ارتفاع كُلفة العمالة والرغبة في مضاهاة الشركات الغربية أسهما في زيادة الإقبال عليها

تنامي مبيعات «الروبوتات» المستخدمة في الصناعة بالصين

غالباً ما يعتمد العديد من الصناعات سريعة النمو في الصين مثل السيارات على «الروبوتات». أرشيفية

لا يُنافي وصف الصين بأنها «مصنع العالم» لواقع الأمر، فقد استحوذت بالفعل على كثير من مهام التصنيع في العالم، وفي الوقت الراهن تسند هذه الوظائف إلى «الروبوتات» مع تنامي استعانة الشركات الصينية بها لدرجة أن الصين تُعد السوق الأكبر في العالم للآلات «الروبوتية».

وشهدت مبيعات «الروبوتات» في الصين زيادة بنسبة 54% عام 2014 مقارنةً بالعام السابق. ويتوقع الاتحاد الدولي لـ«الروبوتات» أن تضم الصين من «الروبوتات» المستخدمة في الصناعة ما يفوق أي بلد آخر بحلول العام المُقبل. ويتعارض هذا الإقبال مع افتراضات مُسبقة بشأن دور «الروبوتات» والاقتصاد العالمي.

وفي كثير من الأحيان ينظر خبراء الاقتصاد إلى الاعتماد على الآلات كطريقة تتجه إليها الاقتصادات المتقدمة للمحافظة على وجود الصناعات في أراضيها، أو لجذب المصانع إليها مجدداً، وذلك بسبب التركيز على حساب تكاليف الأيدي العاملة، وهو أمر لم يفقد أهميته بعد. ومع ذلك، تحتل «الروبوتات» حالياً أعداداً أكبر من الوظائف في الدول النامية، ما يقلل من فرص العمل المحتملة المرتبطة بإنشاء مصانع في دول إفريقيا أو آسيا أو أميركا اللاتينية.

ويقف وراء إقبال الصين على «الروبوتات» مجموعة من القوى المؤثرة، فمن ناحية ارتفعت تكاليف العمالة، كما صارت تقنية «الروبوتات» أرخص وأسهل في الاستخدام عن الفترات السابقة. وعلاوة على ذلك، غالباً ما يعتمد العديد من الصناعات سريعة النمو في الصين مثل السيارات على الآلات بصرف النظر عن المصانع، كما يقتصر إنجاز بعض العمليات فائقة الدقة في تصنيع الإلكترونيات على الآلات فقط.

وقال محلل البحوث الاقتصادية في مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار في واشنطن، آدمز ناجر: «نعتقد أن الصينيين يُنتجون أشياء رخيصة»، لافتاً إلى أن الواقع يُشير إلى غير ذلك، فتسمح الصين للصناعات التي تتطلب كثيراً من الأيدي العاملة، مثل الملابس والأحذية، بالانتقال إلى خارج البلاد، كي يتسنى لها التركيز على الصناعات كثيفة رأس المال.

ومن هذا المنطلق، فلا يختلف ما يجري في الصين عما يحدث في العديد من أنحاء العالم، لكنه يشير إلى تحوّل كبير. ويعتقد بعض الاقتصاديين أن الصين ربما تكون واحدة من آخر الأماكن التي يوفر فيها التصنيع نمواً هائلاً في الوظائف، وهو ما سمح لها بالارتقاء في مصاف الدول الأكثر ثراءً، وفي حال تواصل الاتجاه إلى «الروبوتات»، فقد يؤدي إلى تباطؤ في نمو الوظائف، وهو ما لم يتضح في الصين إلى الآن.

ووفقاً لتقديرات الاتحاد الدولي لـ«الروبوتات»، تم بيع نحو 225 ألف «روبوت» العام الماضي في مختلف أرجاء العالم، ما يُمثل زيادة بنسبة 27% على العام السابق. وتصاعدت مبيعات «الروبوتات» في الأسواق الرئيسة، واستحوذت قارة آسيا على أكثر من نصف نسبة النمو. وشهدت الصين وحدها بيع 56 ألف «روبوت» خلال العام الماضي.

وأرجع الاتحاد أحد أسباب تنامي مبيعات الروبوتات في الصين إلى انخفاض كثافة «الروبوتات» مقارنة بعدد العمال، إذ تصل إلى نحو 30 روبوتاً مُقابل كل 10 آلاف عامل في المصانع، في حين تبلغ نسبتهم في ألمانيا 10 أضعاف ذلك.

