تتمحور حول الوصول إلى «مادة مجهولة» تستخدم في أنظمة التشويش والأسلحة

تنامي المخاوف الأميركية من مساعي الصين لإنتاج رقائق إلكترونية

الرقائق الإلكترونية تمثل الدماغ المتحكم في مختلف الإلكترونيات المتقدمة. غيتي

تُنفق الصين مليارات الدولارات لدعم مجهوداتها في تصنيع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصّلات، وهو جهد قد يعزّز قدراتها العسكرية، ويدعم صناعة التكنولوجيا المحلية.

 

وتُمثل الرقائق الإلكترونية الدماغ المتحكم في مختلف الإلكترونيات المتقدمة، منها ما يخص المجال العسكري كأنظمة الصواريخ.

وتتابع الحكومة الأميركية تلك الطموحات بقلق ملحوظ تنامى في الآونة الأخيرة. وتسبب القلق الأميركي في إيقاف صفقة شراء مستثمرين صينيين لحصة مُسيطرة في وحدة تابعة لشركة «فيليبس» الهولندية للإلكترونيات بقيمة 2.9 مليار دولار، حسب ما نسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إلى خبير ومصدر مُطلع على نقاشات الاتفاق.

وذكرت «فيليبس» في نهاية الشهر الماضي، بأنها ستُنهي اتفاقاً سابقاً عقدته في مارس 2015 لبيع حصة أغلبية في وحدة «لوميليدز» Lumileds المتخصصة في إنارة «ليد» للسيارات، إلى مجموعة تضم شركات استثمار صينية هي: «جي أو سكيل كابيتال» GO Scale Capital و«جي إس آر فنتشرز» GSR Ventures.

وأشارت شركة «فيليبس» إلى مخاوف أثارتها لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، المسؤولة عن مراجعة الاستثمارات الخارجية في الشركات الأميركية، والتأكد من عدم تهديدها الأمن القومي للبلاد.

وقالت الشركة إنه «على الرغم من مجهوداتها للتخفيف من حدة المخاوف، فإنها لم تُفلح في إقناع اللجنة بالموافقة على الاتفاق».

وقال الزميل البارز في شركة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية للأبحاث، جيمس لويس: «هناك اعتقاد في (لجنة الاستثمار الأجنبي) أن الصين صارت عدائية بطبيعتها، وأنها لم تعد مجرد صفقات تجارية بعد الآن». وتحدث لويس إلى أشخاص على صلة بعمل اللجنة.

وتضم لجنة الاستثمار الأجنبي مُمثلين من وزارتي العدل والخزانة في الولايات المتحدة، ولم تُعلن نتائجها للجمهور. ومثلت مراجعات اللجنة مشكلة متنامية للصفقات الصينية في الشركات الأميركية.

ووفقاً لأحدث البيانات المتاحة في عاميّ 2012 و2013، شكلت الاستثمارات الصينية التي راجعتها اللجنة النسبة الأكبر بما يفوق الاستثمارات الواردة من مختلف الدول الأخرى. وفي عام 2008 سُحب مسعى صيني للاستثمار في شركة «3 كوم» 3Com لإنتاج معدات الشبكات أثناء مراجعة اللجنة له.

 

وفي الآونة الأخيرة أقرّت اللجنة عدداً من الصفقات الصينية الرئيسة، منها استحواذ «شوانغوي إنترناشيونال» Shuanghui International على «سميثفيلد فوود»، وكذلك شراء «لينوفو» لوحدة لإنتاج الخوادم في «آي بي إم». وفي عام 2012 أمر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، شركة صينية بالتوقف عن تشييد مزرعة رياح بالقرب من منشأة عسكرية في ولاية أوريغون، بعد مراجعة سلبية قدمتها لجنة الاستثمار الأجنبي.

 

وحسب ما قال لويس، فمن بين أهم مخاوف اللجنة بشأن اتفاق «فيليبس» مادة مجهولة بعض الشيء، لكنها تحظى بأهمية متزايدة في تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة، وهي «نيتريد الغاليوم» Gallium Nitride. وعلى الرغم من أنها ليست اسماً مألوفاً مثل «السيليكون»، وغالباً ما يشار إليها بالاسم المختصر GaN، فإنه يمكن استخدامها لتصنيع جيل جديد من الرقائق الإلكترونية المصغرة القوية متعددة الاستعمالات.

وعلى مدار عقود استخدمت مادة «نيتريد الغاليوم» في تصنيع مصادر الضوء ذات الطاقة المنخفضة، مثل الصمامات الثنائية الباعثة للضوء، كما تُستخدم في تقنيات شائعة، مثل مشغلات أقراص «بلو - راي». لكن سماتها المُميزة كمقاومة الحرارة والإشعاع تُهيئها لعدد من التطبيقات في المجال العسكري والفضاء.

