عجز البرمجيات عن القيام بمهام معقدة يعود إلى غياب محاولات تدريبها

استخدام التدريس الجماعي لتعليم خوارزميات الذكاء الاصطناعي قيادة السيارات

فريق البحث استند في جمع بيانات الموقع الجغرافي إلى تقنية «نظام تحديد المواقع العالمي» وبيانات بصرية. أرشيفية

ربما لا يكون من قبيل المبالغة اعتبار 2015 عاماً للذكاء الاصطناعي، إذ شهدت فيه هذه التقنيات تقدماً سريعاً، وتمكنت من بلوغ مستوى البشر، وأحياناً التفوق في مهام طالما احتفظ البشر فيها بالمراتب الأولى مثل تمييز الوجوه، والأشياء، وفهم اللغة.

 

إلا أنه لايزال هناك الكثير من المهام المُعقدة، تعجز البرمجيات والأجهزة المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي عن إنجازها، وتتنوع بين الأعمال المنزلية البسيطة مثل كي الملابس، ومهام أكثر تقدماً مثل قيادة السيارات. ولا يرجع بطء التقدم في هذه المجالات إلى عجز برمجيات الذكاء الاصطناعي عن القيام بها، بل إلى غياب محاولات لتدريبها.

 

قواعد البيانات

 

ويرجع جانب كبير من التقدم اللافت في أداء برمجيات تمييز الوجوه، إلى توافر قواعد بيانات ضخمة من الصور، حدّد البشر الوجوه فيها على نحوٍ واضح، وبالتالي اعتمدت خوارزميات الذكاء الاصطناعي على هذه البيانات للتعلم، ولتتمكن من تمييز الوجوه في غيرها دون تعريفها مُسبقاً.

 

وفي المُقابل، تغيب أية قواعد بيانات مُماثلة تصف مهاماً أكثر تعقيداً مثل قيادة السيارات، في وقت لعب فيه هذا الغياب دوراً رئيساً في تراجع هذا المجال، لكن دراسة حديثة أجراها «برناف راجبوركار» وعدد من الباحثين في «جامعة ستانفورد» في ولاية كاليفورنيا الأميركية قد تقود إلى تغيير ذلك. وتوصل فريق البحث إلى وسيلة لتكوين قواعد بيانات تشرح هذا النوع من المهام الصعبة، ووظفها لتدريب برمجيات الذكاء الاصطناعي على بعض المهارات المهمة لقيادة السيارات التي يراها البشر أمراً عادياً بينما يصعب على البرمجيات إنجازها.

وتعتمد هذه الطريقة على فكرة بسيطة مفادها تسهيل مهمة الشارحين من البشر في إضافة المعلومات إلى قاعدة البيانات وتقييم أداء الخوارزميات، وذلك من خلال تحويل عملية إدخال البيانات إلى لعبة لقيادة السيارات يُمكن تشغيلها في متصفح لـ«الويب».

 

آلية الدراسة

 

وبدأ عمل فريق البحث بتكوين قاعدة بيانات للظروف المختلفة في الطرق، عبر قيادة سيارات البحث في الطرق السريعة لولاية كاليفورنيا، وجمعت السيارات بيانات الموقع الجغرافي من خلال تقنية «نظام تحديد المواقع العالمي»، وبيانات بصرية، وبيانات من المسح بأشعة الليزر، ونحو ذلك.

 

وفي المرحلة التالية، عالج الباحثون هذه البيانات لإنشاء بيئة افتراضية ثلاثية الأبعاد، بهدف أن تتولى خوارزمية الذكاء الاصطناعي تقييم هذه البيئة وتحديد أشياء مثل مواقع السيارات الأخرى، والمسار أو الحارة التي تسير فيها، ووجود طرق تصل إلى الطريق السريع وتقاطعات الطرق، إضافة إلى تمكنها من إنجاز ذلك في ظل تباين حالات الطرق وظروف القيادة. وتحمل الخوارزمية اسم «دريفر سيت» Driverseat.

وبهدف المحافظة على بساطة الدراسة، ركز الباحثون على كيفية تحديد خوارزمية الذكاء الاصطناعي للحارة المرورية. وبينما يعتبر البشر ذلك مهمة تافهة وبسيطة، فإنه يصعب على البرمجيات القيام بها بسبب الطبيعة ثلاثية الأبعاد للمشكلة، وتأثير تغير الإضاءة والطقس فيها.

