وكالات إغاثة تستعين بالهواتف المحمولة لجمع بيانات حول الأماكن الأكثر احتياجاً للمساعدات

التكنولوجيا تساعد على مكافحة الجوع في العالم

صورة

حتى وقت قريب لم يكن لتحليل البيانات وأجهزة الاستشعار المرتبطة بالإنترنت و«الروبوتات» علاقة وثيقة بعالم الزراعة، وما يتصل به من التربة والأسمدة والماشية، لكن ذلك بدأ يتغير تدريجياً في وقت يأمل كثيرون أن تساعد التقنيات الرقمية في توفير المزيد من الطعام ومكافحة الجوع، والمساهمة في التغلب على مشكلات مثل شح المياه وتناقص مساحات الأرض المزروعة.

وفي الوقت الذي يُعاني ملايين الأشخاص من الجوع وسوء التغذية، يُمكن لتقنية الهواتف المحمولة الإسهام في جمع بيانات تُساعد وكالات الإغاثة في تحديد الأماكن الأكثر استحقاقًا لتوزيع المساعدات الغذائية، وهو ما تطلب حتى وقت قريب إجراء مقابلات مباشرة وجهاً لوجه مع الأسر في المنازل، وهو أمر يستلزم الكثير من الوقت والجهد.

وفي الوقت الراهن، يُساعد تنامي انتشار الهواتف المحمولة في مُختلف أرجاء العالم النامي وكالات الإغاثة على جمع هذه المعلومات من خلال الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية الآلية، وهو ما يُتيح تنفيذ المزيد من جولات المسح والدراسة بصورة آلية، بحسب ما تضمن تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية.

وقال كبير الاقتصاديين في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ومسؤول وحدة التحليل، عارف حسين، إنه «لا يتوجب علينا الوجود فعلياً على الأرض للحصول على هذه المعلومات، إذ بمقدورنا استخدام هذه التقنيات، وهذا مكسب كبير لم يكن متاحاً قبل بضعة أعوام».

وبالإضافة إلى ذلك، تُيسر تقنية المحمول توفير أشكال جديدة من المساعدات الغذائية، فعلى سبيل المثال يُمكن لمنظمات الإغاثة من خلال إمكانية تحويل النقود أو القسائم المالية إلى الهواتف المحمولة، عدم الاقتصار على خدمات توفير الغذاء، بل دعم مُوردي الأغذية أيضاً في المجتمعات المحلية.

وتستخدم منظمة «غلوبال بلوز» التابعة للأمم المتحدة تكنولوجيا المحمول في متابعة أنماط السلوك البشري بما يُساعد في تحسين الاستجابة.

وقال مدير «غلوبال بلوز»، روبورت كيركباتريك: «نتطلع إلى بيانات يُمكنها مساعدتنا في فهم ما يقوله الناس على صلة بالأمن الغذائي».

وتُمثل مواقع الإعلام الاجتماعي أحد المصادر النافعة للمعلومات، فقد تدل متابعة شكاوى أشخاص عبر «تويتر» بشأن اضطراراهم إلى دفع الكثير من المال مُقابل الحصول على الطعام عن الصعوبات التي يُجابهونها لتوفير ما يكفي من الغذاء لعائلاتهم.

وأحياناً تستعين منظمات الإغاثة بتحليل المكالمات الهاتفية التي تجرى عبر أبراج الهواتف المحمولة في تتبع حركة التجمعات البشرية، ولاسيما في أوقات الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية كالجفاف، ما يُساعدها على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة بخصوص توفير الإمدادات الغذائية.

وفضلاً عن دور التقنية الرقمية في تحسين سُبل تقديم المساعدات، فبإمكانها الإسهام في تطوير الزراعة وزيادة المحاصيل، وتتنوع أدواتها بين أجهزة الاستشعار وكاميرات الفيديو والطائرات من دون طيار والأقمار الاصطناعية، وجميعها يسهِم في توفير مستوى من الدقة العلمية والضبط في الزراعة.

ومثلاً يُمكن لتزويد آلات الزراعة، مثل الجرارات وآلات البذر والحصاد بمستشعرات لاسلكية، أن يُتيح للمزارعين جمع معلومات في الوقت الحقيقي عن العمق الذي توجد به البذور، ومكونات التربة، وطول النباتات أثناء مراحل نموها.

