بالاعتماد على المرونة والتكيّف مع السوق.. وضمانها فرصاً أكبر من غيرها لجذب الانتباه والتمويل

شركات ناشئة تنجح في مجال الذكاء الاصطناعي

شركة «داتا روبوت» تستفيد من البيانات وتقنيات تعلم الآلة التي يصعب الفصل بينها. غيتي

في الوقت الراهن يتنامى الاهتمام بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتضمن الشركات الناشئة العاملة في هذا المجال فرصاً أكبر من غيرها لجذب الانتباه والتمويل. ويتفق العلماء على أن المساعي الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي، تفوق كثيراً دورات الازدهار والإخفاق السابقة لهذه التكنولوجيا.

 

ومن خلال تجربة الشركات الناشئة والكبيرة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، يمكن استنتاج أهمية تركيزها على المرونة والتكيف مع أوضاع السوق ومتطلباتها. ويقول المستثمرون ورواد الأعمال إنه حتى إذا بدت التكنولوجيا سحرية التأثير في بعض الأحيان، فإن النجاح يعتمد على أركان رئيسة للأعمال، مثل المرونة والسرعة والتركيز والتكيف.

ويصدق ذلك خصوصاً على الشركات الناشئة، وقال الشريك العام في «آندرسن هورويتز» لاستثمارات رأس المال المغامر، كريس ديكسون، إنه بينما تستطيع الشركات الكبيرة مثل «غوغل» الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، على مدار عشرة أعوام، يتعين على الشركات الناشئة إطلاق منتجاتها في غضون عام أو عامين.

وقدمت الفترات السابقة لتقدم الذكاء الاصطناعي الكثير من الإثارة، دون أن تُحقق القدر نفسه في مجال الأعمال والشركات. وقال عالم الحاسب والشريك العام في «نيو إنتربرايز أسوشيتس» للاستثمار، فورست باسكت، إن الذكاء الاصطناعي كان بعيدا عن العملية.

وأضاف باسكت أن ما يجعل الذكاء الاصطناعي جذاباً للاستثمارات في الوقت الحاضر، هو توافر تطبيقات يمكن تنفيذها بواسطة هذه الأدوات. ولفت إلى أن المنابع التقنية التي يستند إليها الذكاء الاصطناعي الحديث، تكمن في المصادر الجديدة الضخمة من البيانات، وبرمجيات تعلم الآلة، وإمكانات الحوسبة القوية والرخيصة، من خلال الحوسبة السحابية.

وفي ما يخص استثمارات «نيو إنتربرايز أسوشيتس» في مجال الذكاء الاصطناعي، أشارت باسكت إلى ثلاثة أمثلة، تستفيد من البيانات وتقنيات تعلم الآلة وتشمل: شركة «داتا روبوت» DataRobot، التي تُقيّم النماذج الرياضية للتنبؤ بأفضل المناسب منها لنوعٍ معين من البيانات، و«داتو» Dato، التي تُحلل أدواتها المُعتمدة على تعلم الآلة رسوماً بيانية للصلات الاجتماعية لمُستخدمي الإنترنت، إضافة إلى «كوبوتكس» Qbotix، التي تصنع روبوتات مخصصة لإمالة الألواح الشمسية وصيانتها، وتُستخدم الألواح لإنتاج الطاقة الشمسية.

ويؤكد تعليق باسكت على حقيقة أنه ما من خط واضح يفصل بين البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، وتمثل البيانات الوقود، في حين تؤدي خوارزميات تعلم الآلة دور المحرك، من أجل تمييز الأنماط والتصنيف.

وتقود تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بدافعٍ من التقدم في ما يعرف بتقنيات التعلم العميق، إلى تحسين الإدراك، وتحقيق الحواسيب أداء أفضل في محاكاة المهام البشرية مثل الرؤية والسمع، أو تمييز الصور وتمييز الحديث، وفقًا لتعبيرات الحوسبة.

وفي عام 2014، وبعد ثلاثة أعوام من قيادته مجهودات الاستفادة التجارية من الحاسوب الفائق «واتسون» في «آي بي إم»، غادر مانغو ساكسينا «آي بي إم» ليُؤسس «كوغنتيف سكيل» Cognitive Scale في مدينة أوستن في ولاية تكساس الأميركية.

وتُركز الشركة الناشئة على تطوير تطبيقات تعتمد على «واتسون»، وعلى الرغم من شهرة «آي بي إم»، بالتعاون مع شركات كبيرة في مشروعات باهظة الكلفة تستمر لفترات طويلة، فإنها شرعت في مبادرة للتحرك السريع، ومحاولة تلبية احتياجات جمهور أوسع من المستهلكين.

