90 % من المشروعات تخفق في مراحلها الأولى لأسباب أبرزها نقص الاستثمارات والمتعاملين

الابتكار والاستثمار يكفلان تحول شركات التقنية الناشئة إلى مؤسسات عملاقة

يتفق كثيرون على أن بداية تأسيس الشركة تكمن في الفكرة على غرار «فيس بوك». غيتي

كثيراً ما يصاحب إطلاق الشركات الناشئة أحلام مؤسسيها بجني مليارات الدولارات في غضون سنوات قليلة، ويتطلعون في ذلك إلى نماذج ناجحة لأكبر شركات التكنولوجيا في العالم التي بدأت من مشروعات صغيرة وأفكار مبتكرة.

ويشير الواقع إلى أن تحويل تطبيق ناجح للهواتف الذكية أو خدمة على الـ«ويب» إلى شركة عملاقة تجذب ملايين المستخدمين وتُقدر قيمتها بمليارات الدولارات ليس بالأمر اليسير. وبالطبع لا يمكن تجاهل قصص نجاح شركات مثل «غوغل» و«فيس بوك» و«أوبر» و«إيربنب» و«سبوتيفاي»، لكن إلى جانبها تخفق 90% من الشركات في مراحلها الأولى، لأسباب متنوعة، منها نقص الاستثمارات أو المتعاملين أو المبيعات.

ووفقاً لبحث من شركة «سي بي إنسايتس»، توجد 143 شركة للتكنولوجيا في العالم تصنف ضمن ما يُعرف باسم «يونيكورن»، أي الشركات الناشئة التي تعتمد على استثمارات رأس المال المُغامر، وتتخطى قيمتها مليار دولار، ويوجد أكثر من نصفها في الولايات المتحدة الأميركية.

ويثير ذلك التساؤلات حول سبل تأسيس مشروعات ناشئة ناجحة. ويتفق كثيرون على أن البداية تكمن في الفكرة، وهكذا تأسست «فيس بوك» في السكن الجامعي لمؤسسها المُشارك، مارك زوكربيرغ، كما راودت فكرة «شازام» Shazam للتعرف إلى الموسيقى مؤسسها، كريس بارتون، أثناء الاستحمام.

ويرى رئيس شركة «بي سي جيه ديجيتال فنتشرز» لاستثمار رأس المال المُغامر والرئيس السابق لشركة «شازام»، أجاي تشودري، أن القليل جداً من الأفكار تأتي من الإلهام الخالص، وبدلاً من ذلك يصدر الكثير منها عما يسميه «ابتكار البحث»، أي البحث عن نقاط الضعف في مجال محدد، والتفكير في كيفية معالجتها، الأمر الذي يعني البحث في أي مشكلة ستحلها التكنولوجيا التي ستُقدمها الشركة أو أي خدمة ستُوفرها، ولم تُتح من قبل.

وقدمت شركة «إيربنب» مثالاً على ذلك باستهدافها العمل في قطاع الفنادق الذي يبلغ حجمه 550 مليار دولار على الصعيد العالمي، من خلال إتاحة المجال للأشخاص لعرض غرف في منازلهم وشققهم للإيجار. وينصح المؤسس المشارك في «إيربنب»، بريان تشسكي، غيره من رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا ببناء شيء يحبه 100 شخص، بدلاً من شيء يستحسنه مليون شخص أو يشعرون نحوه بالإعجاب فقط.

ومع ذلك، فإن الفكرة الجيدة والمبتكرة لا تكفي وحدها للنجاح، بل تمثل فقط جزءاً من المعركة. وقال نائب الرئيس التنفيذي لوحدة «سيلز فورس فنتشرز» الاستثمارية التابعة لشركة «سيلز فورس» لخدمات الحوسبة السحابية، جون سومرغاي: «يُمكن التوصل إلى فكرة رائعة، لكنها ربما لا تمثل عملاً حقيقياً»، مشيراً إلى تفكيرهم قبل الإقدام على الاستثمار في حجم السوق أمام الشركة الناشئة، ومهارة فريق الإدارة، ومدى جاذبية الفكرة للمستهلكين.

ولفت غريغ وولف، من شركة «وايد بريدج غروب» للاستشارات المالية، إلى أهمية أن تتسم فكرة الشركة الناشئة بقابليتها للحماية، نظراً لأنه في الكثير من القطاعات يتوافر موضع وحيد لشركة قائدة، لاسيما عند التوجه إلى جمهور المستهلكين.

ويكمن أحد التحديات الرئيسة التي تُواجه شركات التكنولوجيا سريعة النمو في الإبقاء على ثقافتها وقِيمها مع زيادة عدد موظفيها، بحسب ما يرى المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «فستكيت» Festicket الناشئة، زاك شابان، وفي العاصمة البريطانية لندن، والتي تتخصص في توفير تذاكر الحفلات إلى جانب ترتيبات السفر والإقامة والخدمات الأخرى.

