نقص الكفاءات والمواهب المتخصصّة أبرز مظاهرها

فجوة متنامية في مجال الذكاء الاصطناعي بين الشركات الكبيرة والناشئة

يبرز استحواذ «مايكروسوفت» على «سويفتكي» الفجوة المتنامية في قطاع الذكاء الاصطناعي. أرشيفية

يتحوّل الذكاء الاصطناعي بفضل التطوّرات الحاصلة في تقنيات مثل تعلّم الآلة، سريعاً، ليصبح أحد أكثر التقنيات مُتعددة الاستعمالات أهمية وشيوعاً، ويجري الاعتماد عليه لتحسين مختلف عمليات الحوسبة.

ويظهر تقرير تقني وجود فجوة في مجال الذكاء الاصطناعي بين الشركات الكبيرة والناشئة، مظهرها الرئيس نقص الكفاءات والمواهب المتخصصة.

ويرى أن العمل لمصلحة الشركات الكبيرة ينطوي على مزايا عدة، نظراً لتوافر قدر ضخم من البيانات وقوة الحوسبة لديها، فضلاً عما تُوفره الشركات الكبيرة من حوافز مالية.

ويشير إلى أن انتشار الهواتف الذكية، وأنظمة الحوسبة السحابية، سمح للشركات الصغيرة ببناء قاعدة جماهيرية عالمية سريعاً، بما يكفي لاجتذاب المهندسين.

فجوة متنامية

يقود نقص الكفاءات والمواهب المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى فجوة بين الشركات الكبيرة والناشئة، وربما تزداد الهوة عمقاً واتساعاً خلال السنوات القليلة المُقبلة.

واتضحت بعض علامات الفجوة المتنامية في اتفاق استحواذ شركة «مايكروسوفت» الأميركية على شركة «سويفتكي» Swiftkey البريطانية مطلع فبراير الجاري.

وتُوظف «سويفتكي» الذكاء الاصطناعي في تطبيق لوحة مفاتيح للهواتف الذكية، يُحاول التنبؤ بالكلمة التالية التي يُريد المستخدم كتابتها. ويعمل التطبيق في ما يزيد على 300 مليون جهاز. لكن هذا الانتشار لم يكن كافياً لتُؤسس «سويفتكي» نموذجاً تجارياً ناجحاً ومُستداماً، يُؤهلها لرفض عرض استحواذ «مايكروسوفت» بقيمة 250 مليون دولار.

اجتذاب المواهب

وتزيد شركات استثمار رأس المال المغامر مساعيها لاجتذاب المواهب المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، بهدف تأسيس الجيل التالي من شركات التكنولوجيا المستقلة. ومن بين هؤلاء المستثمرين، جيم بارير، أحد أوائل المستثمرين في «فيس بوك»، الذي قال إن «جزءاً مهماً من عمله في الوقت الراهن، ينطوي على محاولة اجتذاب أفضل عقول الذكاء الاصطناعي للابتعاد عن العمل في الشركات الكبيرة، ودخول عالم الشركات الناشئة».

ويرى بارير أن «عدداً قليلاً جداً من الجامعات في الولايات المتحدة، إضافة إلى جامعتيّ (أوكسفورد وكامبريدج) في المملكة المتحدة تُخرج الكفاءات المطلوبة. وفي الوقت نفسه تسعى جامعة (تسينجهوا) في العاصمة الصينية بكين، لترسيخ مكانتها على خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية».

ومع ذلك، سيكون للمرحلة الأخيرة التأثير الأكثر مُباشرة في مجرى الذكاء الاصطناعي على مدار الأعوام الخمس التالية، الأمر الذي يمنح أهمية لصفقات مثل استحواذ «مايكروسوفت» على «سويفتكي»، التي التقى مؤسساها في «جامعة كامبريدج» البريطانية.

وليس من قبيل المصادفة أن تدين أحدث النجاحات التي حققتها «غوغل» في مجال الذكاء الاصطناعي بكثير من الفضل إلى عمليات استحواذ على شركات ناشئة.

وعلى سبيل المثال، وُلد المسؤول الجديد عن خوارزميات البحث في «غوغل»، جون جانندريا، في أسكتلندا، وانتقل إلى العمل في الشركة، من خلال عملية استحواذ جرت قبل خمسة أعوام.

كما جرى الاحتفاء، أخيراً، بنجاح نظام طورته شركة «ديب مايند» البريطانية في هزيمة بطل لعبة «جو»، وكانت «غوغل» استحوذت على «ديب مايند» قبل عامين. واجتذب النجاح الأخير كثيراً من اهتمام قطاع الذكاء الاصطناعي بالنظر إلى صعوبة التحدي وتعقيده.

مزايا الشركات الكبيرة

وفي مجال الذكاء الاصطناعي، ينطوي العمل لمصلحة الشركات الكبيرة على مزايا ربما لا يُدركها رواد الأعمال الآخرون في قطاع التكنولوجيا. ويرجع الفضل في كثير من التطورات الأخيرة إلى توافر قدر ضخم من البيانات وقوة حوسبة هائلة، ويُعد كلا الأمرين ضرورياً من أجل تدريب أنظمة تعلم الآلة، في ما تُوفر الشركات الكبيرة البيانات وقوة المعالجة.

كما أن لدى الشركات العملاقة حوافز مالية تُشجعها على السعي لاجتذاب أفضل العقول والمواهب. وعلى سبيل المثال، ففي حال تمكنت «غوغل» من استخدام أنظمة أكثر ذكاءً لتحسين نظامها للإعلانات على الإنترنت بنسبة 1% فقط، فسيُضيف هذا مليار دولار تقريباً إلى العائدات السنوية للشركة.

الشركات الصغيرة

في المُقابل، سمح انتشار الهواتف الذكية وأنظمة الحوسبة السحابية للشركات الصغيرة ببناء قاعدة جماهيرية عالمية سريعاً، بما يكفي لاجتذاب المهندسين الراغبين في إحداث فارق في العالم، بحسب ما قال بارير. على الرغم من أن ذلك لم يكن كافياً للمحافظة على استقلالية شركة مثل «سويفتكي».

كما تتمتع الشركات الصغيرة بميزة حرية العمل على تطبيقات جديدة كلياً بدلاً من الالتزام بمهمة أكثر رتابة ومللاً بتحسين أنظمة وعمليات قائمة بالفعل. ومع ذلك، فحتى الآن تبدو الشركات الكبيرة هي الرابحة في معركة اجتذاب أفضل المواهب المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. وإذا ما كان ذلك مُؤشراً إلى فجوة في قطاع الذكاء الاصطناعي على مدار السنوات القليلة المُقبلة، فسيُثير قلق شركات تعمل في قطاعات أخرى.

وفي الوقت الراهن صار من المألوف تقديم مسؤولين من مختلف تخصصات عالم الأعمال شركاتهم باعتبارها شركات للبرمجيات في محاولة لمواجهة تصاعد تهديدات التغيير الرقمي.

لكن تحوّل الشركات إلى التخصص في الذكاء الاصطناعي أمر مختلف. وفي الواقع، فإن معظم شركات التكنولوجيا الكبيرة، باستثناء «آي بي إم» تتبنى تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين أعمالها في الصور أو البرمجيات، أو مجالات أخرى دون أن تبيعها للآخرين، كما تفعل «آي بي إم» مع تطبيقات كمبيوترها الفائق «واتسون».

تويتر