بعد أن كانت تقنية مهمة ومنصة قوية في تشغيل المحتوى متعدد الوسائط

شركات تقنية تتخلى عن «آدوبي فلاش» بعد 316 ثغـرة أمنيــة خــلال عــام واحد

أثبتت تقنيات «إتش تي إم إل 5» جدواها وفعاليتها الواضحة بديلاً عن تقنيات «آدوبي فلاش». أرشيفية

عاشت تقنية «آدوبي فلاش» لعقود عدة متبخترة مدللة في عالم الـ«ويب»، يطلب ودّها مئات الآلاف من المطورين والمبرمجين وأصحاب المواقع، باعتبارها «أيقونة» الجاذبية والحيوية لأي موقع، والمنصة الأقوى والأهم في تشغيل المحتوى متعدد الوسائط والرسوم المتحركة.

خدمة بث الألعاب «تويتش»

أعلنت خدمة بث الألعاب «تويتش» أنها أعادت تصميم مشغل الفيديو خاصتها، بالانتقال من منصة «آدوبي فلاش» إلى استخدام «إتش تي إم إل 5» و«جافا سكريبت».

وقالت إن المستخدمين لن يشهدوا التغييرات دفعة واحدة، بل بطريقة تدريجية، لافتة إلى أن التحديث الأول سيؤثر فقط في عناصر التحكم لدى اللاعبين، في حين أن الفيديو الفعلي لايزال يعتمد على «فلاش».

إلا أنه خلال عام 2016، أصبحت هذه التقنية كمن اكتشف الجميع إصابته بمرض فقد المناعة المكتسبة «الإيدز» إثر الكشف عن احتوائها، أو تسببها في حدوث 316 ثغرة أمنية متنوعة في أقل من عام واحد، وسرعان ما تبخر التبختر، والدلال، وخبت الأيقونة الشابة، لتصبح عجوزاً يفر منها الجميع، حتى الشركة المصنعة لها.

فخلال الشهر الجاري فقط، أعلنت شركات تقنية عملاقة مثل «غوغل» و«موزيلا» و«أبل»، عن وقف تشغيل تقنية «آدوبي فلاش» في متصفحاتها: «كروم» و«فايرفوكس» و«سفاري»، بل إن شركة «آدوبي» نفسها وجدت أن اسمها أصبح نحساً عليها فقررت تغييرها من «آدوبي فلاش» إلى «آدوبي أنيميت سي سي»، ثم أوقفت تشغيلها في بعض منتجاتها.

قرار «مايكروسوفت»

وآخر عمليات «نفض اليد» والنبذ، جاءت في بيان صدر عن شركة «مايكروسوفت» الأميركية في 15 ديسمبر الجاري، وأعلنت فيه وقف تشغيل تقنية «آدوبي فلاش» في متصفحها الجديد «إيدج»، ليصبح التشغيل بناء على أمر من المستخدم من خلال زر خاص بذلك داخل المتصفح، وليس افتراضياً تلقائياً كما كانت الحال من قبل، ولايزال في متصفح «إكسبلورر».

وأرجعت «مايكروسوفت» هذا القرار إلى رغبتها في «تحسين أمن المتصفح واستقراره واستنزاف البطارية» وهي الأسباب ذاتها تقريباً التي ساقتها من قبل شركات «غوغل» مع متصفحها «كروم»، و«موزيلا» مع متصفحها «فايرفوكس»، و«أبل» مع متصفحها «سفاري»، وهي تقرر نبذ «آدوبي فلاش»، وتحويلها إلى «إضافة» يتوقف تشغيلها على رغبة المستخدم، بدلاً من كونها خاصية مدمجة تلقائياً داخل المتصفح.

وقالت «مايكروسوفت» إن التغييرات ستضاف إلى «إيدج» كجزء من التحديثات التي تتم على «ويندوز 10» ويتوقع أن تظهر الربيع المقبل، لكنها ستظهر قبل ذلك للاختبار والمراجعة. وفي كل الأحوال سيتم طرح التغييرات تدريجياً، ففي البداية ستسمح لـ«فلاش» بالاستمرار في العمل تلقائياً من قبل معظم المواقع، قبل أن توقف تشغيلها في مزيد من المواقع تدريجياً، حتى تلغى تماماً.

وقرار «مايكروسوفت» يعني أن متصفح «إنترنت اكسبلورر» سيصبح هو المتصفح الوحيد المستخدم على نطاق واسع الذي يشغل تقنية «فلاش» بصورة تلقائية، أي أنه الوحيد الذي يغرد خارج السرب.