كما يمكن للأقمار الاصطناعية على ارتفاعات عالية والطائرات من دون طيار المُزودة بكاميرات متطورة توفير صور عالية الدقة للأراضي الزراعية.

وقال مُدير العلوم الرياضية والتحليلات في شركة «آي بي إم» المُتخصص في الزراعة الدقيقة، تشيد أبت، إن بإضافة البيانات الخاصة بعمل الآلات يُمكن التوصل إلى صورة غنية لما يجري في الواقع.

ويمكن للمزارعين الاستعانة بهذه البيانات لتكوين نماذج تتنبأ بحجم إنتاج الأرض قبل ستة أشهر من الحصاد. كما تُقلص التكنولوجيا من الوقت الذي يحتاج إليه العاملون في الزراعة لمتابعة وضع المحاصيل، الأمر الذي يسمح لهم باتخاذ إجراءات تصحيحية مثل تغيير خليط الأسمدة ومعدلات الري. وأشار أبت إلى أن استخدام الطائرات من دون طيار يُتيح متابعة مزرعة بمساحة 5000 فدان في غضون دقائق، وهو عامل حاسم في ما يتعلق بسرعة الحصول على البيانات.

وبطبيعة الحال، يقتصر الاستثمار في استخدام الطائرات من دون طيار وصور الأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستشعار المتصلة بالإنترنت، على المزارع الكبيرة، خصوصاً في الدول المتقدمة، ويظل بعيداً عن متناول صغار المزارعين الذين يُنتجون 70% من الغذاء في العالم.

ومع ذلك، يظل بمقدور صغار المزارعين تحسين عملهم وتعزيز كفاءة مزارعهم عبر الاستعانة بالهواتف المحمولة للحصول على معلومات في الوقت الحقيقي عن أسعار السلع في الأسواق المحلية، وتوقعات بحالة الطقس، إلى جانب نصائح حول تقنيات رش المحاصيل والري وأنسب أوقات البذر.

وفي الوقت ذاته، تحظى الزراعة باهتمام متزايد من رواد الأعمال والمبتكرين للتوصل إلى أدوات تُسهل على المزارعين دمج البيانات والتقنية الرقمية في عملهم. وعلى سبيل المثال، تُوفر شركة «أون فارم» OnFarm في ولاية كاليفورنيا الأميركية برنامجاً يُدير مجموعة متنوعة من البيانات الزراعية والتحليلات، ويُيسر تبادل المعلومات بين المسؤولين عن المزارع والمستشارين والعاملين الميدانيين في الحقول، كما يُنبه المزارعين لتغيرات الطقس مثل الصقيع وانخفاض الرطوبة والرياح.

وتعد هذه الأدوات والاهتمام أمراً جديداً نسبياً، إذ لم تجتذب الزراعة كثيراً انتباه المُبتكرين في مجال التكنولوجيا، وهو أمر يعتقد الشريك في «يو إس فنتشر بارتنرز» لاستثمارات رأس المال المغامر، بول ماتيوتشي، أنه ينبغي أن يتغير. وإلى جانب عمله في الاستثمار، أسهم ماتيوتشي في تأسيس «فيدينغ 10 بليون» Feeding 10 Billion، وهي منظمة غير هادفة للربح ترمي إلى توفير نظام لرواد الأعمال المهتمين بأنظمة الغذاء لتبادل المعلومات وإجراء الأبحاث والاتصال ببعضهم بعضاً والحصول على الاستشارات.

ولفت ماتيوتشي إلى افتقار ريادة الأعمال في قطاع تكنولوجيا الزراعة والغذاء، إلى النظام القوي لتبادل المعلومات والخبرات والموارد المُتاحة لشركات تكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية في وادي السيليكون. ويعتقد أنه على الرغم من تقديم شركات ناشئة لابتكارات زراعية مؤثرة، تباطأ قطاع الزراعة، الذي يتمتع غالباً بحماية من الإعانات الحكومية، في تبني هذا النهج. وقال: «يكمن السؤال في كيفية إنشاء نظام من الحوافز يُقنع الزراعة الكبيرة بتقبل التغيير».

 

تويتر