مع الاستفادة من الحاسوب الفائق «واتسون» بالتنقيب في البيانات والخروج بمعلومات مخصصة لكل قطاع

آفاق جديدة للتنبؤ بالطقس بعد صفقة «آي بي إم» و«ويذر كومباني»

تقديم «واتسون» توقعات الطقس يعني دخول الذكاء الاصطناعي إلى الحياة اليومية بطرق غير مباشرة. غيتي

في نهاية أكتوبر الماضي، استحوذت شركة «آي بي إم» على الأصول الرقمية الخاصة بشركة الطقس «ويذر كومباني» Weather Company مقابل 2.5 مليار دولار، حسب ما ذكرت بعض التقارير، ويعني ذلك انتقال حاسبها الفائق «واتسون» إلى نشاط جديد يتعلق بالبحث في المساحة المشتركة بين علوم الغلاف الجوي والحاسوب والبيانات الضخمة.

ولا ينصبّ الغرض الأساسي لشركة «آي بي إم» من وراء الاتفاق إلى انخراط «واتسون» في تقديم توقعات أفضل لحالة الطقس، بل في التنقيب في قدرٍ ضخم من البيانات بهدف مساعدة الشركات على التوصل لرؤى واقعية عملية يمكنها التصرف على أساسها، وتتعلق بحالة الطقس، سواء في الوقت الحقيقي أو على المدى الطويل.

ويضمن الاتفاق، حصول «آي بي إم» على قدرٍ ضخم من بيانات «ويذر كومباني»، وهي منصة سحابية تتعامل يومياً مع ستة وعشرين مليار طلب للبيانات، وتضم أكثر من ثلاثة مليارات نقطة مرجعية للتنبؤ بالطقس، وتصل إلى أربعين مليون هاتف محمول، وخمسين ألف رحلة جوية يومية.

وفي الواقع، فكلما زاد حجم البيانات كلما كان ذلك أفضل، نظراً لأن «آي بي إم» تخطط لحزم مختلف البيانات معاً، وتخصيصها بما يلائم مجالات وقطاعات ومحددة، وإتاحتها عبر خدمات الحوسبة السحابية.

وعلى سبيل المثال، قد تهتم متاجر التجزئة ببيانات الطقس الموسمية، بما يضمن لهم ألا يعرضوا الكثير من المعاطف والملابس الصوفية، إذا ما أشارت التوقعات إلى أن موسم الشتاء سيكون دافئاً.

وربما تهتم شركات التأمين ببيانات الطقس المرتبطة بالمواقع الجغرافية، بما يسمح لها بتوقع حجم الالتزامات المطلوبة والمرتبطة بأحداث مناخية معينة.

وبالنسبة لشركات الطيران، فربما يعنيها الحصول على مزيج من البيانات الفورية والتاريخية الخاصة بحالة الطقس بهدف تحسين استهلاك الوقود، والحد من تأخر الرحلات الجوية.

وقد يستعين المساهمون في سوق الأوراق المالية بتوقعات الطقس لمساعدتهم في تقدير أداء الشركات التي يتأثر عملها كثيراً بظروف المناخ.

كما قد يصل حجم السوق المحتمل لتوقعات الطقس من «آي بي إم» إلى 500 مليار دولار، ما يساوي الخسارة السنوية للشركات بسبب عدم التنبؤ بحالة الطقس. ومن خلال توفير توقعات أفضل، تأمل الشركات أن تحد من هذه التكاليف بمعدل كبير.

وتُثار تساؤلات حول مدى قدرة الحاسوب الفائق «واتسون» على تحسين دقة التنبؤ بالطقس بما يفوق النظم المستخدمة حالياً، مع الأخذ في الاعتبار صعوبة المجال.

ويرى الأستاذ في مركز أبحاث الغلاف الجوي في جامعة ولاية نيويورك، ريتشارد بيريز، أن التحدي الكبير أمام «آي بي إم» يكمن في المدخلات الصحيحة، نظراً لأن جودة تقنيات التنبؤ بالطقس سواء اعتمدت على التنقيب في البيانات أو النماذج الفيزيائية/‏‏‏التجريبية أو العشوائية تعتمد على جودة المدخلات والعناصر الأولية.

وقال بيريز إن الأساليب التقليدية لبناء النماذج هي الأقل قيمة حين تكون ظروف الغلاف الجوي في أقصى حالاتها من ناحية صعوبة التنبؤ وغياب التناسق. ويمكن أن يقود ابتعاد أحد الظروف الأولية في نموذج التنبؤ بالطقس قليلاً عن الصحة إلى نتائج يرتفع فيها معدل الخطأ كثيراً.

