تستخدم في إنشاء وإدارة حسابات وشخصيات وهمية.. وتتلاعب بالعواطف والأفكار لتحقيق هدف مرسلها

«سوفت بوت».. برمجيات توجه المســتخدم إلى «عالم أسود» عبر شبكات التواصل

برمجيات «سوفت بوت» تتصرف نيابةً عن مالكيها ومشغليها في نشر المحتوى والتعليق عليه. أرشيفية

برنامج صغير لا تراه العين، يثبّت على الكمبيوتر في منطقة غامضة تلفها الظلال وعدم الوضوح، يعمل لحساب صاحبه الذي لا تعرفه، ويظهر لك عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لاسيما «فيس بوك»، بألف وجه وألف صورة، منفذاً أوامر من يديره ويملكه، فتارة يظهر لك بصورة امرأة مثيرة تحض على الجنس، وتارة في صورة شخص مرموق أو صديق مخلص يحكي لك عن فوائد وتجارب عاشها في حياته، وبين ثنايها يدس ترويجاً لمنتج أو سلعة أو خدمة.

ويظهر البرنامج تارة أخرى في صورة مناضل يجرك إلى فكرة، أو معتقد، أو تيار أو توجه، وتارة في صورة من يهمس في أذنك، بما يجعلك مطلعاً على الأسرار وعلى خلفيات ما يجري حولك من أحداث وقضايا. وفي كل الأحوال، ومن دون أن تدري، فإنه يسحبك إلى عالم افتراضي أسود.. إنها برمجيات «سوفت بوت» softbot، القلب النابض لهذا العالم على شبكات التواصل الاجتماعي.

العمل بالإنابة

أشباح داخل الشبكات الاجتماعية

بدأ بعض كبار الباحثين في مطلع عام 2010 الحديث عمّا يمكن أن تفعله البرمجيات المبنية على تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً «فيس بوك»، واحتمالات تغلغلها لتشكل واقعاً زائفاً وهمياً لا وجود له في الواقع الفعلي، إذ تتحرك عبر الشبكات، كما الأشباح أو الظلال الغائمة، التي يشعر الناس بوجودها، ولا يتبينون حقيقتها.

وفي عام 2012، تحولت ظاهرة الحسابات الوهمية والزائفة إلى ظاهرة قابلة للقياس وليست فقط مجرد تخمينات، وأوردت شبكة «فيس بوك» وقتها إحصائية أظهرت أن 8.7% من الحسابات الموجودة عليها وهمية مزيفة وليست لشخصيات حقيقية، ولم يتسنَّ الحصول على أرقام أحدث حول معدلات انتشار الحسابات الوهمية المزيفة عبر الشبكة.

«فيمت بوت»

يرتبط مصطلح «سوفت بوت» بمصطلحات أخرى منها، على سبيل المثال، «فيمت بوت» femtbot أو «المرأة التي تتصرف نيابة عن جهة أو طرف»، كما كان الحال في بعض حلقات المسلسل التلفزيوني: «المرأة الخارقة».

بعد «غوغلة سريعة» اتضح أن «سوفت بوت» مصطلح مستمد في الأصل من أفلام وقصص الخيال العلمي، ويعني على وجه التحديد «الروبوت» أو الآلة التي تعمل نيابة عن شخص، أو جهة أخرى، وتنفذ أوامره وتتصرف على أنها هو.

وفي عالم البرمجيات والإنترنت والشبكات الاجتماعية، يُعرّف «سوفت بوت» بأنه البرمجيات التي تعمل نيابة عن شخص، أو جهة أخرى، وتظهر بالشخصية والأسماء التي يحددها، وتنفذ أوامره، وتتصرف على أنها هو.

حسابات وهمية

تتحدث تقارير عدة حالياً عن أن برمجيات «سوفت بوت» تستخدم في إنشاء وإدارة حسابات وشخصيات مزيفة ووهمية على الشبكات، ومنها «فيس بوك»، تتصرف نيابة عن مالكيها ومشغليها في نشر المحتوى والتعليق عليه، ويتضمن هذا المحتوى نصوصاً وصوراً وفيديوهات، وملفات من كل الأنواع، وتعليقات على منشورات لأشخاص آخرين، وطلبات صداقة، وإنشاء صفحات ومجموعات، وغيرها من الأنشطة.

وهذا يختلف كلياً عن الحسابات الوهمية والمزيفة التي ينشئها ويديرها أشخاص، وليس برمجيات، فهناك أشخاص ينشئون العديد من الحسابات بأسماء مزيفة، ويديرونها بأنفسهم مباشرة، وهناك شركات تنشئ حسابات باسم أشخاص وتديرها، جزءاً من حملاتها الترويجية أو الدعائية، وكذلك تفعل منظمات دعوية وسياسية واجتماعية، ومنظمات مجتمع مدني، وجهات أمنية.