وفي لعبة قيادة السيارات، صاحب الشرح البشري البيئة ثلاثية الأبعاد التي يُفترض أن تراها خوارزمية الذكاء الاصطناعي، وعند المحاولة الأولى لخوارزمية «دريفر سيت» للتعرف إلى الحارة المرورية، تتولى التعليقات البشرية تصويب أية أخطاء بالتزامن مع حركة السيارة الافتراضية في الطريق. وتتعلم الخوارزمية من التصحيحات، تحسين قدرتها على تحليل وضع الطريق، ومن خلال جمع البيانات من شارحين مختلفين تتعلم خوارزمية «دريفر سيت» من الحشد.

 

عوامل مؤثرة

 

وعند اختبار الخوارزمية في جزء لم تطلع عليه من قاعدة البيانات، فإنها أظهرت أداءً جيداً في تحديد الحارات في الطرق المنحنية، وحتى حين تُغطي المركبات الأخرى جزئياً على ممرات الطريق. لكنها واجهت صعوبة في التعرف إلى التقاطعات والطرق المؤدية إلى الطرق السريعة، كما تراجع أداؤها مع سقوط الظلال بسبب الجسور وغيرها على الطرق، وكذلك عند تغير ألوان الطريق.

 

وأظهر نظام تقييم أداء الخوارزمية الذي طوره الباحثون، انخفاض جودة عمل «دريفر سيت» مع اقتراب الشمس من الأفق وتداخلها في الرؤية. ويرجع ذلك إلى بعض التحيز في قاعدة البيانات المستخدمة في التدريب، نظراً لاتجاه الطرق السريعة الرئيسة في كاليفورنيا من الشمال إلى الجنوب وليس من الشرق إلى الغرب، وبالتالي تضمنت قاعدة البيانات القليل حول القيادة في اتجاه شروق الشمس أو غروبها.

ويتطلع الباحثون إلى تصليح هذا الجانب مستقبلاً، ويعود الفضل في تحديده إلى تطويرهم نظاماً جديداً للتقييم، ودونه كان من الصعب اكتشاف هذه الفئة من أوجه القصور. وبالتأكيد، فإن من الأفضل اكتشاف أوجه الضعف قبل طرح الخوارزمية للعمل في العالم الحقيقي وليس بعده.

 

تقدم لافت

 

وبطبيعة الحال، فإنه لا يُمكن اعتبار نتائج خوارزمية «دريفر سيت» مثالية تماماً، إلا أن منهج التدريس الجماعي لتدريبها يمثل تقدماً لافتاً، فللمرة الأولى تعلمت خوارزمية للذكاء الاصطناعي مهارات مُعقدة مثل قيادة السيارات من خلال سلوكيات البشر. وبحسب ما كتب الباحثون: «عرضنا كيفية دمج معرفة البشر وخبرتهم على الطرقات من أجل تعليم الآلات قيادة السيارات».

 

ويُمكن لهذا الأسلوب أن يُفيد في مساعي تحسين الجيل التالي من السيارات. وتتوافر الطرازات الحديثة بالفعل على أجهزة ذكية للتحكم في السرعة تتولى المحافظة على المسافة التي تفصل السيارة عن السيارات أمامها، فضلاً عن تشغيل المكابح عند تقليص المسافة، وتزايد احتمالات الاصطدام، ويُمكن لبعض المركبات تغيير الحارة.

ومع ذلك، يتطلب تنفيذ ذلك في الأنواع المختلفة للطرق والظروف المتنوعة لقيادة السيارات دمج المزيد من ميزات الذكاء في هذه الأنظمة. ومن هذه الناحية تُعد الاستعانة بالبشر لتدريب برمجيات الذكاء الاصطناعي أمراً منطقياً.

وقد تمتد تأثيرات نتائج الدراسة إلى تطبيقات أخرى، إذ يُوجد الكثير من المهام التي تبدو بسيطة وينظر إليها البشر باعتبارها أمراً مُسلماً به، لكن البرمجيات والآلات تواجه صعوبة كبيرة في إنجازها مثل كي الملابس وغسل الأطباق وإطعام الأطفال، ودون توفير قاعدة بيانات مناسبة لتدريب الآلات، فإنه لن يصير بمقدورها التعلم، ولذلك سيفتح تطبيق منهج الدراسة على مجالات أخرى، الباب ليتولى البشر تدريب برمجيات الذكاء الاصطناعي.

تويتر