نقاط ضعف أمنية

وفي ما يتعلق بعثرات ونقاط ضعف تقنية «آدوبي فلاش» الأمنية، قال الباحث في أمن المعلومات بشركة «كاسبرسكي»، ليفيو ايتوافا، إن معظم عمليات الاستكشاف والاختراق القائمة حالياً للمواقع تستهدف الـ«فلاش» أو تتم من خلال تقنية «آدوبي فلاش»، فمع كل إصدار أو تحسين أو تحديث جديد، يتم دوماً الكشف عن نقاط ضعف أمنية جديدة داخل الـ«فلاش»، لافتاً إلى أن الأغلبية الساحقة من نقاط الضعف الأمنية الجديدة في «فلاش» تسمح بتثبيت وتشغيل «أكواد» ضارة بواسطة المخترقين، ويتم تصنيفها باعتبارها أعلى المخاطر المحتملة في النظم الشائعة في ترتيب وتصنيف نقاط الضعف.

من ناحية أخرى، كشف العديد من الخبراء أن أداء تطبيقات الـ«ويب» في المواقع المعتمدة على تقنية «فلاش» يميل إلى البطء وتدني مستوى الكفاءة في التشغيل، وهو العامل الذي دفع شركات كبرى مثل «فيس بوك» لاستخدام المحتوى المستند إلى تقنيات «إتش تي إم إل 5» بدلاً من «آدوبي فلاش».

«إتش تي إم إل 5»

لم تكن أخطاء وعثرات «آدوبي فلاش» الأمنية وغير الأمنية هي العامل الوحيد الذي أطلق موجة نبذها والتخلي عنها، فقد كان هناك عامل آخر شديد الأهمية هو ظهور بديل قوي ومنافس، يقدم حلولاً لكل هذه المشكلات بصورة جذرية تقريباً، وهو تقنيات «إتش تي إم إل 5» التي طرحت نفسها بديلاً جديداً يتسم بقوته من ناحية التأمين، وارتفاع كفاءته من حيث التشغيل، فضلاً عما تتيحه من مرونة وخفة تضفي سرعة واضحة على المواقع التي تشغلها.

وقد أثبتت تقنيات «إتش تي إم إل 5» جدواها وفعاليتها الواضحة بديلاً عن «آدوبي فلاش»، ما حدا بـ«مايكروسوفت» لأن تصدر نصيحة علنية لمطوري الـ«ويب»، توصيهم فيها بالتخلي عن «آدوبي فلاش» واستخدام تقنيات «إتش تي إم إل 5».

«ويب ديزاينر»

أما شركة «غوغل»، فلم تتوقف عند التخلي عن «آدوبي فلاش»، ونصح المطورين بالابتعاد عنها، بل مضت خطوة أبعد من ذلك، وأطلقت في نوفمبر 2016 أداة تسمى «ويب ديزاينر» لتصميم مواقع «ويب» بأحدث إصدار من لغة «إتش تي إم إل 5» كبديل لـ«أدوبي فلاش»، لكونها قادرة على العمل مع الرسوم المتحركة التي يمكن أن تعمل على أي جهاز. ويمكن استخدامها في تصميم الرسوم لأي جهاز مهما يكن قياس شاشته سواء كانت شاشة كمبيوتر مكتبي أو لوحي، أو شاشة هاتف محمول، دون متاعب في طريقة عرضها. ووصفت «غوغل» هذه الأداة بأنها «حزمة تصميم هائلة متكاملة بديل لحزمة برمجيات (آدوبي) الخاصة بتصميمات الـ(ويب) وليس فقط (آدوبي فلاش) وحدها.

قرار«أبل»

بدورها، أشارت شركة «أبل» منذ فترة، وبهدوء، إلى أن بعض الإصدارات من برنامج «آدوبي فلاش» قد تم منعها على أجهزة كمبيوتر «أبل»، وأن نظام «آي أو إس» لأجهزة «أبل» الذكية لم يعد يدعم هذه التقنية.

وجاء هذا الموقف امتداداً للقرار الذي اتخذه مؤسس ورئيس «أبل»، ستيف جوبز، قبل رحيله بعدم استخدام تقنية «آدوبي فلاش» على الاطلاق في هواتف «آي فون» الذكية، بسبب أضرارها واستهلاكها الكبير لموارد الأجهزة.

وفي ضوء كل هذه التطورات المتلاحقة لم يعد السؤال هو هل ستموت «آدوبي فلاش»؟ وإنما أصبح: متى ستلفظ النفس الأخير من أنفاسها وتختفي تماماً؟ مع أن هذا يتوقع له أن يحدث خلال عام 2017.

تويتر