ويمنح ذلك كله بعداً منطقياً إضافياً إلى صفقة «آي بي إم» و«ويذر كومباني». وتمتلك «آي بي إم» رصيداً مالياً ضخماً مخصصاً لمد عمل «واتسون» إلى مجال إنترنت الأشياء، ويبلغ ثلاثة مليارات دولار. وفي حين لا يمكن لشركة «آي بي إم» التعليق حالياً حول كيفية ربط «واتسون» للأبحاث السابقة حول الطقس في الشركة، يُمكن التكهن باتجاهها.

وفي هذا الصدد، يمكن تصور الاستفادة من عالم كامل من إنترنت الأشياء لتحسين المدخلات إلى نموذج التنبؤ بحالة الطقس الذي سيستخدمه «واتسون»، وتوظيف الطائرات والشاحنات والسفن التي تجوب الأرض لجمع مدخلات لنموذج التنبؤ بالطقس، وكذلك التقاط المباني المزودة بأجهزة استشعار للبيانات، ويعني ذلك توافر مدخلات أفضل، وبالتالي توقعات أكثر دقة لحالة الطقس.

وسابقاً توصل باحثون متخصصون في الذكاء الاصطناعي في شركة «مايكروسوفت» إلى أنه من خلال تصور الطائرات كأجهزة استشعار، وتطبيق بعض تقنيات «تعلم الآلة»، يُمكن التوصل إلى تنبؤات أفضل كثيراً لحركة الرياح في المستقبل. وكلما زادت معرفة شركات الطيران بحركة الرياح، كلما صار باستطاعتهم تحسين أنماط الرحلات الجوية واستهلاك الطائرات من الوقود.

وربما يغطي الحديث المطول عن فرص التنبؤ بالطقس في مجال الأعمال على فرص أخرى مهمة في التطبيقات الموجهة للمستهلكين، وربما يغير «واتسون» من طريقة نظرة المستهلكين العاديين لحالة الطقس، وبالفعل كان الاستحواذ على أعمال «ويذر كومباني» في مجال الأجهزة المحمولة، ومنها تطبيق «ويذر تشانل» Weather Channel إحدى النقاط الرئيسة في الصفقة الجديدة، ويحتل التطبيق المركز الرابع بين أكثر التطبيقات استخداماً في الولايات المتحدة الأميركية.

وفي حال أسهم «واتسون» في تحسين إمكانات التنبؤ بالطقس المتاحة في التطبيق، فيعني ذلك أنه سيكون لدى الحاسوب الفائق دور ملموس في الحياة اليومية لكثيرين، لكن «آي بي إم» لن تؤكد أي تفاصيل حتى إغلاق الصفقة رسمياً في الربع الأول من العام المقبل.

ويعني تقديم «واتسون» لتوقعات حالة الطقس دخول الذكاء الاصطناعي إلى الحياة اليومية بطرق غير مباشرة، ومن شأن ذلك أن يدفع الأفراد إلى توقع المزيد من خدمات الطقس تتجاوز مجرد معرفة ما إذا كان الجو سيصبح مشمساً أو غائماً، وربما يطرحون أسئلة محددة على «واتسون» تتعلق بالطقس تُساعدهم في فهم العالم.

ويتشكك عميد كلية علوم الحاسوب في جامعة «كارنيغي ميلون» الأميركية، أندرو مور، في أن الفائدة الأكبر من وراء هذا الاتفاق ستعود على الطرق التقليدية للتنبؤ بالطقس بزيادة دقتها، ويرى أنها ستُفيد طرق التنبؤ ببيان كيفية تأثر القطاعات الأخرى بحالة الطقس، مثل الرحلات الجوية والحالة المزاجية.

وفي ما يتعلق بتأثيرات الطقس على الحالة المزاجية، ضرب مور مثالاً بخدمة «نيتفلكس» لبث الأفلام، فبالنسبة لبعض الفئات السكانية يتأثر اختيار فيلم لمشاهدته بحالة الطقس خلال اليوم، وبالتالي قد تكون العلاقة بين الطقس وتقلب الحالة المزاجية زاوية مثيرة للاهتمام أمام «واتسون».

ويشير ذلك كله إلى مستقبل يختلف فيه التفكير في الطقس تماماً عن طريقة التفكير اليوم، وربما ستتوقف النظرة إلى الطقس كأمر عشوائي وفوضوي غالباً ما يعرقل الأنشطة اليومية، إلى أصل ثمين يمكنه المساعدة في اتخاذ قرارات يومية أفضل بشأن العالم المحيط.

تويتر