائح الذاكرة في الأسواق حالياً، وهي متاحة تجارياً للاستخدام مع تطبيقات «إنترنت الأشياء»، وبعض جهود ابتكارها وإنتاجها تعود إلى عام 2015. ومن هذه الجهود الاتفاق الذي وقعته شركتا «إتش بي» و«سان ديسك»، للقيام بصورة مشتركة بتطوير شريحة ذاكرة تخزينية المستوى، عرفت باسم «إس سي إم ري رام»، تستطيع أن تحل محل «دي رام»، ويمكن أن تكون أسرع 1000 مرة من شرائح «ناند» الفلاشية.

إلا أن التاريخ ربما يسجل 18 يناير 2017، باعتباره اليوم الذي قوّض هذه النظرية، والبنية المعمارية المستندة إليها تماماً، ففي صباح ذلك اليوم أعلن فريق من العلماء أنه عدل طبيعة شريحة الذاكرة المؤقتة، لتقوم بمهامها ومهام وحدة المعالجة معاً، وتصبح البنية المعمارية الأساسية للكمبيوتر مكونة من عنصرين فقط، هما شريحة إلكترونية ووحدة تخزين، مع إلغاء المعالج المستقل، ما يعني أننا بصدد مرحلة جديدة تماماً، تسود فيها أجهزة الكمبيوتر التي لا تتضمن معالجات بصورتها المألوفة لنا منذ 60 عاماً أو أكثر، لكنها تتصف بمزايا هائلة من حيث السرعة، وخفة الوزن، والنحافة الشديدة، والخفض الكبير في استهلاك الطاقة.

أما الفريق المسؤول عن هذا التطور بعيد المدى وعميق الأثر، فهو تابع لكل من جامعتي «نانجي» السنغافورية للتنقية، و«آخن» الألمانية للتقنية، ونشرت تفاصيله مجلة «نيتشر» العملية، نقلاً عن بيانات رسمية صادرة عن الجامعتين.

الذاكرة المؤقتة

تتكون شرائح ذاكرة الوصول العشوائي المؤقتة (رام)، شأن غيرها من الشرائح الإلكترونية، من ملايين «الترانزستورات»، لكنها تتميز بمجموعة من السمات، منها السرعة العالية في العمل، وصغر الحجم، وقلة استهلاك الطاقة، ووظيفتها الأساسية داخل الكمبيوتر هي إتاحة مساحة من الذاكرة تستوعب أي تطبيق أو برنامج يتم تشغيله على الكمبيوتر، ليعمل بأعلى كفاءة ممكنة.

أما التعديل الذي أجراه الفريق البحثي على هذا النوع من الشرائح، فيجعلها تقوم بوظيفة جديدة هي معالجة البيانات وإجراء عمليات الحوسبة بمختلف درجاتها ونوعياتها، وهي المهمة الموكلة حالياً بالكامل إلى وحدة المعالجة «البروسيسور».

وقال الفريق إن بحوثه انصبت على شرائح الذاكرة الإلكترونية المؤقتة المعروفة باسم «ري رام»، وهي التي جرى تعديلها جوهرياً، لتقوم بمهام ذاكرة الوصول العشوائي، ومهام المعالجة والحوسبة في الوقت نفسه، وهي المرشحة الآن لأن تحل محل المعالجات الحالية التي تعمل بصورة مستقلة.

خلفيات «ري رام»

تمثل «ري رام» أحدث وأفضل نوعية مطروحة في الأسواق حالياً من شرائح الذاكرة المؤقتة، لأنها تتميز بقدرتها على التخزين لفترة طويلة، وتستهلك قدراً قليلاً من الطاقة أثناء عملها، فضلاً عن أنها صغيرة الحجم للغاية، كونها مصممة ومنتجة بمقاييس تقنية «النانو» الفائقة الصغر، وفي الوقت نفسه تحظى باهتمام واسع ومتزايد من قبل شركات أشباه الموصلات، التي تتوسع في الاستثمار فيها، باعتبارها تقنية مستقبلية واعدة جداً.

«ري رام» بعد التعديل

تستخدم شرائح «ري رام»، العادية غير المعدلة، النظام الثنائي الذي يقوم بتمثيل كل «بت» من البيانات في صورة إما «صفر» أو «1».

أما هذا التعديل الذي قام به الفريق، فيجعلها تعالج البيانات في ثلاث حالات وليس حالتين فقط، وبالتالي فهي تنتقل للعمل بالنظام الرقمي الثلاثي، الذي يجعلها قادرة على تخزين ومعالجة البيانات في صورة «صفر» و«1» و«2». ونظراً لأن شرائح «ري رام» تستخدم مقاومات كهربية مختلفة لتخزين المعلومات، فإنه يمكنها بعد هذا التعديل تخزين البيانات في عدد أكبر من الحالات، ومن ثم تسريع مهام الحوسبة، فيما يجاوز الحدود الحالية بعشرات الأضعاف.

«ميمريستور»

أطلق الباحثون على شريحة «ري رام» المعدلة اسم «ميمريستور»، وهو مصطلح كوّنه الفريق من الجمع بين القسم الأول لكلمة ذاكرة «ميموري»، والقسم الثاني من كلمة «ترانزستور» بالإنجليزية، والنجاح في هذه الخطوة يعني أن «ميمرسيتور» ستحل مستقبلاً محل المعالج والذاكرة معاً، وتتيح الاستفادة الكاملة من الخصائص المميزة لشريحة الذاكرة الإلكترونية، من حيث الخفة والسرعة والاستهلاك المنخفض في الطاقة. وعملياً ستتم ترجمة ذلك بإطلاق موجة من الأجهزة الإلكترونية الجديدة تماماً، لأنها ستكون أكثر نحافة وأعلى سرعة، وذات بطاريات أقل حجماً، وأخف وزناً وأقل كلفة، عند الشراء والتشغيل والصيانة، وهذه التغييرات الثورية الضخمة، ستشمل الإلكترونيات على اختلاف أنواعها، مثل أجهزة الكمبيوتر المكتبية والخادمة، والمحمولة، والهواتف المحمولة العادية والذكية والكاميرات، والأدوات اليدوية وأدوات «إنترنت الأشياء»، والأجهزة القابلة للارتداء، وغيرها الكثير.

تويتر