شركات ناشئة تستعين بعلم النفس وخوارزميات تحليل البيانات لتطويرها

تقنيات الكشف عن المشاعر بين تنوّع تطبيقاتها ومخاوف انتهاك الخصوصية

يُمكن لبرمجية «إيموتنت» تمييز المشاعر بمقارنتها بقاعدة بيانات عن التعبيرات الدقيقة للوجوه التي تحدث خلال جزء من الثانية. أرشيفية

تتحدث وجوه البشر بلغتها الخاصة من خلال تعبيرات دقيقة وحركات عضلات الوجه، وتحتاج كأي لغة إلى قارئ مُجيد. ومع ذلك، قد يخفق البعض في قراءة تعبيرات الوجوه وتحديد المشاعر الكامنة لأصحابها. وتستعين شركات أميركية ناشئة بعلم النفس وخوارزميات تحليل البيانات لتطوير برمجيات تكشف عن المشاعر العميقة للأشخاص، من خلال دراسة تعبيرات الوجوه.

وتمتد تطبيقات هذه التقنية من المساعدة في تحقيقات الشرطة إلى التعليم والصحة والإعلانات والتسويق، لكن، ومع فوائدها المحتملة، تُثير مخاوف البعض بشأن انتهاكها خصوصية الأفراد، واحتمالات إساءة استعمالها، أو تقديمها تفسيرات خاطئة للمشاعر، حسب ما تضمن تقرير نشرته صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية.

وتعتمد هذه الشركات على دراسات الطبيب النفسي الأميركي، بول إيكمان، الذي وُلد عام 1934، ويُعد أشهر قارئ لتعبيرات الوجوه في العالم، وأصدر دراسات عدة، منها دليل يشرح أكثر من 5000 من حركات عضلات الوجه، ويُبين مثلاً المشاعر الخفية التي يكشفها شكل تجاعيد البشرة حول الأنف أو طريقة رفع الحاجب.

وتستعين شركات، منها «إيموتنت» و«أفكتيفا» و«إيريس»، بأبحاث الدكتور إيكمان، وخوارزميات تتولى تحليل وجوه الأشخاص والكشف عن مشاعرهم الدفينة. وتكون كلٌ منها قاعدة بيانات بصرية ضخمة من المشاعر البشرية، بهدف التوصل إلى أنماط تتنبأ باستجابات الأشخاص العاطفية وسلوكياتهم.

وقال إيكمان، الذي يشغل منصب مدير ومستشار في شركة «إيموتنت»، إنه تتنازعه القوة الممكنة لجميع هذه البيانات من جانب، والحاجة إلى التأكد من استخدامها بشكل مسؤول دون انتهاك الخصوصية الشخصية من جانب آخر.

وحتى الآن، جرى استخدام تقنية الكشف عن المشاعر في أبحاث التسويق، ومثلاً يُمكن لبرمجية شركة «إيموتنت» تمييز المشاعر بمقارنتها بقاعدة بيانات عن التعبيرات الدقيقة للوجوه التي تحدث خلال جزء من الثانية. وتعاونت الشركة، التي تتخذ من مدينة سان دييغو الأميركية مقراً لها، مع شركتَي «هوندا موتور» و«بروكتر آند جامبل» للحكم على مشاعر الأشخاص أثناء تجربتهم المنتجات. وتُوفر «أفكتيفا»، في ولاية ماساتشوستس، برمجية لتمييز المشاعر، واستخدمت الشركة كاميرات «الويب» لمتابعة المستهلكين أثناء مشاهدتهم إعلانات شركات، منها «كوكاكولا» و«يونيليفر».

وفضلاً عن التسويق، يُمكن للتقنية أن تُفيد في مساعدة الأشخاص أو الإسهام في إنقاذ حياتهم، كوضع كاميرات لكشف شعور سائقي الشاحنات بالإرهاق، وبالتالي منعهم من النعاس أثناء القيادة أو دفعهم للتوقف، وكذلك دمج برمجيات الكشف عن المشاعر في كاميرات داخل الفصول الدراسية، لمساعدة المعلمين على التأكد من استحواذهم على كامل انتباه الطلاب.

لكن من المُحتمل أن تُثير تطبيقات أخرى مخاوف بشأن الخصوصية، وعلى سبيل المثال، يختبر أحد متاجر التجزئة دمج برمجيات في كاميرات الأمن يُمكنها مسح وجوه الأشخاص والتنبؤ بمشاعرهم أثناء دخولهم وخروجهم من أقسام المتجر. كما قالت شركة «إيريس»، التي تتخذ من مدينة ماونتن فيو في ولاية كاليفورنيا الأميركية مقراً لها، إنها باعت برمجيتها لواحدة من الوكالات الفيدرالية المعنية بتطبيق القانون بغرض استخدامها في عمليات الاستجواب.

