في خطوة جديدة للوصول إلى حاسب يحاكي طريقة عمل المخ البشري

«آي بي إم» تكشف عن شريحـــة معالج تعمل بمفهوم الشبكات العصبية

الشريحة الجديدة تم استخدامها في تطوير حاسب «آي بي إم» الجديد «إن إس 16 آي». من المصدر

كشفت شركة «آي بي إم»، المتخصصة في تصنيع وتطوير الحاسبات والبرمجيات، أخيراً، عن شريحة معالج إلكترونية جديدة، تم تصميمها وإنتاجها لتعمل بمفهوم «الشبكات العصبية»، التي يعمل بها المخ البشري، في خطوة جديدة للوصول إلى حاسب يحاكي طريقة عمل المخ.

مشروعات أخرى

في ضوء أن المخ البشري يضم 100 مليون خلية عصبية على الأقل، مع تريليونات من نقاط الاشتباك العصبية، فإن شريحة «ترو نورث» الجديدة التي كشفت عنها شركة «آي بي إم»، التي تضم مليونا فقط من الخلايا العصبية الرقمية و256 مليوناً من نقاط الاشتباك العصبية، تجعل الأمر في بداياته وأيامه الأولى. كما يشير ذلك إلى أن الوصول إلى حاسب يحاكي المخ البشري فعلياً من حيث القدرات، وليست طريقة العمل فقط، هو أمر لايزال أمامه الكثير من الوقت، وهو ما تحاول كثير من الجهات الأخرى الوصول إليه، إذ إن هناك مشروعات أخرى مماثلة يجري تطويرها في شركة «إتش بي»، وجامعة «ستانفورد» الأميركية، إضافة إلى جامعة «هيدلبرغ» في إلمانيا، وجامعة «مانشستر» في المملكة المتحدة.

وذكرت الشركة أن الشريحة الجديدة لديها القدرة على «التعلم العميق»، واتخاذ القرارات بناءً على سلسلة من الاحتمالات والبيانات والمعلومات ذات العلاقة بها، مثلما يفعل العقل البشري، مشيرة إلى أنها تقوم بذلك باستهلاك قدر ضئيل من الطاقة.

وتوقعت الشركة أن تفتح الشريحة إمكانات واسعة لوضع الذكاء في جميع أشكال الحوسبة، من «إنترنت الأشياء»، والهواتف المحمولة، و«الروبوتات»، إلى السيارات والحوسبة السحابية، وحتى الحاسبات فائقة الأداء «السوبر كمبيوتر».

حلم قديم

وتعّد الشبكات العصبية، التي تم إنتاج الشريحة الجديدة على أساسها، من العلوم والمجالات المستقبلية في مجال تقنية المعلومات والحاسبات، وتعدّ حلماً قديماً متجدداً، ولاتزال تتصف بكونها دراسات مستقبلية، على الرغم من أن البحوث الجارية فيها تعود إلى عشرات السنين الماضية.

وتقوم فكرتها الأساسية على محاولة الوصول إلى وحدات لمعالجة البيانات والمعلومات تعمل بالطريقة نفسها التي يعمل بها المخ البشري، والتي يفترض العلماء أنها تقوم على عمل الخلايا العصبية الموجودة في المخ، وتشكل شبكة بيولوجية كهربائية لمعالجة المعلومات الواردة إلى المخ، وتترابط في ما بينها عبر ما يُعرف بنقاط الاشتباك العصبية، أو المشابك العصبية التي تلعب دوراً أساسياً في توجيه عملية المعالجة، وتجعل المخ قادراً على معالجة مليارات من البيانات والمعلومات لحظياً.

شبكة شديدة التعقيد

وحسب ما جاء في البيان المنشور على غرفة أخبار شركة «آي بي إم» ibm.com/‏‏‏press، فإن المخ البشري يحتوي على 100 مليون خلية عصبية، تقوم بالاتصالات المتبادلة عبر تريليونات من الوصلات «نقاط الاشتباك العصبي»، وفي هذه الشبكة شديدة التعقيد وهائلة الكفاءة، تقوم القشرة المخية بأعمال التعرف البصري إلى الأشياء والأهداف، فيما تتعرف أجزاء أخرى من المخ إلى الأصوات والحركة وغيرها.

تطوير «إن إس 16 آي»

وعلى غرار شبكة المخ جرى تصميم الشريحة الجديدة التي أطلق عليها «ترو نورث»، بحيث تضم مليون خلية عصبية رقمية، و256 مليون نقطة اشتباك عصبية، أو عقدة اتصال، لتبادل الاتصالات والتواصل بين الخلايا العصبية الرقمية.

