في ظل رقابة حكومية صارمة ونمو منافسين محليين

التكيف مع الطبيعة المحلية ضرورة لنجاح شركات الإنترنت في الصين

صورة

لطالما تساءلت شركات التكنولوجيا الأميركية عن سُبل تحقيق النجاح في الصين، وصارت التساؤلات أكثر إلحاحاً وأهميةً في الآونة الأخيرة، ولا يرجع ذلك فقط إلى أهمية الصين باعتبارها سوقاً ضخمة ومُربحة تضم أكثر من 600 مليون مُستخدم للإنترنت، ولكن أيضاً لمواجهة خطر خسارتها الصين لمصلحة منافسين محليين في سوقهم الوطنية المزدهرة، فضلاً عن توجه الشركات الصينية لاتخاذ أولى خطواتها المترددة تجاه السوق العالمية.

واعتمدت الشركات الأميركية فترة طويلة على استفادتها من تفوقها في سوقٍ رئيسة مثل الولايات المتحدة، واتخاذها منصة انطلاق نحو العالم، وهو وضع تُخاطر بفقدانه مع بزوغ شركات صينية في مجال التكنولوجيا، سواءً ما يخص التصنيع أو الإنترنت، تتمتع بميزة فهم السوق المحلية.

 

«أوبر» و«إيربنب»

وتُعد شركتا «أوبر» و«إيربنب»، وهما أبرز مثالين للشركات القائمة على «الاقتصاد التعاوني» أو «اقتصاد المُشاركة»، أحدث الشركات الأميركية عملاً في السوق الصينية.

ويخوض تطبيق «أوبر» لحجز السيارات عبر الهواتف الذكية معركة ضارية في الصين، بعدما أقدم تطبيق «كوايدي داشي» الذي تُسهِم في ملكيته شركتا «علي بابا» و«ديدي داشي» على الاندماج في شركة واحدة تُقدر قيمتها بستة مليارات دولار في فبراير الماضي. وفضلت «إيربنب» التي تسمح للمستخدمين بعرض شققهم وغرفهم للإيجار، اتباع نهج أقل ميلاً للمُواجهة المباشرة، بالتحالف مع شركاء محليين.

ويحتل التوطين واللمسات المحلية أهمية بارزة في خطط الشركتين، ويتضمن ذلك الحصول على الإدارة المناسبة والداعمين والمؤيدين المحليين، إضافة إلى تعديل أسلوب عالمي للنجاح في الوقت المناسب. ويُمكن النظر إلى تجربة إخفاق «إي باي» لمصلحة «علي بابا» كنموذج للدراسة؛ بسبب إتاحة الأخيرة التسجيل المجاني للمشترين، وتوفيرها خدمة للدفع للتخفيف من مخاطر الاحتيال، بحسب ما تضمن تقرير في صحيفة «فايننشال تايمز».

ويبقى لكلٍ من «أوبر» و«إيربنب» ميزة تتفوق على شركات مثل «غوغل» و«ياهو» اللتين أخفقت أعمالهما في الصين؛ إذ لا تنخرطان مباشرةً في مجال الإعلام والاتصالات عبر الإنترنت، ما يجعل منهما أهدافاً أقل وضوحاً أمام سلطات حكومية استبدادية.

رقابة صارمة

وفي كل الأحوال، يُمثل نجاح أي شركة إنترنت في الصين تحدياً للوضع الراهن. ودلت أحدث خطوات الحكومة الصينية في الرقابة على الإنترنت بفرض وجود ضباط للشرطة داخل الشركات، على التأثير الضخم لشركات الإنترنت الناجحة، أياً كان مجال تخصصها.

ويرجع ذلك إلى القدر الهائل من البيانات التي تجمعها مثل هذه الشركات ونطاقها. وبطبيعة الحال، فإن الاستحواذ على قاعدة بيانات ضخمة حول تحركات مُواطني دولة ما أمر في غاية الأهمية، ولا يُمثل ذلك سوى البداية؛ في ظل توجه منصات الإنترنت الناجحة للخوض في المزيد من المجالات الحيوية على الإنترنت وخارجه.

وتشترط السلطات الصينية الاحتفاظ ببيانات عمل الشركات داخل الصين، ما يُطمئنها أكثر بشأن إمكانية الوصول إليها متى أرادت. وبالفعل تمتلك «أوبر» مراكز بيانات محلية لعملياتها داخل الصين، لكن ذلك لا يُخفف تماماً من الشكوك القائمة بشأن إمكانية الوثوق بشركة أجنبية، وما إذا كانت ستُماثل المؤسسات المحلية في درجة الالتزام بالتعليمات الحكومية.

 

تطور المنافسة

ومن بين العوامل الأخرى التي تُضيف ضغطاً على الشركات الأجنبية طبيعة تطور المُنافسة في أسواق الإنترنت، وتنتهي العديد من المعارك بنيل الفائزين مختلف الجوائز، والسيطرة شبه الكاملة على السوق، ليتحولوا إلى مراكز قوة. وتُسلط الطموحات الواضحة لشركة مثل «أوبر» الضوء على خططها وما تُحاول الفوز به. وتطمح الشركة لأن تصبح جزءاً أساسياً من البنية التحتية في أي مدينة كبيرة، ولا تقتصر طموحاتها على توفير طرق المواصلات الشخصية، بل تشمل أيضاً العمليات اللوجستية.

وربما تُقاوم الحكومات المحلية في الصين السيطرة الأجنبية على مثل هذه القطاعات، حتى مع وعود «أوبر» بالإسهام في حل بعض المشكلات الناتجة عن توسع ملكية السيارات الخاصة في المدن الصينية التي تُعاني التلوث والاختناقات المرورية.

 

تمويل محلي

ويبرز حالياً سؤال مهم حول استعداد الشركات الأميركية الطامحة لمواجهة مثل هذه التحفظات. وتُقدم ترتيبات «أوبر» الأخيرة في جمع التمويل بعض الإجابات؛ فلدى الشركة مستثمرون صينيون، وتُحاول إتمام جولة تمويل لوحدة صينية مُنفصلة. وقال مُتحدث باسم «أوبر» إن الشركة تبحث في المستقبل إمكانية تقديم طرح عام أولي لأسهمها للقسم الصيني من أعمالها في الصين، على الرغم من عدم تفكير الشركة في الإقدام على ذلك حالياً.

ونظراً لحاجة «أوبر» إلى رأس المال، لاسيما في ظل المنافسة الضارية في سوق تطبيقات طلب السيارات عبر الهواتف الذكية في الصين، فإنه تتضح استفادتها من الاستثمارات المحلية، ما سيسمح لها بمرونة أكبر في التكيف مع التغيرات، مثل الاستعانة بشركاء محليين، أو تقليص حصتها في حال اضُطرت إلى ذلك.

وتُركز شركات الإنترنت الأميركية على الاحتفاظ بدفة القيادة، إذ قررت «ياهو» قبل عقد تحويل أعمالها المُتعثرة في الصين إلى شركة «علي بابا»، ما صار لاحقاً أحد أكثر الاستثمارات نجاحاً في تاريخ الإنترنت، وحالياً يبدو واضحاً تضاؤل دور «ياهو» مع إبقائها على حصة أقلية، وهو مصير تبذل الشركات الأميركية التالية جهودها لتجنبه.

تويتر