ويرى الدكتور إيكمان، والمهتمون بالدفاع عن الخصوصية، الخطر في كشف هذه البرمجيات عن مشاعر الأشخاص دون موافقتهم، في الوقت الذي يُمكن أن يُساء تفسير المشاعر. وربما يُحاول البعض التعرف إلى احتمال كذب أزواجهم، أو تستخدمها الشرطة لقراءة مشاعر جموع من الأشخاص، أو قد يلجأ إليها أرباب العمل لمراقبة الموظفين والمُتقدمين لشغل الوظائف سراً.

وقال الدكتور إيكمان عن دليله، الذي يحمل اسم «نظام ترميز حركة الوجه»: «لا يُمكنني التحكم في الاستخدام»، مشيراً إلى أن ما يُمكنه التأكد منه فقط هو تقديم تصوير دقيق عندما يخفي شخص ما مشاعره.

ووفقاً لتحليل الدكتور إيكمان، فلا يُمكن الاكتفاء بالحديث عن ابتسامة بسيطة أو مجرد عبوس، فيجري تقسيم حركات الوجه إلى تعبيرات أكثر دقة بينها اختلافات طفيفة، وتوجد مثلاً سبع طرق لتجعيد المرء لجبهته.

وتعتمد كلٌ من الشركات الناشئة في مجال تمييز المشاعر على خوارزميات درست تعبيرات وجوه آلاف الأشخاص. وبغرض تدريب خوارزميتها، سجلت شركة «إيموتنت» تعبيرات وجوه مجموعة متنوعة عرقياً شملت مئات الآلاف من الأشخاص المُشاركين في الأبحاث التسويقية لمتعامليها عبر الدردشة بالفيديو.

واستخلصت برمجية «إيموتنت» ما يصل إلى 90 ألفاً من نقاط البيانات من كل إطار للفيديو تراوح من أنماط مجردة للضوء إلى الحركات الطفيفة للعضلات التي صُنفت في فئات عاطفية، مثل الغضب والاشمئزاز والفرح والمُفاجأة والملل.

أما شركة «أفكتيفا» فقاست سبعة مليارات تعبير عن المشاعر من 2.4 مليون فيديو للوجوه في 80 بلداً. وقالت الشركة إن النطاق الواسع لبياناتها سمح لها باستخلاص معلومات عن الأشخاص في الثقافات والبيئات المختلفة. وتشترك الشركات المبتدئة في هدف واحد، وهو توفير برمجياتها للاستخدام في أصغر الكاميرات. وتتعاون «أفكتيفا» مع شركة «أو فو»، التي توفر خدمة دردشة عبر الفيديو للهواتف الذكية تحظى بـ100 مليون مستخدم، لتطوير تطبيق يُمكنه الكشف عن مشاعر الأشخاص خلال الدردشة بالفيديو على الأجهزة المحمولة.

وتتجه شركات أخرى إلى بحث استخدامات أخرى لتقنياتها، فيختبر أحد الباحثين في طب الأطفال في «جامعة سان دييغو» استخدام برنامج «إيموتنت» مع الأطفال الذين أجُريت لهم جراحة الزائدة الدودية، للكشف عن قدرتها على تحديد مستوى الألم الذي يشعرون به. كما تستعين شركة لتجارة التجزئة، لم يُكشف عن اسمها، بتطبيقات «إيموتنت» في كاميرات الأمن للتعرف إلى مدى شعور المتسوقين بالسعادة أثناء نظرهم للمنتجات ومغادرتهم المتجر.

وتفكر «إنريس» في تطوير تطبيقات علاجية يُمكنها الكشف عن شعور الأشخاص بالضغوط، كما لفتت الشركة إلى توقيعها اتفاقات مع هيئات اتحادية أميركية لتنفيذ القوانين. في المُقابل، أشارت شركة «إيموتنت» إلى تفضيلها عدم استخدام برمجياتها في برامج تخص الشرطة أو الأمن الفيدرالي، كما تحدثت «أفكتيفا» عن رفضها عروض تمويل من وكالات استخبارات فيدرالية.

وكما هو الحال مع العديد من التقنيات الأخرى، تُثير برمجيات الكشف عن المشاعر مختلف أنواع الأسئلة المرتبطة بالخصوصية الشخصية. واعتبرت المهتمة بالدفاع عن الخصوصية، جينغر ماكال، أنه يوجد قليل من الأشياء يُمكن اعتبارها أشد انتهاكاً من محاولة تسجيل مشاعر شخص في قاعدة بيانات.

وفي منتصف العقد الأول من القرن الـ21، درّب المُحقق السابق تشارلز ليبرمان، مُحققين في وحدة مكافحة الإرهاب في شرطة نيويورك على استخدام «نظام ترميز حركة الوجه» الخاص بالدكتور إيكمان. وقال ليبرمان إن بمقدور التكنولوجيا مُساعدة المُحققين إذا أمكنهم تحديد أوجه التضارب بين القصة التي يرويها المُشتبه فيه وتعبيرات وجهه، لكنه نبه إلى أهمية إدراك حدود التقنية، وقال: «يمكنها أن تقودك في الاتجاه الصحيح، لكنها ليست قطعية».

تويتر