توفر استشارات إدارية فورية للشركات

تحليلات البيانات تقدم أسلوباً جديداً لإدارة الموارد البشرية

صورة

على مدار قرون، اعتمد البشر على ملاحظاتهم في دراسة استجابة العاملين لتغير الظروف في محاولة لتحديد ما يحسن ظروف العمل ويزيد الإنتاجية، ولاحقاً دعموا ذلك بالاستطلاعات والأبحاث في مسعى لقياس واقع العمل كمياً، من دون أن يحدث ذلك تغييراً جوهرياً في أساليب الإدارة.

وفي الوقت الراهن، وكحال مختلف المجالات، يتطلع المتخصصون إلى دور أكبر للبيانات لدراسة سلوكيات الموظفين والتوصل لأفضل السبل لتحقيق النتائج المرجوة.

وترد هذه البيانات من مصادر عدة، كالبريد الإلكتروني والاتصالات والبرمجيات المستخدمة في العمل، وتشترك جميعها في رسم صورة لسير العمل والعوامل المؤثرة في أداء الموظفين.

ويمكن تخيل بدء المديرين عملهم بالتعرف إلى طبيعة العمل، ليس من خلال مناقشة مرؤوسيهم، وإنما باستشارة لوحة تحكم رقمية تعرض الحضور ومؤشرات عن سعادة الموظفين، وتبرز أي تغيرات تستدعي الانتباه، ما يساعدهم على تحديد أولويات اليوم أو الفصل بأكمله، كالتركيز على إشراك الموظفين، أو مد نطاق الشبكات الاجتماعية للعاملين في أقسام المبيعات.

وفي الواقع، لا تنتمي هذه الصورة تماماً إلى المستقبل، بل تشبه ما يوفره عدد متزايد من الشركات المتخصصة، تتفق جميعها على استعانتها بالبيانات لتوجيه القرارات في مجال الموارد البشرية، الذي ظل إلى حد ما بعيداً عن التحليلات، ويندرج هذا ضمن ما يسميه الأكاديميون «تحليلات الأشخاص» People Analytics، التي تعامل الموظفين في مؤسسة أو شركة كأي أصل آخر في سلسلة العمل يمكن متابعته وتحليله وإعادة تشكيله، وفي حين تفي معظم البرمجيات المستخدمة في مجال الموارد البشرية بجانب من مهام التحليل، إلا أن «تحليلات الأشخاص» تختلف من ناحية نوع البيانات التي تعنى بها وحجمها.

ومن بين الشركات العاملة في هذا المجال «فولومتريكس» Volometrix، التي تتخذ من مدينة سياتل الأميركية مقراً.

ويرى المؤسس المشارك في «فولومتريكس»، رايان فولر، أن «معظم الشركات تواجه صوراً مختلفة من المشكلات الأساسية نفسها».

وتستوعب برمجيات «فولومتريكس» قدراً كبيراً من البيانات، يشمل جميع رسائل البريد الإلكتروني لموظفي الشركة، وجدول الأعمال الخاص بكل موظف، وتستعين بها جميعاً لتصور مهام كل موظف، والأشخاص الذين يتعاون معهم.

وأحياناً تنتهي مثل هذه التحليلات إلى نتائج تخالف الاعتقادات الشائعة لدى مسؤولي إدارة الشركات، فمثلاً، في حين يعتقد العديد من المديرين بارتفاع نجاح موظفي المبيعات بالتوافق مع تزايد صلاتهم خارج الشركة، كشفت البيانات أن نجاح فرق المبيعات يعتمد بشكل كبير على شبكة علاقاتهم داخل الشركة، ويسهل تقييم النطاق الحقيقي لهذه الشبكات من خلال تحليل رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة بين الموظفين ولقاءاتهم.

وعلاوة على ذلك، تنجز «فولومتريكس» آلياً بعض مهام المديرين، مثل توجيه رسائل عبر البريد الإلكتروني إلى العاملين في أقسام المبيعات لتشجيعهم على توسيع نطاق علاقاتهم. وتشير الشركة إلى تحليلها البيانات المتعلقة بمصادر كالبريد الإلكتروني بشكل يضمن إخفاء هوية الموظفين لحماية خصوصيتهم.

