دراسة أكدت أن «فيس بوك» يوفر اتصالاً اجتماعياً ويُشجع بعض سمات التعاطف

مواقع الإعلام الاجتماعي تساعد المستخدمين على التعاطف مع الآخرين

صورة

تزايدت الاتهامات الموُجهة للهواتف المحمولة واستخدام الإعلام الاجتماعي، لدورهما في تقليل قدرة الأشخاص، خصوصاً الأطفال والشباب، على الشعور بالآخرين والتعاطف معهم، إذ يسهل من خلالها كتابة عبارات مُسيئة ومُؤذية لمشاعر الآخرين من دون أن يحس كاتبها بوقعها على وجوه الآخرين ومشاعرهم.

وأكد تلك الرؤية، ولاسيما في ما يتعلق بالشباب، العديد من الكتب والدراسات، إلى جانب نماذج شهيرة لحالات المضايقات الإلكترونية. وتوصلت دراسة أجرتها «جامعة ميشيغان» الأميركية في عام 2010 إلى تراجع ملحوظ في الشعور بالتعاطف بين طلاب الجامعة خلال الفترة المُمتدة بين عامي 1979 و2009. وشكك الباحثون في إسهام تنامي انتشار التكنولوجيا في ذلك، إلى جانب أسباب أخرى.

وفي المُقابل، هناك تفسيرات مختلفة لمستويات التعاطف لدى الشباب، ويأخذ أحدها في الاعتبار ارتفاع مستوى التسامح مع أنماط الحياة والقيم المختلفة، وهو ما يرجع جزئياً إلى مواقع الإعلام الاجتماعي، إذ أتاحت الاطلاع عن قرب على أفكار وتجارب مُغايرة لدى الأصدقاء وشبكاتهم من الأصدقاء، وبالتالي صار البعض أكثر قدرة على تفهم وجهات نظر الآخرين ومشكلاتهم، وربما التعاطف معهم، بما يُماثل مشاعر العالم الحقيقي، بحسب ما تناول الكاتب الروائي، تيدي وين، في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.

واشترك أستاذ علم النفس في «جامعة ولاية كاليفورنيا» الباحث المُتخصص في تأثيرات التكنولوجيا، لاري دي روزين، في دراسة حديثة تناولت تأثير قضاء الوقت في استخدام الإنترنت، في تعاطف الأفراد في العالم الحقيقي، ونُشرت في دورية «الحواسيب في السلوك الإنساني».

وخلصت الدراسة إلى أن استخدام الإنترنت لا يحل محل المحادثات المباشرة وجهاً لوجه، كما لا يُقلل من التعاطف في العالم الحقيقي. وتوصلت إلى أن «التعاطف الافتراضي يرتبط إيجابياً مع التعاطف في العالم الحقيقي». وأشارت الدراسة إلى إمكانية منح شعور التعاطف افتراضياً، على الرغم من تفوق تأثير التعاطف المباشر ست مرات في ما يتعلق بمشاعر الدعم الاجتماعي، ومع ذلك فإن لبعض أنشطة الإنترنت مثل ألعاب الفيديو تأثيراً سلبياً في التعاطف.

وقال روزين: «لا أعتقد أنها مشكلة نقص التعاطف، بل نمط مختلف منه وعلينا التفكير في التعاطف كسلسلة متصلة»، لافتاً إلى حديث الشباب والأطفال عن شعورهم بالتعاطف.

وربما يلعب هذا الشكل الجديد من التعاطف دوراً بارزاً في قبول أشخاص وأنماط حياة طالما نالت أحكاماً قاسية من الأجيال الأكبر سناً. ووفقاً للمسح الاجتماعي العام الذي أجراه «المركز الوطني لأبحاث الرأي» في «جامعة شيكاغو» الأميركية، فقد ارتفعت نسبة البالغين الأميركيين الذين يرون الشذوذ الجنسي «أمراً خاطئاً دائماً»، خلال العقدين السابع والثامن من القرن الـ20، وبلغت ذروتها في عام 1987 بالتزامن مع الذعر من مرض الإيدز، ووصلت إلى ثلاثة أرباع السكان.

وبحلول عام 2014، وهو أحدث تاريخ تتوافر عنه معلومات، تراجعت نسبة من يرون الشذوذ الجنسي «أمراً خاطئاً دائماً» إلى 40%. ورأى 49% من البالغين الأميركيين أنه ليس هناك خطأ في الشذوذ الجنسي، وارتفعت بمُعدل كبير نسبة تأييد الزواج بين أفراد الجنس الواحد لدى الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً.

ويُرجع روزين جانباً من هذا التغيير اللافت إلى الإعلام الاجتماعي، وقال: «الآن نحن جميعاً منفتحون جداً ونبدو صادقين إلى حدٍ ما وراء الشاشة». وأعطى مثالاً بالتعرف على التجارب المختلفة عن قرب في تجارب الأصدقاء وأصدقائهم في مواقع الإعلام الاجتماعي. وأضاف: «لدينا فرصة أكبر لتكوين شعور بالعدالة والمساواة، نظراً إلى تعرضنا الآن لقدر أكبر كثيراً من حياة الجميع».

