الشبكات الاجتماعية كتبت نهاية لنهج طويل من الانضباط في الرسائل التي يقدمها الساسة عن أنفسهم

المنصات الرقمية تعيد رسم الحملات السياسية للأحزاب

صورة

يرجع الفضل إلى الحملة الانتخابية الأولى للرئيس الأميركي، باراك أوباما في عام 2008، التي أُطلق عليها «انتخابات فيس بوك»، في لفت أنظار الساسة من مختلف أنحاء العالم إلى أهمية العالم الرقمي، وصعوبة تجاهله في تحركاتهم. وكانت حملته الانتخابية لفترة ثانية في عام 2012 تذكيراً جديداً بأهمية الإنترنت في مجال الحشد السياسي.

 

حملات انتخابية

حظيت حملة أوباما بشعبية رقمية واسعة، وجمعت 45 مليون إعجاب (لايك) في «فيس بوك»، و23 مليون متابع في موقع التدوين المصغر «تويتر»، ومليون تحميل لتطبيق الحملة المخصص لموقع «فيس بوك». وكان الأمر الأكثر أهمية تحويل ذلك إلى مكاسب خارج العالم الرقمي، منها تنظيم 358 ألف فاعلية على الإنترنت، وجمع 690 مليون دولار، شكلت أكثر من نصف التبرعات.

وقدمت الانتخابات الهندية في عام 2014 تأكيداً إضافياً، إذ أسهم نجاح رئيس الوزراء ناريندا مودي، بالاستعانة بالإنترنت، في حشد 2.2 مليون متطوع، وإسهام مئات الآلاف منهم في دعم حزبة «بهاراتيا جاناتا».

وتُسهِم الشبكات الاجتماعية والمنصات الرقمية، عموماً، في تغيير أساليب إدارة الحملات السياسية والتواصل مع الناخبين، ورؤية الجمهور لعالم السياسة والأحزاب، وهي تأثيرات تطول نتائج الانتخابات، ويبدو أنها ستُواصل تطورها خلال السنوات المُقبلة، بحسب ما تناول المؤسس المشارك ومدير الأبحاث في «مركز تحليل الإعلام الاجتماعي» في مؤسسة «ديموس» البحثية البريطانية غير الحزبية، كارل ميلر، في مقال له في مجلة «نيو ساينتست» العلمية.

 

نتائج متناقضة

تظل أهمية الإعلام الاجتماعي في حسم نتائج الانتخابات مثار نقاش، ففي عام 2009 هيمن «حزب القراصنة» في ألمانيا على اهتمام مستخدمي مواقع الإعلام الاجتماعي، لكنه لم ينل المكانة ذاتها في نتائج الانتخابات، وكذلك خلال الاستفتاء على استقلال اسكتلندا، الذي جرى في سبتمبر من عام 2014، إذ تصدرت المجموعات الداعية للتصويت بالموافقة على الاستقلال، المشهد في خدمات الإعلام الاجتماعي، بينما كانت الغلبة في الواقع للمصوتين بـ«لا».

وفضلاً عن إدراك النشطاء ومنظمي الحملات لأهمية دعم الجمهور على الإنترنت، يعتقدون بأن العامل الأهم يكمن في تحويل الشعبية في مواقع الإعلام الاجتماعي إلى حشد للمتطوعين وجمع للتبرعات وصولاً إلى حصد أصوات الناخبين.

وتتجه الأنظار إلى الانتخابات العامة في المملكة المتحدة المزمع إجراؤها في مايو المُقبل. وفي الوقت الذي تشتد فيه الحملات الانتخابية، يُقبل الساسة أو يضطرون إلى اللجوء إلى المنصات الرقمية، لاسيما موقع التدوين المُصغر «تويتر»، وهو ما فعله 80% من أعضاء البرلمان الطامحين إلى إعادة انتخابهم مرة أخرى، ونشروا إجمالاً 100 ألف تغريدة في أسبوع واحد، وتتحدث تقارير عن إنفاق حزب المحافظين ما يزيد على 100 ألف جنيه إسترليني شهرياً في موقع «فيس بوك».

 

تغييرات إجبارية

ويُحدث الإعلام الاجتماعي تغييراً لا شك فيه في مجال السياسة، وكتبت الشبكات الاجتماعية نهاية لنهج طويل من الانضباط في الرسائل التي تقدمها الأحزاب والساسة عن أنفسهم. وعلى مدار عقود، فرضت الإدارات المركزية للأحزاب سيطرة صارمة على تصريحات السياسيين في العلن، وبنت عالماً من التخطيط المركزي الذي يتحكم في أجندة الأخبار، ويُروج رسائل موحدة، ويستعين بمتحدثين رسميين يدلون بتصريحات مختصرة ومنضبطة.