كما تستخدم خوارزميات أو نماذج رياضية، ونماذج تعلم تنطوي على التعرف إلى الأنماط والبيانات السابقة والحالية المصاحبة لها.

ولايزال تكوين خوارزميات لنماذج «تعلم عميق» مختلفة جارياً، لكن الشريحة يمكن استخدامها مع النظم الحالية، مثل نظام «مات كونف نت» للاتصالات العصبية، الذي يستطيع المطوّرون استخدامه في تكوين نماذج لـ«التعلم العميق»، ثم تقوم «ترو نورث» بعمل المعالجة الخلفية لهذه النماذج.

ووفقاً لبيان «آي بي إم»، تم المضي قدماً في تفعيل هذه الشريحة عملياً، وجرى استخدامها في تطوير الحاسب الذي قدمته «آي بي إم» مطلع العام الجاري، ويعمل بمعالج شبكات عصبية، ويحمل اسم «إن إس 16 آي»، ليتم استخدامه في معالجة الصور والأصوات والتعرف إلى الأنماط.

حاسب بـ16 شريحة

وبعد إضافة شريحة «ترو نورث» إلى هذا الحاسب، أصبح لديه خلايا عصبية رقمية، تتكون من 16 شريحة، وكل شريحة منها تحتوي على مليون خلية عصبية رقمية، و256 مليون نقطة اشتباك عصبية، تم توصيلها وتربيطها معاً عبر الدوائر الالكترونية، وإضافة إلى معالج الشبكات العصبية، تم تزويد الحاسب بوحدات ذاكرة تناسب الحوسبة العصبية، وبنظم فرعية للحوسبة والاتصالات، لتسهيل كفاءة استخدام الطاقة ومعالجة البيانات.

وبهذه الطريقة اعتبرت «آي بي إم»، أن الحاسب «إن إس 16 آي» يعمل بمعالج شبكات عصبية، وبتحليل قدرات وأداء هذا الحاسب، وجد أن بإمكانه تصنيف بيانات الصور بمعدل يراوح بين 1200 و2600 لقطة أو إطار صورة في الثانية، ويستهلك في هذا التصنيف والتحليل ما يراوح بين 25 و275 مللي وات فقط من الطاقة، كما يستطيع الحاسب بالمعالج العصبي الموجود في داخله، التعرف إلى الأنماط والأشياء المتشابه داخل الصور المولدة، بما يراوح بين 50 و100 كاميرا بمعدل 24 إطاراً أو لقطة في الثانية. ويمكن لهذا المعالج أن يقوم بهذه الوظيفة ليس من خلال حاسب «إن إس 16 آي» الجديد فقط، بل يمكنه القيام بها باستخدام هاتف ذكي من دون الحاجة إلى إعادة شحن لأيام عدة.

طاقة أقل

ويعدّ استهلاك الطاقة بهذه الصورة، أكثر كفاءة مما هو قائم حالياً في الحاسبات الخادمة والشخصية الحالية، التي تعتمد على الشرائح الإلكترونية التقليدية، مثل وحدات المعالجة المركزية، ووحدات معالجة الرسوميات، والدوائر المعروفة باسم «أو إف بي جي إيه»، أو مصفوفات البوابات القابلة للبرمجة حقلياً، التي بالإمكان تهيئتها وإعدادها من قبل مصمم أو مستخدم بعد تصنيعها، وعادة ما تستخدم في التعرف إلى الصور والأصوات.

جهود منذ 2004

يشار إلى أن الشريحة الجديدة تعدّ حلقة في سلسلة جهود طويلة بدأتها شركة «آي بي إم» منذ عام 2004 لتطوير شرائح إلكترونية تعمل بطريقة مشابهة لعمل المخ البشري، وذلك في إطار مشروع كبير، تطمح «آي بي إم» من خلاله إلى بناء حاسبات جديدة تحمل محل الحاسبات الحالية التي بنيت على تصميمات وبنية معمارية، وضعت منذ عقود مضت.

وبعد جهود سنوات قدمت الشركة نموذجاً لحاسب يحاكي مخ قطة في عام 2009، ثم طرحت نموذجاً أولياً للشريحة الجديدة في 2011، وكان يضم 256 خلية عصبية، فضلاً عن بعض قدرات التعرف إلى الأنماط.

تويتر