عصابات متخصصة

ومن أحدث هذه التقارير ما نشره الأسبوع الجاري موقع http:/‏‏‏‏/‏‏‏‏www.dailytech.com/‏‏‏‏ الأميركي، المتخصص في قضايا التقنية حول هذه القضية، الذي قدم مراجعة مطولة شملت تصنيفاً لمجالات برمجيات «سوفت بوت» على «فيس بوك».

واتضح من هذه المراجعة أن التلاعب بقضية الجنس والغرائز، والحض عليه، ودغدغة مشاعر الزوجات والأزواج، واستغلال الرغبات المنحرفة لدى البعض، هي الهدف الأول لبرمجيات «سوفت بوت» التي تظهر في معظم الأحيان في صورة نساء مثيرات، أو شركات تروج لعقاقير وأدوية، أو أطباء يقدمون نصائح، أو مجموعات لتبادل المعلومات والصور، والتعرف إلى فتيات وشباب.

وهنا، تنتشر البذاءات، والإحالة إلى مواقع وقنوات فيديو إباحية، ليجد مستخدم «فيس بوك» نفسه في هذا المستنقع الذي قد يتورط فيه عاطفياً، من دون أن يدرك أنه «مستعبد» من قبل برمجيات مبنية بذكاء اصطناعي، يملكها أشخاص، وربما منظمات وعصابات متخصصة في تجارة الجنس.

التسويق والترويج

أما المجال الثاني من سلوك «سوفت بوت»، فهو ما يتعلق بعمليات التسويق والترويج والدعاية التجارية الغامضة، وتقوم بها شركات منتجة للبضائع والخدمات والسلع من مختلف الأنواع، وباتت من تكتيكات التسويق الإلكتروني الرقمي المعتادة، إذ تقوم برمجيات «سوفت بوت» في هذه الحالة بشتى طرق التسويق، من بث إعلانات مباشرة صريحة على صفحات تحمل أسماء حقيقية للشركات، إلى نشر محتوى يستهدف بناء توجهات إيجابية نحو المنتج، عبر اختلاق حسابات وهمية تتحدث عن خبرات ومزايا معينة للمنتج، أو خبرات سلبية معاكسة للمنتج المنافس، فضلاً عن بناء مجموعات وحسابات وصفحات، تقدم نفسها مدافعة عن حقوق المستهلكين، وكشف التجاوزات التي تلحق بهم من قبل المنتجين. وقد وصل نجاح «سوفت بوت» إلى درجة صنع أيقونات شهيرة وشخصيات ذائعة الصيت على «فيس بوك» في مجالات محددة، وهي في حقيقتها ليست سوى برمجيات تسويق لا أكثر.

ويتضمن الأمر اختلاق حسابات وهمية تتعقب كل ما ينشر عن السلعة أو الخدمة أو الشركة، وتتدخل بالدفاع أو الهجوم في التعليقات وعمليات الإعجاب والمتابعة، ومطاردة أصحاب الحسابات المؤثرة لقبولهم كأصدقاء، إلى غيرها من التكتيكات، لتشكل العملية في مجموعها نسيجاً متشابكاً من العمليات المحبوكة التي تهيئ الأمر لتوليد اتجاه إيجابي يخدم الخطة التسويقية أساساً. وفي غضون ذلك يكون المستخدم أعطى للحملة جزءاً لا يستهان به من وقته وقناعاته وهو لا يدري.

أمن وسياسة

ويتعلق المجال الثالث من سلوكيات «سوفت بوت» بالجوانب الفكرية والسياسية والاجتماعية والأمنية، وهو الأشد تأثيراً وعمقاً، لكن الإحساس بوجوده أقل، إذ تستخدم فيه «سوفت بوت» بحرفية أعلى وحرص أشد، سواء من حيث نوعية المحتوى المتداول، أو توقيته، أو الجهات والأشخاص الذين يستهدفهم، أو الشخصيات التي يتم اختلاقها، والعمل عليها، حتى تتحول إلى أيقونات مؤثرة في محيطها، وفي الغالب، تقف وراءه مؤسسات وليس أفراد، ويشتد استخدام هذا النمط في حالات الصراع السياسي والفكري، والخلافات المجتمعية والدولية الحادة.

وبالأنماط الثلاثة من السلوك، أصبحت «سوفت بوت» هي القلب النابض لعالم أسود غامض، تسحبك إلى ظلاله شخصيات ومعلومات براقة، ليست في الأصل سوى برمجيات ذكية، تعمل كصدى لمن يديرها، وأنت لا تعلم، ضمن شبكات التواصل الاجتماعي.

 

 

تويتر