وترى شركات منها «كوالكوم» و«سيمانتك» و«بوينغ» في برمجيات «فولومتريكس» نوعاً من الاستعانة بمستشارين في الإدارة يعملون في الوقت الحقيقي، وبدلاً من الانتظار بعد وقوع مشكلة ما، والاستعانة بشركة خدمات مهنية لاقتراح الحلول، يمكن للمديرين التدخل بشكل مستمر، وفقاً لفولر.

ويتبع نهج آخر في مجال «تحليلات الأشخاص» مساراً مختلفاً ينطلق من افتراض تقديم الموظفين السعداء مستويات أفضل من الإنتاجية، وتعد شركة «كلشر أمب» CultureAmp الأسترالية مثالاً على هذا الاتجاه، وتستعين بها بعض من أشهر الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا، مثل «أوبر» و«بوكس» و«إيربنب».

وتتيح «كلشر أمب» للمديرين استطلاع اتجاهات موظفيهم من خلال استقصاءات قصيرة. ويرى مؤسس الشركة، ديديه إلزينجا، أن «هدف ذلك يكمن في تحويل المديرين إلى الاهتمام بالقياس الكمي المفهوم، بدلاً من القياس المبهم الخاص بثقافة العمل في شركة ما».

ومن بين الشركات التي تستعين بحلول «كلشر أمب» شركة «ديسكس» Disqus الناشئة، التي توفر منصة لإدارة التعليقات على مواقع الإنترنت، ويصل عدد العاملين فيها إلى 65 موظفاً. وترى مسؤولة الموارد البشرية وتحليلات الأشخاص في الشركة، كيم راورور، أن «أدوات مثل (كلشر أمب) أتاحت لها إنجاز عمل تطلب في السابق فريقاً كاملاً من المحللين داخل شركة مثل (غوغل)، التي تعد من نواح كثيرة رائدة في مجال (تحليلات الأشخاص)».

وتشارك راورور في لقاءات عارضة في مدينة سان فرانسيسكو تضم المسؤولين عن نوع جديد من إدارة الموارد البشرية، يعتمد بشكل أكبر على البيانات، يطلق عليهم «people ops»، وتلاحظ الانتشار السريع لسبل «تحليلات الأشخاص» وأدواتها.

ويمكن النظر إلى «تحليلات الأشخاص» بأكثر من طريقة، منها توفيرها صدقية لأحد أكثر المهام أهمية داخل الشركات، والتي تلقى في الوقت نفسه الكثير من التجاهل، وهي الاستفادة القصوى من الموارد البشرية أو الأشخاص الذين تصعب عموماً إدارتهم ويتولون مسؤولية تشغيل الشركات.

وحالياً، لا تمثل البيانات مجرد أدوات مساعدة أو مراجع في اتخاذ القرارات، بل تتعامل معها الشركات كعملة ثمينة، وبالتالي كلما توافر المزيد منها، زادت الفاعلية والتأثير.

واعتبرت راورور أن لإمكانية قياس جوانب طالما صعب تفسيرها، مثل مدى شعور الموظفين بتقدير عملهم، والتصرف حيالها، تأثيراً قابلاً للقياس على استمرار الموظفين في العمل وإنتاجيتهم.

وبسبب إمكانية قياس النتائج، يتوقع فولر تأسيس الشركات قريباً أقساماً مستقلة لتحليلات الأشخاص، تجمع بين المبيعات وتكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية.

وأشار إلى أن الإقبال المتواصل للشركات على شغل مناصب لنائب الرئيس أو مدير مسؤول عن تحليلات الأشخاص.

ومن المرجح أن تلقى فكرة رفع كفاءة الشركة من خلال القياس الكمي لاتجاهات موظفيها وسلوكياتهم استحساناً لدى مديرين اعتادوا تحسين سلاسل التوريد والبنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات في مؤسساتهم، لكن توجد مشكلات في هذا القياس؛ حال تحول هدف الإدارة إلى تحسين مقاييس معينة للأداء، فستفقد مقاييس أخرى فاعليتها بمضي الوقت.

تويتر