مستشعرات دقيقة تُزرع في الجسم.. وروبوتات قابلة للطيّ تبلع بكبسولات لتتجول بين الأعضاء

باحثون يطورون أدوات لتشخيص الأمراض وعلاجها من داخل الجسم

صورة

تعد التطورات المذهلة في الاتصالات اللاسلكية قصيرة المدى، إضافة إلى التطورات في تصميم وإنتاج الشرائح الإلكترونية فائقة الصغر، المطبوعة عليها برمجيات قوية محددة الوظائف، عوامل دفعت العديد من علماء الطب والحاسبات والإلكترونيات والبيولوجيا والاتصالات إلى التفكير في أدوات وأساليب للعلاج، تعمل على تشخيص الأمراض وعلاجها من داخل الجسم وليس من خارجه، أي ينتقل الطرف المعالج إلى داخل الجسم، فيتجول فيه بحرية، ويكتشف مكان الإصابة، ويشخصها، ومن ثم يعالجها، ويرسل تقاريره وبياناته أولاً بأول إلى الطبيب، أو حتى المريض.

وقد بدأت باكورة هذه الأدوات تظهر بالفعل، ويعمل باحثون على تطويرها في صورة مستشعرات دقيقة بحجم جزيئات الغبار، أو أقل من نصف سمك شعرة الرأس، تزرع داخل الجسم لتتبع نشاطه، فضلاً عن روبوتات قابلة للطي والثني والفرد، توضع داخل كبسولات يتم ابتلاعها لتذهب وتتجول بحرية بين الخلايا والأعضاء، وتذهب إلى مكان الإصابة بالجسم وتتعامل معها.

بحوث واقعية

ويتشابه ذلك مع بعض ما ورد في أفلام الخيال العلمي، لكنه الآن ليس خيالاً، بل بحوث علمية واقعية، بدأت نتائجها في الظهور تباعاً، إذ إنه جرى، أخيراً، الإعلان عن تطورين مهمين في هذا السياق: الأول خرج من جامعة بيركلي الأميركية ويتعلق بتصميم وإنتاج المستشعرات الفائقة الصغر، والثاني من فريق بحثي دولي، يتعاون فيه علماء من معهد «ماساشوستس» في الولايات المتحدة، والمعهد التقني بطوكيو، إلى جانب جامعة «شيفلد» بإنجلترا، وذلك لتصميم وإنتاج أول «روبوت» يوضع في كبسولة ويتم بلعه، للمساعدة في تشخيص أمراض المعدة كمرحلة أولى.

وحسب بيان نشره موقع جامعة بيركلي www.berkeley.edu وتناقلته مواقع تقنية عدة، فإن المشروع الأول الذي تعمل عليه الجامعة يستهدف إنتاج مستشعرات بحجم جزيئات الغبار، تتم زراعتها داخل الجسم البشري، لتتبع نشاط أعضاء وخلايا الجسم وأعصابه وعظامه، وبعدها تعالج مشكلات صحية متعددة في وقت واحد، كأن توقف أعراض الصرع أو تمكن المصابين بالشلل النصفي من المشي مرة أخرى، أو تجعل الجندي الذي فقد رجله مسيطراً على ساق آلية، من خلال عقله وتفكيره.

نظام متكامل

وتعتبر هذه المستشعرات، على ضآلة حجمها، نظاماً معلوماتياً متكاملاً، إذ إنها تعمل على رصد حالة الهدف الذي تتبعه، وتجمع بيانات حقيقية وواقعية عنه، وتعالجها، فضلاً عن إجراء خطوات محددة مع هذا الهدف، الذي يمكن أن يكون عضواً في الجسم أو خلية أو عصباً أو غيرها، وفي الوقت نفسه الاتصال بالأطباء المسؤولين عن تشغيلها خارج الجسم. ولتقوم المستشعرات بذلك فإنها تضم نظاماً للتشغيل، وذاكرة إلكترونية ونظاماً للإرسال والاستقبال، ومعالجاً للبيانات.