وأشار رئيس مختبر «الروبوتات» في معهد جورجيا للتكنولوجيا، هنريك كريستنسن، إلى ما أسماه بالنمو الهائل لـ«الروبوتات» في الصين، مضيفاً أن «أكبر مصنعي (الروبوتات) في العالم يسارعون بافتتاح مصانع في الصين لتلبية الطلب على الآلات الجديدة».

وقال الرئيس التنفيذي للأعمال والاستراتيجية في شركة «أدبت تكنولوجي» الأميركية لتصنيع «الروبوتات»، تيري هانون، إنه «اندهش من رؤية 400 من المصنعين الصينيين الجدد في معرض تجاري في الصين خلال العام الماضي».

وكانت شركة «هون هاي بريسشن» التايوانية المعروفة باسم «فوكسكون» أعلنت عن خططها لتطوير وتشغيل آلاف «الروبوتات» لتجميع هواتف «آي فون» الخاصة بشركة «أبل»، وغيرها من المُنتجات.

ويلعب عامل الفخر الوطني دوراً ضمن إقبال الصين السريع على «الروبوتات»، سواء صنعتها شركات صينية أو غربية. وقال رئيس التسويق والمبيعات في شركة «إيه بي بي روبوتيكس»، ستفين ويات: «حين بدأ الصينيون التصدير غالباً ما لقوا اعتراضات تتعلق بمستوى الجودة الذي يمكنهم تقديمه. يريدون أن يتمكنوا من القول إننا نستخدم (الروبوتات) نفسها مثل ما تستخدمونه في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية».

وربما هذا يأتي ضمن الأسباب التي تدفع الحكومة الصينية لدعم الاتجاه للاستعانة بـ«الروبوتات»، وحددت الحكومة هدفا لعام 2020 بأن يكون لدى البلاد ما لا يقل عن ثلاث شركات لصناعة (الروبوتات) تُنافس على الصعيد العالمي، وثماني مجموعات متعاقدة مع شركات خارجية، وحصة 45% من السوق المحلية لـ«الروبوتات» ذات الإمكانات المرتفعة، فضلًا عن مُضاعفة مُعدل «الروبوتات» مُقابل العمال ليصل إلى 100 «روبوتات» لكل 10 آلاف عامل.

ويرى البعض أن هذا النهج الذي يتجه من السلطة إلى المستويات الأدنى قد يشجع على إهدار الإنفاق.

وقال الأستاذ في جامعة «تشونغ كونغ» للدراسات العليا في الأعمال، جان جي: «إذا ما منحت تمويلاً للشركات غير المناسبة، قد تُزاحم غيرها ممن سيكونون أكثر إنتاجية». ويشغل جي منذ فترة طويلة منصب عضو في مجلس إدارة شركة «دي جيه آي» الصينية لصناعة الطائرات من دون طيار.

وفي الوقت نفسه لم يظهر حتى الآن تأثير كبير لاعتماد «الروبوتات» في التوظيف. وفي عام 2014، ارتفع متوسط الأجور في المناطق الحضرية من الصين بما يزيد على 10%، مع التزام البلاد بخطتها الرامية لتوفير ما لا يقل عن 10 ملايين وظيفة جديدة خلال العام الجاري.

ويقول أصحاب المصانع إن «ما يُشجعهم على استخدام (الروبوتات) ما يجدونه من صعوبة في إيجاد الشباب الصينيين المستعدين للعمل في الوظائف المُملة لخطوط التجميع». ولفت بعض مصنعي الإلكترونيات إلى مواجهتهم صعوبة في التعامل مع معدلات مغادرة العمال التي تصل إلى 20% شهرياً.

وربما تلمس بلدان نامية أخرى أثر استخدام «الروبوتات» على التوظيف مع تحوّل بعض الوظائف إلى خارجها بحثاً عن تكاليف أقل للعمالة.

وقال مدير شركة «رويان كاربيد تول» لصناعة أجزاء معدات الطحن، تشن زنجكساو، إن «تكاليف العمالة لم تكن الدافع وراء قرار شركته الاستعانة بعدد أكبر من (الروبوتات)». وأضاف: «يتسبب لمس المنتج باليد في مُشكلات الجودة، لا يُمكن ضمان الدقة، كما أن الأمر أسرع بواسطة (الروبوتات)».

 

تويتر