تُركز على «التجارة الاجتماعية» و«الارتباط العاطفي» مع المستهلكين عبر مواقع التواصل

متاجر التجزئة تدخل مرحلةً جديدة من التطور الرقمي

«أمازون» افتتحت أول متجر حقيقي للكتب في مدينة سياتل الأميركية. غيتي

يشهد الوقت الراهن منافسةً شديدة بين شركات التكنولوجيا الكبيرة ومتاجر التجزئة، تتعلق بمن سينشئ العلاقة الأقوى مع المستهلكين ويفوز بإقبالهم وإنفاقهم. وتشمل المنافسة المتاجر التقليدية وتلك العاملة على الإنترنت، كما انضمت إليها مواقع التواصل أو الإعلام الاجتماعي، التي تكثف مساعيها لنيل حصة من إنفاق المستهلكين.

 

وفي الماضي القريب، كان دخول المستهلكين إلى متاجر التجزئة التقليدية يعني أن لدى هذه المتاجر الحرية في تقديم العروض التي تراها ومحاولة إغراء المتسوقين بالشراء، لكن تغير هذا حالياً بسبب الانتشار الواسع للهواتف الذكية، فقد يدخل المستهلك إلى المتجر بالفعل، وفي الوقت نفسه يستخدم هاتفه الذكي للبحث عن أسعار أفضل في مواقع التجارة الإلكترونية.

ودعم رواج التسوق على الإنترنت النجاح الكبير الذي حققته شركات مثل «أمازون» في الولايات المتحدة و«علي بابا» في الصين. لكن إدمان المستخدمين على هواتفهم الذكية يثير تحدياً جديداً أمام متاجر التجزئة على الإنترنت ومنافذ البيع التقليدية على حد سواء.

وينشأ هذا التحدي عن تفضيل المستهلكين تخصيص المزيد من الوقت لمواقع الإعلام الاجتماعي، وتتطلع هذه الأخيرة إلى إضافة ما يطلق عليه «التجارة الاجتماعية» إلى قائمة أنشطتها، في مسعى لزيادة عائداتها. وتتسابق مواقع الإعلام الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر» و«إنستغرام» في توفير تسهيلات تُتيح للمستهلكين الشراء مباشرة من خلالها. ويقدر محللون في مصرف «سونتروست روبنسون همفري» الاستثماري الأميركي أن بمقدور «زر الشراء» في «فيس بوك» أن يزيد العائدات السنوية للشركة بنسبة تراوح بين 5 و10%.

ووصف الرئيس التنفيذي لمتجر «أسوس» للأزياء على الإنترنت، نيك بيتون، «التجارة الاجتماعية» بالمرحلة الأحدث في تطور تجارة التجزئة على الإنترنت. وركزت المراحل الأولى من هذه المرحلة على إمكانات اختيار المنتجات عبر الإنترنت، وسهولة التوصيل إلى المستهلكين. وأضاف بيتون أن الموجة الثالثة من التطور، تتمثل في التجارة العاطفية والارتباط العاطفي مع المستهلك، ويعني ما يمثله المتجر والأسباب التي تدفع المستهلكين للتفاعل معه بما يتجاوز متطلبات التعاملات التجارية، ويعد الإعلام الاجتماعي والتسوق الاجتماعي مكوناً في ذلك.

ويرى الشريك في «إيه تي كيرني» لاستشارات الإدارة، مايك موريارتي، أن هناك نوعين من مواقع الإعلام الاجتماعي للبيع، منها ما يصل الباعة بالمشترين مثل «علي بابا» و«إتسي» و«إي باي»، ومنها ما يقود المشترين إلى مواقع البائعين مثل «فيس بوك» و«بنترست».

وبالنسبة لتجار التجزئة، يُمثل «إنستغرام» النقطة الأهم في مجال «التجارة الاجتماعية»، ولا يحتفظ بتفاصيل المدفوعات التي تتيح التسوق مباشرة من خلال الصور التي ينشرها المستخدمون، لذلك تُوفر متاجر التجزئة وشركات التكنولوجيا نظماً تجعل التسوق ممكناً عبر «إنستغرام» أو تستعين بشركات أخرى مثل «أولابيك».

وتتعاون «أولابيك» مع أكثر من 200 من العلامات التجارية ومتاجر التجزئة، وتجمع الصور التي نشرها المستخدمون عن المنتجات في مواقع الإعلام الاجتماعي ومنها الصور الذاتية أو «سيلفي»، وتُحدد عبر خوارزميات ومحررين من البشر أيها يُناسب كل حالة. وتُقدر الشركة أن التسوق من الصور الذاتية يُمكن أن يزيد زوار المواقع، ومن ثم مشترياتهم من 5% تقريباً إلى ما بين 10 و12%.

ولا يظهر الطلب على التسوق عبر الإنترنت أي علامات على التراجع. ووفقاً لشركة «إيه تي كيرني» يمثل التسوق عبر الإنترنت 7.5% من المبيعات العالمية، وتتقدم المملكة المتحدة على غيرها، وتُشكل فيها مبيعات الإنترنت نسبة 13.5%، في حين تبلغ في الولايات المتحدة نحو 10%. وفي المُقابل، لا تُشكل المبيعات عبر الإنترنت في اليابان سوى نحو 4%، لكن يتم 90% منها عبر الأجهزة المحمولة.