وأطلق العلماء على هذه المستشعرات اسم «الغبار العصبي»، ووفقاً لبيان الجامعة، فإن المستشعرات توضع داخل مكعبات بقطر ميليمتر واحد، وهو حجم ذرة رمل، ومع ذلك يعمل الباحثون على تخفيض الحجم ليصبح أصغر من ذلك، ليصبح المستشعر يماثل مكعباً أبعاده 50 ميكروناً، وهو نحو جزأين من 1000 جزء من البوصة، أو نصف عرض شعرة الرأس.

فائق الصغر

وخلال التجارب، جرت زراعة هذه المستشعرات في العضلات والأعصاب الطرفية للفئران، لكن العلماء يعتقدون بالفعل أنه يمكن استخدامها في استثارة العضلات والأعصاب، وربما معالجة الالتهابات وربما الصرع، فامتلاك أدوات تجري قياسات وفحوصاً من داخل الجسم لم تكن ممكنة، لأنه لم تكن هناك طريقة لوضع شيء فائق الصغر وفائق العمق داخل الجسم، غير أنه مع تلك المستشعرات، كما جاء في البيان، وفقاً للأستاذ المساعد للهندسة الكهربية وعلوم الحاسب في جامعة بيركلي، ميشيل ما هرابيز، يمكن أخذ موضع أو بقعة صغيرة جداً، تمثل لا شيء، ووضعها بالقرب من العصب أو العضو المراد فحصه، أو العضلة، لتتبع وتراقب وتقرأ البيانات وترسلها من داخل الجسم إلى خارجه.

ويمكن أن تعمل هذه المستشعرات بكريستالات تعمل بالكهربية الضغطية، التي تحول الاهتزازات فوق الصوتية خارج الجسم إلى الطاقة أو الكهرباء التي تستخدم في تشغيل المستشعرات. وفي الاختبارات المعملية، تمت تغطية المستشعرات بمادة «الإيبوكسي» المستخدمة جراحياً، ويعمل العلماء على ما يطلقون عليه الأغشية الرقيقة المتوافقة حيوياً، والتي تتعايش مع أنسجة الجسم دون أن تضرها، والتي يمكن أن يتم استخدامها كغطاء للمستشعرات لتظل داخل الجسم لسنوات عدة.

روبوت دقيق

أما المشروع الثاني، الذي يعمل عليه فريق «ماساشوستس» و«شيفلد» ومعهد طوكيو للتنقية، فنشر عنه تقرير في موقع computerworld.com. ومن خلال هذا المشروع عمل الباحثون على بناء روبوت دقيق قابل للطي والثني والتشكيل، لذلك أطلق عليه «الروبوت الأوريجامي»، نسبة إلى الفن الياباني الذي يحمل الاسم نفسه، ويتعلق بعمل أشكال فنية من خلال طي وتشكيل الورق.

وقال الأستاذ في معهد «ماساشوستس» للتقنية، والتي تدير أيضاً معمل علوم الحاسب والذكاء الاصطناعي، دانييلا روس، إنه «تم حتى الآن اختبار الروبوت في معدة اصطناعية، مصنوعة من مطاط السيليكون، ومبنية على ميكانيكية معدة ومريء الخنزير»، مضيفة أنه «خلال الاختبارات حرك الروبوت نفسه عبر سطح المعدة بما يطلق علية حركة (عصا الانزلاق)، بمعنى أن زوائد الروبوت صممت لكي تلتصق بالسطح باستخدام الاحتكاك، لكنها تنزلق بحرية حينما ينثني جسمها للقيام بحركة جديدة».

ويأخذ الروبوت شكل المستطيل، وهو مصمم بطيات تشبه الأكورديون، مع مغناطيس على واحدة من هذه الطيات، تستجيب للمجالات المغناطيسية خارج الجسم، وباستخدام هذا المغناطيس يستطيع الأطباء التحكم في حركة الروبوت وتحريكه إلى المكان الذي يريدون أن يذهب إليه.

ويوضع الروبوت في كبسولة يتم بلعها، وعندما تصل إلى المعدة تذوب تلقائياً ليتحرر الروبوت، ويبدأ في التجول في حركة حرة داخل المعدة، يتم التحكم فيها من الخارج طبقاً لمخطط العلاج، لعلاج الجروح، والتعامل مع الالتهابات والأجزاء المتقرحة والنازفة، أو إزالة زر بطارية جرى ابتلاعه بطريق الخطأ على سبيل المثال.

تويتر