لكن هذا التخطيط الصارم يزول تماماً وسط فيضان من تغريدات الساسة والجمهور، ويُغفل حالياً أعضاء البرلمان من غير قادة الأحزاب ذكر المقتطفات المهمة من البرامج والخطب والشعارات الرسمية في استخدامهم لموقع «تويتر» في التفاعل مع الناخبين.

كما يُوشكون على تجنب الإشارة إلى زعماء الأحزاب تماماً. وعلى سبيل المثال، فمن بين 15 ألف تغريدة كتبها أخيراً أعضاء حزب المحافظين في بريطانيا، أشارت 69 تغريدة فقط إلى رئيس الوزراء وزعيم الحزب، ديفيد كاميرون.

ويتراجع كثيراً نظام التسلسل الهرمي للسلطة داخل الأحزاب التي تجد نفسها أمام خيارين؛ إما القبول بالوضع الجديد، أو فرض نظام رقمي بالغ الحزم على كلمات نوابها في البرلمان في مواقع الإعلام الاجتماعي، إلا أنها ستُخاطر حينها بخسارة مجموعات من الجمهور ترغب في إقناعها برسالتها، وكسب أصواتها، وهي مجموعات تُثمن المشاركات الحقيقية على الإنترنت.

 

مشاركة الجمهور

وفضلاً عن التغيير الذي طال الأحزاب والحملات السياسية، فقد أزال الإعلام الاجتماعي جانباً من الحواجر التي حالت دون مشاركة الجمهور في الحياة العامة والنقاشات السياسية، إذ صار بإمكانهم التعبير عما يجول بخاطرهم دون قيود، وفي أسبوع واحد نشر الجمهور في المملكة المتحدة 300 ألف تغريدة في «تويتر» عن الساسة، جمعت بين الشتائم والأسئلة، وكلمات الدعم، والنكات.

وتُثير مختلف الأحداث الرئيسة في الحملات الانتخابية، نقاشاً مطولاً وردود فعل واسعة في العالم الرقمي، تشمل زلات المتحدثين، والخلافات، والبيانات المعلنة والصدامات. كما ينجذب المستخدمون إلى الوسوم العامة أو «هاشتاغ» لأغراض مختلفة؛ مثل التعبير عن الاستياء والغضب، أو التشجيع، أو للتحقق من صحة معلومات، أو بدافع من تجربة جماعية للحياة السياسية.

وشكل دخول الجمهور هذه الساحة الجديدة، أنوعاً مختلفة من الصلات بعالم السياسة. ويفوق أعداد مُتابعي حسابات بعض الأحزاب في مواقع الشبكات الاجتماعية عدد أعضائها الفعليين، وترسم الإعجابات (لايك) والمتابعات، وإعادة نشر التغريدات (ريتويت) صورةً جديدة للهوية السياسية، وتخط أسلوباً مغايراً للتعبير عن الدعم. وتُعتبر هذه الصلات عابرة ومُؤقتة مُقارنةً مع العضويات الرسمية، ونظراً لتزايد انتشار هذه الروابط الأضعف، صار اتباع أحد الأحزاب والولاء لها أمراً أكثر تقلباً من ذي قبل.

كما تُسهِم الحملات الرقمية في تحديد الأصوات المسيطرة، وحالياً يتوجب على الأحزاب التقليدية مواجهة مجموعات أكبر وأكثر تنوعاً تتنافس لجذب انتباه الجمهور في العالم الرقمي، وكثيراً ما تخفق أمام التيارات الجديدة. فمثلاً يُتابع حساب الممثل الكوميدي والناشط البريطاني راسل براند في موقع «تويتر» عدد يفوق إجمالي ما يحظى به جميع أعضاء البرلمان.

واستند ظهور مجموعات تراوح بين الاتجاهات اليسارية مثل حركة «احتلوا» و«أنونيموس»، إلى أقصى اليمين مثل «بريطانيا أولاً» و«رابطة الدفاع الإنجليزية»، أساساً، على مواقع الإعلام الاجتماعي، سواءً في ما يتعلق بجذب الأعضاء، والتنسيق، والمحافظة على مشاركاتهم. ويُمكن لهذا الاتجاه أن يُغير لاحقاً من الأشخاص والتجمعات التي تخوض عالم السياسة الرسمية.

تويتر