وفي الوقت نفسه، لا تتأخر متاجر التجزئة التقليدية في محاولات تحسين عائداتها والاستعانة بأدوات مُنافسيها، وتبحث عن سبل للتفاعل مع المستهلكين عبر مواقع الإعلام الاجتماعي. وعلى سبيل المثال، أطلقت متاجر «بربري» البريطانية للأزياء شبكة اجتماعية خاصة بها على الإنترنت في عام 2009، وتحمل اسم «آرت أوف ذا ترنش».

كما كانت «بربري» واحدة من أولى الشركات تجريباً لميزة البيع عبر تغريدات «تويتر»، واستخدمت تطبيق «بريسكوب» الذي يتيح البث الحي لمقاطع الفيديو بهدف نشر وقائع الأحداث والفاعليات مباشرة، وأخيراً صارت العلامة التجارية الأولى التي تنشر اللقطات الخاصة بحملاتها الإعلانية مباشرة من خلال تطبيق «سناب شات».

ويستعين متجر «أسوس» للأزياء على الإنترنت، الذي يحظى بإقبال الشباب، بالإعلام الاجتماعي للتفاعل مع المستهلكين المولعين بالتكنولوجيا. وقال بيتون: «إذا كانت هناك منصة يستخدمها الشباب في العشرينات من العمر، وهناك ضجة بشأنها، فسنحاول الانضمام إليها».

ومع ذلك، تتطلب مشاركة المتاجر التقليدية منها والإلكترونية في مواقع الإعلام الاجتماعي وخدمة المتعاملين، من خلالها اتباع قواعد معروفة للمشاركة. وحسب المُدير في شركة «جي دي آر كريتيف أنتليجنس» لاستشارات متاجر التجزئة، فليكس سكارليت، فإن القاعدة الأولى المستندة إلى التجربة والاختبار، تتمثل في أن تقتصر رسائل البيع على منشور واحد من بين كل أربعة أو خمسة منشورات.

ويرى سكارليت أن ذلك سيضمن أن تتحدث العلامات التجارية في الإعلام الاجتماعي بلغة ودية وقريبة مثل الأصدقاء.وتسعى متاجر التجزئة التقليدية لنسخ بعض ميزات المتاجر الإلكترونية، فبينما وفرت «أمازون» الراحة من خلال عروض التوصيل خلال ساعة واحدة عبر خدمة «أمازون برايم»، تُحاول متاجر «أرغوس» البريطانية التحول من متاجر تعتمد على عرض فهرس بالسلع المتاحة إلى التركيز على التوجه الرقمي، ووفرت خدمة توصيل البضائع في اليوم نفسه داخل المملكة المتحدة.

وفي خطوة قد تثير التعجب للوهلة الأولى، تُقبل بعض شركات التكنولوجيا العملاقة ومتاجر الإنترنت على تدشين متاجر حقيقية، وأخيراً افتتحت شركة «أمازون» أول متجر حقيقي للكتب في مدينة سياتل الأميركية، كما تُجرب نشر أكشاك تحوي أجهزة «كيندل» وآلات البيع في بعض مراكز التسوق والمطارات. وفي الآونة الأخيرة افتتحت «غوغل» متجراً لها داخل منفذ يتبع «سوريس» للإلكترونيات في لندن.

وتتضمن الأمثلة الأخرى شراء متجر «فارفيتش» لتجارة التجزئة على الإنترنت محال «براونز» للأزياء في لندن. وافتحت متاجر أميركية على الإنترنت فروعاً فعلية مثل «واربي باركر» للنظارات.

وعلقت المديرة في وكالة «هاوسهولد» المعنية بتصميم تجارب المستهلكين في متاجر التجزئة، ميشيل دو برات، أن العلامات التجارية الرقمية التقدمية، التي ولدت أصلاً من أجل تقديم طرق جديدة لتفاعلها مع المستهلكين وتسوقهم عبر الإنترنت، تتحول في الوقت الراهن إلى العالم التقليدي خارج الإنترنت.

وأضافت دو برات أن العمل خارج الإنترنت يتيح تلبية مشتريات المستهلكين عبر مُختلف القنوات بسهولة وبشكلٍ فوري، كما يسمح باختبار المنتجات والتعرف إلى آراء المستهلكين قبل عرضها على الإنترنت، كما يمكن لخبرات الاكتشاف المرحة واللمسية والتعليمية أن تُضيف قيمةً للعلامة التجارية وتُعزز المبيعات، وأيضاً يكون للتركيز على تجربة خدمة المستهلكين دور أساسي في تحويل الأشخاص من زوار إلى مشترين.

واعتبر المتخصص في الاستراتيجيات بشركة «كورت سالمون» للاستشارات، بول شوتميلر، أن لجوء متاجر الإنترنت لافتتاح منافذ بيع في العالم الحقيقي يعكس اتجاهاً متنامياً نحو تطوير رابطة مع البشر تبدأ عبر رحلة الإنترنت، وتتضمن العناصر الأخرى الأشخاص المسؤولين عن المساعدة في رحلة التسوق، والعروض المُخصصة بحسب الأفراد، والعروض الترويجية. وأضاف شوتميلر: «يُحدث هذا فارقاً في ما يتعلق بمستوى الرضا».

ولا يعتقد المحلل المستقل في مجال تجارة التجزئة، ريتشارد هيمان، أن التكنولوجيا ستحدد الفائز برضا المستهلكين، لكن الأمر المؤثر حقاً يكمن في فهم ما يريده المستهلك والعمل من هذا المُنطلق: «التكنولوجيا هي اللاعب المساعد في جميع هذا، وليست اللاعب الرئيس».

 

 

تويتر