«البرنامج» يعمل في أقل من 6% بالصفحات الرئيسة لمواقع الإنترنت.. واستخدامه يشهد تراجعاً

قطاع التكنولوجيا يستعد لوداع «فلاش بلاير» قريباً

صورة

أضفى برنامج «فلاش بلاير»، قبل سنوات، مظهراً مُختلفاً على مواقع الـ«ويب» خلّصها من طغيان النصوص الثابتة والصور على محتواها، وأضاف مقاطع فيديو ورسوماً مُتحركة. ومع ذلك طالته انتقادات كثيرة، اعتبرته عبئاً على تقدم الإنترنت، ومصدراً دائماً للأخطار الأمنية، وقد يكون من أحدث المرشحين للتواري عن مجال التكنولوجيا بعد مسيرة حافلة.

 

تراجع «فلاش بلاير»

في الأسبوع الماضي، عطلت شركتا «غوغل» و«موزيلا» الأميركيتان عمل «فلاش بلاير» مُؤقتاً في متصفحي «كروم» و«فايرفوكس» التابعين لهما، بعد الكشف عن استغلال مهاجمين لثغرة في البرنامج.

ونصح الرئيس التنفيذي للأمن في شركة «فيس بوك»، أليكس ستيموس، شركة «أدوبي سيستمز» بالكف عن محاولة تصليح «فلاش» وإنهاء عمله، في وقت مثلت فيه هذه الوقائع الفصل الأحدث في تراجع برنامج «فلاش»، والتأكيد على دور الأجهزة المحمولة، وهاتف «آي فون» من «أبل» تحديداً في إعادة تشكيل قطاع التكنولوجيا.

من جانبها، تُواصل «أدوبي سيستمز» تحديث «فلاش»، وإصدار تحديثات أمنية منتظمة، تحث المستخدمين على تحميلها، إلا أنه في حال ازداد اقتناع المستهلكين بإعاقة «فلاش» لتصفح الإنترنت، وما يحمله من ثغرات أمنية، فقد يدفعهم ذلك إلى إلغاء تشغيله، حتى إن حرمهم ذلك من مشاهدة بعض مقاطع الفيديو والمحتوى التفاعلي. واعتبر نائب رئيس البحث في شركة «غارتنر» للأبحاث، داني براين، نهاية «فلاش» أمراً لا مفر منه، مشيراً إلى العلامات الواضحة الدالة على اقتراب ذلك منذ فترة لا تقل عن عام أو عامين.

 

قصة «فلاش»

تعود بداية قصة «فلاش» إلى مطلع التسعينات من القرن الـ20، وتحديداً عام 1993 حينما قدمت شركة «فيوتشر ويف» برنامج «سمارت سكتش» للرسوميات على أجهزة الكمبيوتر التي استخدمت قلم «ستيلوس» وليس لوحات المفاتيح.

وأعادت الشركة تطوير البرنامج في عام 1996، بالتزامن مع تزايد الإقبال على الإنترنت، وطرحته باسم «فيوتشر سبلاش»، وأضافت الفيديو والرسوم المُتحركة إلى الـ«ويب»، وفي العام نفسه اشترته شركة «ماكروميديا».

وواصل «فلاش» عمله حتى عام 2005، حينما اعتمد عليه موقع «يوتيوب» لعرض مقاطع الفيديو، وكان الركن الأساسي في استحواذ «أدوبي سيستمز» على شركة «ماكروميديا» مُقابل 3.4 مليارات دولار. وفي تلك الفترة حققت شركة «إن تي تي دوكومو» اليابانية أرباحاً بقيمة تجاوزت 1.4 مليار دولار من محتوى «فلاش» للهواتف المحمولة في اليابان.

واستخدمته في ما بعد «نيتفلكس» لبث الفيديو، ودعمته وكالات الإعلان سبيلاً لإنتاج إعلانات جذابة على الإنترنت. وصار «فلاش» قبل ذلك برنامجاً أساسياً على جميع أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وبدا لاعباً ذا مركزٍ قوي وثابت في عالم الـ«ويب».

 

«فلاش» و«أبل»

مع تقديم شركة «أبل» الأميركية للطراز الأول من هاتف «آي فون» عام 2007، أقبل على استخدامه المهندسون العاملون على تطوير «فلاش»، ويتذكر المُهندس البارز في شركة «أدوبي»، كارلوس إيكازا، في تلك الفترة قائلاً: «استخدم كل من كان في الشركة هاتف (آي فون)».

لكن الهاتف الذكي الجديد مثل حينها مشكلةً لـ«إيكازا»، الذي كان مسؤولاً عن تطوير «فلاش» للعمل على الهواتف المحمولة؛ إذ ترهل البرنامج بمضي الوقت وصار عمله يتطلب الكثير من قدرات الحوسبة، وفي حين لم يُشكل ذلك عقبةً كبيرة مع أجهزة الكمبيوتر الشخصية، فإنه واجه صعوبة كبيرة مع الهواتف المحمولة، بسبب الإمكانات المحدودة للبطاريات. وقررت «أبل» حينها عدم دعم تقنية «فلاش» في هواتفها.