وتهتم «كوغنتيف سكيل» بخوض سباقات صغيرة، تتولاها فرق عمل صغيرة الحجم، تطور تطبيقاً وتنفذه خلال 90 يوماً، وتعمل مع متعاملين من قطاعات الرعاية الصحية والخدمات المالية وتجارة التجزئة، ويتمثل منتجها في سرعة الوصول إلى الأسواق.

وقال ساكسينا، الذي يشغل منصب رئيس الشركة أيضاً: «أسلوبنا هو الرهانات الصغيرة، والوجود في السوق سريعاً، من أجل اتخاذ قرارات أفضل، والتفاعل أفضل مع المستهلكين في صناعتنا». ووصف مهمة الشركة بتوفير الذكاء الاصطناعي العملي للأعمال التجارية.

أما شركة «ميتا مايند» MetaMind، في مدينة بالو ألتو بولاية كاليفورنيا، فقد ولدت من رحم أبحاث أجراها مؤسسها ريتشارد سوشر في «جامعة ستانفورد» الأميركية مع آخرين. وقال سوشر إن اسم الشركة يُشير إلى رؤيتها في إنشاء تكنولوجيا التعلم العميق، وهي «قابلة للتطبيق على نطاق واسع، وبمقدورها حل الكثير من المشكلات المختلفة».

وبطبيعة الحال، لا تكفي الرؤية وحدها لاستمرار أي شركة، والوفاء بتكاليف الإيجارات والرواتب، ويركز سوشر وفريقه على التطبيقات الأولى لدعم الشركة، ويستخدمون برمجياتها المعتمدة على التعلم العميق لمسح الصور الطبية، وتوفير مساعد آلي لأطباء الأشعة.

وأضاف سوشر أن تكنولوجيا «ميتا داتا» تُستخدم في غرف الطوارئ في المستشفيات، بالتعاون مع شركة «في راد» vRad للتكنولوجيا، وتجري يومياً آلافاً من عمليات مسح الأشعة الطبية. وفي حين كان لدى سوشر، عند تأسيس «ميتا مايند» نهاية 2014، خطة واضحة لعملها، تُركز الخطة الراهنة على المرونة واغتنام الفرص، وذكر أن الاتجاه المُقبل للشركة يعتمد على السوق.

وتدرك «ناريتيف ساينس» Narrative Science جيداً أهمية المرونة، وأسهم في تأسيسها عام 2010 الباحث الخبير في الذكاء الاصطناعي، كريس هاموند، بالتعاون مع آخرين. وتُوفر الشركة برنامجاً يمكنه استيعاب الأرقام والبيانات، من سجلات الفواتير والممتلكات الاستثمارية، وإحصاءات المباريات الرياضية، لكتابة ملخصات وتقارير.

وبدت تقنيتها واعدة منذ البداية، لكنها انطلقت في فترة صعبة بالنسبة لمشروع جديد، إذ انطلقت في العام السابق لعرض «آي بي إم» الأول لإمكانات «واتسون»، حينما فاز في برنامج المسابقات الأميركي «جيوباردي» عام 2011.

 

وقال هاموند إن «ناريتيف ساينس» لم تدعُ عملها في تلك الفترة بالذكاء الاصطناعي، بسبب نظرة عدم التقدير التي وصمت هذا المجال حينها. وشارك في تأسيسها أساتذة من قسمي الصحافة وعلوم الحاسوب في «جامعة نورث ويسترن» الأميركية. وبدأت عملها بكتابة قصص قصيرة وسلسة ومُتنوعة لمتعاملين، مثل موقع «مؤتمر بيغ تن» الرياضي. وفي مقابلة تعود إلى عام 2011، توقع الأستاذ في جامعة «نورث ويسترن»، البروفيسور هاموند، فوز البرمجيات الذكية بجائزة «بوليترز» المرموقة للصحافة في غضون خمسة أعوام، وأعرب عن أمله أن تنالها تقنية شركته. وقال هاموند، أخيراً، إن «جائزة بوليترز» لاتزال هدفًا يستحق المحاولة، وأكثر بعداً. لكن «ناريتيف ساينس» تتوسع سريعاً، وتضم 80 موظفاً، وأسست عملها خارج صناعة الإعلام التي تُواجه تحديات مالية.

 

وتتعامل «ناريتيف ساينس» مع 70 متعاملاً من الشركات، تختص أساساً بالخدمات المالية والاستشارات، منها «نوفين» و«يو إس إيه إيه» و«ديلويت» و«كريدت سويس». وتستخدم هذه الشركات برمجيات «ناريتيف ساينس» لكتابة تقارير تشرح الأرقام التي تتضمنها المحافظ الاستثمارية، وسجلات التداول وإحصاءات السوق.

 

 

تويتر