العاصمة الألمانية تشهد انتعاشاً في السوق وارتفاعاً في أسعار تأجير المكاتب

شركات التكنولوجيا الأوروبية الناشئة تتدفق على برلين

اهتمام شركات التكنولوجيا ببرلين صب في مصلحة شركات العقارات. أرشيفية

بعد إعلان توحيد ألمانيا في الثالث من أكتوبر عام 1990، والتئام شطري عاصمتها برلين، ظل قطاع العقارات ومكاتب العمل في العاصمة، يُعاني انخفاض الإيجارات، والكثير من المساحات الشاغرة.

 إلا أنه خلال الأعوام القليلة الماضية، غيّرت شركات التكنولوجيا الناشئة، بنموها السريع، مع تدفق المواهب الشابة، الكثير في هذا الوضع، وشُغلت المكاتب الخاوية، وارتفعت الأسعار، ونفض السوق الكثير من كسله.

 مركز حيوي

 وفي الوقت الحاضر، صارت برلين مركزاً حيوياً لشركات ناشئة في أوروبا تتنوع بين أسماء مثل «زالاندو» للتجارة الإلكترونية، والعديد من المشروعات المبتدئة غير المعروفة التي تختار برلين لانطلاقها.

 واستحوذ قطاع التكنولوجيا على 36% من المساحات المُستأجرة خلال النصف الأول من العام، بحسب شركة «كوليرز إنترناشيونال» للخدمات العقارية. وقد أثر المستوى الحالي للطلب في المساحات المكتبية الشاغرة في برلين، وبلغت ابتداءً من الربع الثاني من العام الجاري 4.3%، ما يُعادل 800 ألف متر مُربع، مُقارنةً مع نسبة 8% خلال عام 2011.

 وعلى سبيل المثال، كان لدى شركة «واي فير»Wayfair.com المُتخصصة في تجارة التجزئة على الإنترنت للديكور المنزلي، 25 موظفاً في برلين قبل عام، ليرتفع هذا العدد إلى 190 موظفاً حالياً. ويخوض المسؤول عن العمليات الدولية للشركة التي تتخذ من مدينة بوسطن الأميركية مقراً لها، جون موليكن، مرحلة توقيع عقد لاستئجار مساحة تكفي للـ450 موظفاً، في وقت شبه في العمل في برلين بأجواء سان فرانسيسكو الأميركية في عام 1999.

 وفي الواقع، أطلقت العديد من المدن في مختلف أنحاء العالم على نفسها لقب «وادي السيليكون في منطقتها»، لكن تحول الكثير منها، في نهاية الأمر، إلى متسابق خاسر آخر في مضمار التكنولوجيا.

 ونظراً إلى ما يتسم به مجال الشركات الناشئة من تقلب، فإنه كثيراً ما يدع للمدن المضيفة خيبة أمل في تحقيق الازدهار ومسحات مكاتب خاوية.

 بعد توحيد ألمانيا

 وفي برلين، تتعلق الآمال بدور طفرة النمو واستمرارها وتوسعها في تحقيق تحول اقتصادي كبير، لاسيما مع سعي المدينة الدؤوب منذ انهيار جدار برلين في عام 1989، لإيجاد نقطة جذب للاستثمارات والأعمال. وفي تلك الفترة رافق التفاؤل والحماس الذي لقيه توحيد شطري ألمانيا إقبال المستثمرين والمغامرين الذين افترضوا أن المؤسسات الرئيسة في القطاع الخاص ستهرع للعاصمة الموحدة، وسارع مطورو العقارات بالتشييد، وانتظروا طلباً كبيراً يشغل بناياتهم الجديدة.

 لكن مؤسسات القطاع الخاص لم تأتِ أبداً، أو على الأقل لم تتدفق بمُستويات تُعادل الآمال المعقودة، وبقيت نسبة كبيرة من المساحات المكتبية خالية، وظلت الإيجارات في مستوى يقل كثيراً عن التوقعات، وتضرر مطورو العقارات. وفي السنوات التالية شهدت السوق ركوداً، وهيمنت عليها المباني الحكومية وفروع الشركات المالية ذات مُعدل النمو البطيء والمتوقع.

 منافس للندن

 وبدأ هذا الوضع بالتحول في عام 2009 عقب فترة الكساد الاقتصادي، وباتت برلين مركزاً للشركات الناشئة، وفي ظل توسع العديد من الشركات الصغيرة، أصبحت المدينة في رأي الكثيرين منافساً قوياً للعاصمة البريطانية لندن، باعتبارها عاصمة للشركات الناشئة في قارة أوروبا.

 وبطبيعة الحال، كان ذلك في مصلحة شركات إدارة العقارات مثل «بيوس» Beos AG الألمانية التي اشترت في عام 2013 مجمعاً من مساحات مكتبية ومخازن، اسُتخدم لفترة طويلة مركز خدمات لشركة هواتف في ضاحية «كرويزبرج» في برلين.

 وبحسب رئيس مكتب «بويس» في برلين، هولجر ماثيس، فإن مُعدل الإيجارات قبل سنوات قليلة راوح بين ثمانية وتسعة دولارات للمتر المربع شهرياً، في حين يتفاوت في الوقت الراهن بين 14 و15 دولاراً للمتر المربع، وقال: «شهدنا وقتاً طويلاً مع سوق الإيجارات المنخفضة»، لافتاً إلى أن المجمع الذي يمتد على مساحة تبلغ 49 ألف متر مربع مُؤجر بالكامل تقريباً لشركات منها «زالاندو» و«واي فير»، وقال: «لدينا طلب من دون أن تكون لدينا مساحة خالية».

 ضاحية «كرويزبرج»

 ويتدفق شباب أوروبي في العقد الثاني من العمر على ضاحية «كرويزبرج» التي مثلت لسنوات حياً للطبقة العاملة في النصف الغربي من برلين، وكان عدد كبير من سكانها من المهاجرين الأتراك، فيما تكتسب حالياً سمات الطبقة الوسطى، وتملأ أرجاءها المطاعم والمقاهي التي تُهيمن عليها أصوات المُتحدثين باللغة الانجليزية بلكنات غير أصلية. وتُقدم هذه البيئة ميزات كثيرة للشركات الناشئة، وبحسب ما قال الرئيس التنفيذي لشركة «أوردر بيرد» للبرمجيات المستخدمة في المطاعم، جاكوب شراير، فإنه «يُمكنك الوصول إلى مواهب رائعة، وهناك أشخاص كثيرون حول العالم يرغبون في الانتقال إلى هنا». ويأمل المستثمرون أن تستمر الإيجارات المرتفعة طالما واصلت التكنولوجيا ازدهارها في برلين، وتتزايد المساحات المكتبية الجديدة قليلاً. وتتوقع شركة «كوليرز إنترناشيونال» اكتمال تشييد نحو 195 ألف متر مربع في نهاية العام المُقبل، في مُقابل 173 ألف متر مربع في عام 2013. وترتفع قيمة مباني المكاتب في برلين، ما يقود إلى تراجع العائدات الأولية للمكاتب عالية الجودة، وهو ما جرى بنسبة 4.3% في الربع الثاني من العام مُقارنةً مع أكثر من 5% قبل خمسة أعوام، بحسب شركة «جيه إل إل» للخدمات العقارية.

تويتر