وبينما يرى مُنتقدو الإعلام الاجتماعي أن تحديثات الحالة تُشكل بديلاً ضعيفاً للمحادثات المُباشرة، فإن الأمر مختلف بالنسبة للشباب. وبحسب الدكتور روزين يعتبر الشباب الوصول غير المُباشر مُماثلاً للوصول المُباشر، ويشعرون أنهم أكثر اتصالاً بدلاً من شعورهم بأنهم أقل اتصالاً.

وربما يرجع أحد أسباب انتقاد خدمات الإعلام الاجتماعي إلى رؤيتها ككتلة واحدة، في حين تتوافر على الكثير من الفئات الفرعية والاستخدامات، فيختلف مثلاً نشر مجموعة من الصور الذاتية (سِيلفي) خلال إحدى الرحلات، عن الاشتراك في صفحة لجمع التبرعات لمؤسسة خيرية، وكتابة بيان لدعم أغراضها.

وخلصت دراسة في «جامعة نورث فلوريدا» الأميركية، العام الماضي، إلى أن «فيس بوك»، خلافاً لتقارير سابقة، يُيسر اتصالاً اجتماعياً رائعاً، وربما يُشجع بعض سمات التعاطف. واعتمدت الدراسة على مشاركين غير متزوجين، واستهدفت البحث في كيفية تغير مستوى الشعور بالتعاطف نتيجة أنشطة المستخدم في «فيس بوك» مثل الرسائل الخاصة والتعليقات العلنية على تحديثات الحالة.

وبحسب نتائج الدراسة، سجل الرجال معدلاً أعلى في ما يخص تفهم آراء الآخرين ووجهات نظرهم، أي القدرة على تصور أنفسهم في موضع الآخرين، وذلك من خلال الرسائل الخاصة والتعليقات العامة. وفي الوقت نفسه، ارتبط هذان النشاطان سلبياً بالشعور بالأسى والألم خلال المشكلات والأوقات العصيبة التي يخوضها الآخرون. وبالنسبة للنساء فلم تتأثر درجة التعاطف لديهن كثيراً بالرسائل الخاصة والتعليقات، على الرغم من تفوقهن الواضح على الرجال في مختلف سمات التعاطف، باستثناء تفهم وجهات نظر الآخرين.

وتُشير نتائج الدراسة إلى إسهام أنماط معينة من التفاعل عبر «فيس بوك» في وضع الشخص نفسه موضع الآخرين. وقالت الأستاذة المُشاركة في علم النفس والمؤلفة الرئيسة للدراسة، تريسي ألوي، إن «الأشخاص خلال الاتصالات وجهاً لوجه يميلون للبقاء مع الأشخاص الذين يألفونهم وبينهم الكثير من القواسم المشتركة».

وأضافت ألوي أن «الوضع يختلف في (فيس بوك)) فيُمكنه هدم هذه الحدود بما يُتيحه من التعرض إلى طرق تفكير ومواقف عاطفية مختلفة»، وقالت: «على مستوى سطحي إلى حدٍ ما يكشف الأشخاص أموراً عن أنفسهم، وربما لا تُقدم شعوراً عميقاً بالقرب، لكن في المرة التالية التي تراهم فيها ربما تشعر أنك تعرفهم أفضل قليلاً».

ويُوافق ذلك ما خلص إليه تقرير صدر في شهر يناير الماضي عن «مركز بيو للأبحاث» في الولايات المتحدة، وذكر أن النساء اللائي يمتلكن شبكة متوسطة من الأصدقاء في «فيس بوك» تزيد قدرتهن على معرفة الأحداث المسببة للضغوط والتوتر في حياة أصدقائهن بنسبة 13% مُقارنةً مع النساء اللاتي لا يمتلكن حسابات في الموقع. وبلغت نسبة زيادة معرفة الأحداث العصيبة في حياة الأصدقاء لدى الرجال 8% فقط. ولم تتفوق النساء في نسبة المعرفة بالأحداث الصعبة فقط، بل أدت إلى تحملهن لنتيجة العناية بالآخرين بقدرٍ أكبر من الرجال.

وعلاوةً على ذلك، أظهر تقرير «بيو» أنه كلما كان المستخدم أصغر سناً، كان أكثر معرفةً بالأحداث المُسببة للضغوط، ما يلفت إلى أن الجيل الأصغر ربما كان أكثر استعداداً للتعاطف المستند إلى معلومات يتلقاها عبر الشاشات.

وبطبيعة الحال لعبت عوامل أخرى، مثل التغيرات السياسية والاجتماعية والحركات الناشطة، دوراً مهماً في تحول الآراء تجاه موضوع الشذوذ الجنسي وغيره، بما يفوق دور الإنترنت. كما أن مواقع الإعلام الاجتماعي لم تصبح بعد ساحة للتفاهم والتسامح مع الاختلافات، ولاتزال تكشف تعليقات «يوتيوب» وتغريدات «تويتر» عن الكثير من الكراهية والتعصب واللغة القاسية.

تويتر