واحتاجت تهيئة «فلاش» للأجهزة المحمولة تعديلات كبيرة، وهو ما أخفق إيكازا في إقناع مسؤولي الشركة بتخصيص الموارد اللازمة لإنجازه. وقال إيكازا: «لدينا هذا الجهاز المُدهش الذي سيُغير العالم، ويعرف الجميع ذلك، إلا أن أحداً في الشركة لم يُحاول إتاحة عمل (فلاش) على الجهاز».

وأشار أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في شركة «أدوبي» إلى أن الشركة رغبت حينها كثيراً في ترخيص استخدام «فلاش» لهواتف «آي فون»، إلا أنها فشلت في الاتفاق مع «أبل». ومع تقديم الشركة جهازها اللوحي «آي باد» عام 2010، تحدث رئيسها التنفيذي الراحل، ستيف جوبز، علانيةً عن مشكلات استخدام «فلاش بلاير».

وحينها أشار جوبز إلى المُشكلات التي رصدها مهندس «أدوبي»، كارلوس إيكازا، قبل سنوات، ووصف «فلاش» بأنه مُستهلك شرهٌ للبطارية، ومصدر للخطر الأمني، واعتبره في نهاية المطاف خياراً سيئاً للعمل مع منصات المحمول في «أبل».

كما أسهم رفض «أبل» لتقنية «فلاش» مشكلة شخصية خاضها جوبز؛ إذ إنه وبحسب مُؤلف سيرته الذاتية، والتر إيزاكسون، لم يتمكن جوبز من مُسامحة «أدوبي» على رفضها عمل برنامجها «أدوبي بريميير» لتحرير مقاطع الفيديو على أجهزة «ماكنتوش» في عام 1999، حينما كانت «أبل» تُكافح للاستمرار.

وكان الانتقاد العلني من جوبز كفيلاً بإقناع شركات أخرى مثل «برايتكوف» Brightcove لتطوير برامج الفيديو، والتي أسست عملها اعتماداً على تقنية «فلاش»، بالمُسارعة باستبداله، إذ أشار مُؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها، جيريمي ألاير، إلى تحول مختلف الأشخاص المُنخرطين في مجال الفيديو، فاتجهت «برايتكوف» على غرار «يوتيوب» إلى برمجيات حُرة تعتمد على معايير مفتوحة تعمل بشكل جيد على أجهزة الكمبيوتر المكتبية والأجهزة المحمولة.

 

جني أرباح

واصلت «أدوبي» جني الأرباح، من خلال بيع برامج لتطوير مواقع الإنترنت المُعتمدة على تقنية «فلاش»، لكنها لم تستطع الاستفادة منها بشكلٍ كامل، ويتضمن مُتصفح «إنترنت إكسبلورر» مُشغل «فلاش بلاير» بشكل افتراضي، وهو ما ينطبق أيضاً على «كروم أو إس» من «غوغل»، لكن «أدوبي» لا تجني أي عائدات نتيجة هذه الصفقات.

وحالياً، تنظر «أدوبي» إلى «فلاش» باعتباره أقل أهمية من بقية أعمالها؛ إذ يُعد مصدراً لما يقل عن 5% من عائداتها. ويعمل «فلاش» في أقل من 6% بالصفحات الرئيسة لمواقع الإنترنت، ويشهد استخدامه تراجعاً بحسب بيانات شركة «بيلت ويز بتي» المعنية بمُتابعة الإنترنت.

 

تقنيات جديدة

وكما تخلت «برايتكوف» و«يوتيوب» عن «فلاش»، طورت «أدوبي» نفسها من حزمتها الإبداعية وطرحت برامج سحابية لمطوري البرمجيات، تعتمد على تقنيات حلت مكان «فلاش».

وعلى الرغم من أنه يُمكن لحزمة «كرييتيف كلاود» الاستفادة من «فلاش»، فإن «أدوبي» عززت استثماراتها في دعم معيار «إتش تي إم إل 5» المفتوح، خلال الأعوام الأربعة الماضية.

كما تتبعت المسار ذاته شركة «مايكروسوفت»، التي تُوفر برنامج «سيلفرلايت» المُنافس لبرنامج «فلاش»، فدعمت عمل «إتش تي إم إل 5»، وأعلنت عزمها التوقف عن دعم «سيلفرلايت» خلال ست سنوات.

وفي الواقع، ومع تراجع «فلاش» مُقارنةً بنجاحه الأول، إلا أن ذلك لم يضر «أدوبي»، وازدادت قيمة أسهمها بأكثر من الضعف منذ انتقد ستيف جوبز برنامج «فلاش بلاير».

ولا ينفي كل ما ذكر اعتزاز البعض في قطاع التكنولوجيا بتجربة «فلاش» وتأثيره في عالم الـ«ويب»، إذ تحتفظ «نيتفلكس» مثلاً بين موظفيها بواحد من بين خمسة أفراد تولوا تطوير برنامج «فلاش»، وهو رومان ستاروشنيك، الذي وصف مصير البرنامج بـ«الحزين»؛ باعتباره منصة رائعة ربطت بين المصممين والمطورين، حسب ما قال.

 

تويتر