وقال شابان: «إذا ما كانت لديك ثقافة قوية للشركة، فسيكون الأشخاص أكثر استقلالاً وحرية وريادة»، مضيفاً أن المحافظة على الثقافة نفسها في ظل تضاعف موظفي الشركة ثلاث مرات يمثل تحدياً صعباً جداً.

ويرتبط بذلك أهمية العثور على العدد الكافي من الكفاءات الملائمة للعمل في الشركة، ويحملون رؤيتها نفسها، كما قال المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي بشركة «ليست» Lyst للأزياء على الإنترنت، كريس مورتون. كما يلعب مكان تأسيس الشركة الناشئة دوراً في نجاحها، إذ يتمتع وادي السيليكون في ولاية كاليفورنيا الأميركية بمرتبة الصدارة في مشهد التكنولوجيا، ويجتذب أفضل المهندسين في العالم ووفرة من رؤوس الأموال، ويسهم هذا التركيز الواضح في الأموال والكفاءات في مساعدة الكثير من الأفكار الناجحة، حسب ما يرى وونغ.

واستناداً إلى بيانات «داو جونز»، ففي العام الماضي جمعت الشركات الناشئة في أوروبا ثمانية مليارات دولار من استثمارات رأس المال المغامر، في حين اجتذبت الشركات الأميركية نحو 52 مليار دولار، ويُرجع تشودري ذلك إلى طبيعة المستثمرين في أوروبا، ونفورهم من المخاطرة.

وبالطبع، لا يعني ذلك أن الإخفاق نصيب جميع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا خارج الولايات المتحدة. وتتعدد الأمثلة على شركات ناجحة تأسست خارجها، مثل «سكايب» للمحادثات الصوتية وعبر الفيديو، التي أسسها فريق يضم سويدياً ودنماركياً ومطورين من إستونيا، ويرتكز الجانب الأكبر من عملياتها في إستونيا، واشترتها «مايكروسوفت» نظير 8.5 مليارات دولار في عام 2011. وإضافة إلى شركة «سبوتيفاي» السويدية لبث الموسيقية التي تتجاوز قيمتها 8.5 مليارات دولار، وشركة «ترانسفير وايز» في إستونيا، وتتيح خدمات تحويل الأموال من الند للند، لا يُمكن تجاهل شركات مثل «علي بابا» الصينية المتخصصة في التجارة الإلكترونية، التي تُقدر قيمة أسهمها في الولايات المتحدة بمبلغ 210 مليارات دولار.

ويبدو أن الأفكار الجيدة والمُبتكرة لا تُعاني نقص التمويل، كما هي الحال مع موقع «ليست» للأزياء الذي اجتذب استثمارات بقيمة 60 مليون دولار خلال أربعة أعوام، وشركة «فيستكيت» الأحدث التي اجتذبت نحو أربعة ملايين دولار من الاستثمارات.

وقال مورتون من شركة «ليست» إن جمع المال لم يُمثل مشكلة، وأضاف أن جميع الاستثمارات التي حصلت عليها الشركة أتت من مدن تُعرف بخبرتها في مجال الأزياء، مثل لندن ونيويورك وباريس وهونغ كونغ.

وإلى جانب موطن الشركة الناشئة، يبدو التفكير في التوسع العالمي وتوافر السوق الواسعة منذ البداية أمراً محورياً في النجاح. وفي ذلك، تحظى الشركات الأميركية بميزة عن غيرها، باستثناء الصين، إذ تتوافر أمامها سوق ضخمة وواسعة وتعتمد لغةً واحدة إلى حد كبير، بعكس الشركات الأوروبية التي يتوجب عليها التعامل بلغات مختلفة إذا ما رغبت في التوسع.

وقال وولف: «تحتاج الشركات حقاً للتفكير على نطاق عالمي من البداية، لكن الكثيرين لا يقومون بذلك». وفي عام 2013، وخلافاً لنصيحة بعض المستثمرين قرر ينس ولتشورف، إتاحة خدمات شركته «بلاكلين» Blacklane، التي تتخذ من برلين مقراً لها، وتُوفر تطبيقاً للهواتف الذكية لطلب السيارات على غرار «أوبر»، في 100 مدينة خلال 100 يوم عمل من انطلاق شركته. وحالياً تعمل «بلاكلين» في 180 مدينة، واجتذبت استثمارات لرأس المال المغامر بلغت 27 مليون دولار. وفي نهاية المطاف، تبقى إحدى السبل لنجاح المشروعات المبتدئة وتحولها إلى كيانات عملاقة في عالم التكنولوجيا مقاومتها عروض الاستحواذ، حين تأتي شركات مثل «غوغل» و«أبل» و«فيس بوك» و«مايكروسوفت» وتعرض أموالها الطائلة لشرائها.

تويتر