وتُستخدم رقائق «نيتريد الغاليوم» في تصنيع رادار الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، وكذلك في رادار «سبيس فنس» Space Fence التابع للقوات الجوية الأميركية المُخصص لمتابعة الحطام الفضائي.

وأوضح لويس أن «(نيتريد الغاليوم) يُوفر أشباه موصلات ذات أداء أفضل، ولعب دوراً محورياً في تحسين أنظمة الرادار في منظومة (باتريوت) للدفاع الجوي الصاروخي».

وأضاف: «إنها مادة ذات استخدام مزدوج كلاسيكي، وترجع حساسيتها إلى إمكانية استخدامها في مستشعرات أسلحة أخرى مُتقدمة وفي أنظمة التشويش».

ومثل تطوير صناعة الرقائق الإلكترونية هدفاً رئيساً للحكومة الصينية، فيما استعانت الشركات الصينية بتمويل حكومي، من أجل شراء شركات أجنبية وتكنولوجيا واجتذاب مهندسين مهرة.

وفي العام الماضي تقدمت وحدات عدة تابعة لشركة «تسينغهوا هولدينغز» الحكومية بمحاولات لشراء شراكات أميركية، ومنها عرض لم يكتمل بقيمة 23 مليار دولار لشراء شركة «ميكرون تكنولوجي» لصناعة رقائق الذاكرة، وعرض آخر ناجح بقيمة 3.78 مليارات دولار لشراء حصة 15% في شركة «ويسترن ديجيتال» لصناعة الأقراص الصلبة.

ودفع تصاعد وتيرة الصفقات الصينية وغياب الاستجابة التنظيمية الأميركية العام الماضي بالمحلل في شركة «سانفورد برنشتاين» لإدارة الأصول، مارك نيومان، ليكتب في تقرير خلال نوفمبر الماضي، أن «الولايات المتحدة ربما تُخاطر بالنوم خلف عجلة القيادة»، لافتاً إلى مجهودات كوريا الجنوبية وتايوان في منع الصين من الاستحواذ على بعض أصول التكنولوجيا. وقال نيومان إن «صناعة الرقائق الإلكترونية فسرت إيقاف صفقة (لوميليدز) بتنبه الولايات المتحدة قليلاً للتهديد».

وتتسم مادة «نيتريد الغاليوم» بحساسية خاصة، ووصفتها مجلة متخصصة في الصناعات العسكرية بأنها الشيء الأهم منذ «السيليكون»، الذي يُستخدم حاليا على نطاقٍ واسع لصناعة «الترانزستورات» في الرقائق الإلكترونية، وأشارت المجلة إلى استخدام شركة «رايثيون» Raytheon الأميركية المتخصصة في أنظمة الدفاع للمادة في صنع رادار أصغر حجماً وأقل استهلاكاً للطاقة.

وقال عالم الفيزياء البريطاني في جامعة كامبريدج، كولن همفريز: «يقول كثيرون إنها المادة شبه الموصلة الأكثر أهمية منذ استخدام السيليكون». ومع ذلك، فلا يعرف تحديداً أوجه قلق الولايات المتحدة، إذ تتنوع تأثيرات أبحاث شركات مصابيح «ليد» حول تكنولوجيا تربط «نيتريد الغاليوم» بـ«السيليكون»، وقد يكون لها تطبيقات أوسع نطاقًا لتصنيع رقائق إلكترونية مصغرة مُتقدمة تُستخدم في مجموعة كبيرة من الإلكترونيات.

وتمتلك شركة «جي إس آر فنتشرز» الصينية، التي سعت للاستثمار في «لومليدز» حصة في شركة «لاتسي باور» Lattice Power الصينية، التي أعلنت سابفاً عن مساعيها لتطوير تكنولوجيا ترتبط بمادتي نيتريد الغاليوم والسيليكون.

وفي بيان لوزارة العدل في تايوان في نوفمبر من عام 2015 بشأن تحقيق في التجسس الصناعي الصيني، أعربت الوزارة عن مخاوفها من سعي الصين إلى تكنولوجيا مادة «نيتريد الغاليوم».

ودعت الوزارة الإنتاج واسع النطاق للمادة بأنه «مشروع تطوير رئيس» في الصين. وقالت إنها قلقت حيال «سرقة» الصين أسرارا تجارية من الشركات التايوانية التي تستخدم مادة «نيتريد الغاليوم»، وتوظيفها مهندسين على علم بها.

 

 

تويتر