توقعات بـ «معارك قضائية» وقرارات تمنع «غوغل» و«فيس بوك» من إطلاق منتجات جديدة

لا بوادر لحل الأزمة بين أوروبا وشركات التكنولوجيا الأميركية

صورة

خلال العام الماضي، واجهت شركات التكنولوجيا الأميركية مُشكلات عدة في أوروبا أعادت إلى الأذهان خلافات أعمق حول الخصوصية وحرية السوق. ولا يبدو أن العام الجديد يحمل بوادر لانفراج الأزمة، التي يُرجح أن تستمر وتشمل «معارك قضائية»، وقرارات يُمكنها أن تمنع شركات مثل «غوغل» و«فيس بوك» من إطلاق منتجات جديدة، وجمع بيانات المستخدمين، الذين أمضوا سنوات، سعياً لتحقيق مكاسب منها.

ويرجع تواصل الأزمة إلى استمرار جميع عناصرها، فلاتزال أوروبا تشهد مُعدلات بطيئة للنمو، إلى جانب انكماش الإيرادات الحكومية. ويُراقب صُناع القرار في القارة العجوز الأضرار التي ألحقتها شركات التكنولوجيا الأميركية، سواء الكبيرة أم الصاعدة، بالكثير من القطاعات التقليدية من النشر إلى سيارات الأجرة، مع الخوف من إطاحتها بالشركات المحلية الراسخة، وتهديدها عمل المشروعات المبتدئة، حسب ما كتب توم فيرلس، في تحليل نشرته صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية.

وأعرب مسؤولون أوروبيون عن قلقهم من وصول الضرر إلى مجالات رئيسة أخرى، إذ قال الرئيس التنفيذي لهيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة، أليكس تشيشولم، الشهر الماضي، إن «العمالقة الرقميون يثيرون إعصار شومبيتر في اقتصادنا»، في إشارة إلى الاقتصادي النمساوي الأميركي، جوزيف شومبيتر الذي أشاع مصطلح «الفوضى الخلاقة».

وأضاف تشيشولم أن تأثير الشركات الأميركية يُوشك على الوصول إلى قطاعات لم تمس أعمالها تقريباً من قبل، مثل التمويل والطاقة والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية.

ويُتوقع أن تشهد الأشهر المُقبلة اتخاذ «المفوضية الأوروبية»، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، إجراءات تجاه شركات التكنولوجيا الأميركية، من أهمها إعلان المفوضة الأوروبية لشؤون المنافسة، مارغريت فيستاغير، عن الخطوة التالية في التحقيق طويل الأمد المتعلق باتهام «غوغل» بمُمارسة الاحتكار.

كما تعتزم فيستاغير إغلاق ملف التحقيقات في الشؤون الضريبية لشركات، منها «أمازون» و«أبل»، بحلول يونيو المُقبل. وطالما اتهم مسؤولو الاتحاد الأوروبي شركات أميركية بجنيها أرباحاً طائلة دون أن تُسهِم بحصتها في الميزانيات العامة التي طالتها الأزمة الاقتصادية. ويُمكن أن يُسفر الحكم عن فرض ضرائب بأثر رجعي تُقدر بمئات الملايين من الدولارات.

وفي السياق ذاته، من المُقرر أن تكشف «المفوضية الأوروبية» في مايو المقبل عن خطتها لبناء سوق رقمية موحدة تشمل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يُعد محور جهودها لدفع النمو.

وصرح المُفوض الأوروبي للاقتصاد الرقمي والمجتمع، جونتر أوتينجر، بأن الخطة يُمكن أن تتضمن فرض ضرائب على شركات الإنترنت الأميركية.

وتقترب حكومات دول الاتحاد الأوروبي من إجراء مراجعة لقواعد حماية البيانات، الأمر الذي سيُسهِم في تعزيز حقوق الخصوصية على الإنترنت. وفي الوقت نفسه، تُواجه شركة «أوبر تكنولوجيز» الأميركية معارك قانونية متعددة تتعلق بخدمتها لتوفير سيارات الأجرة في بلدان أوروبية عدة، وذكر متحدث باسم «أوبر» أن الشركة تتوقع أن تعمل بعض المجالس التشريعية الرئيسة في أوروبا على تحديث قوانين النقل.

ويقف وراء العديد من هذه النزاعات قلق صناع السياسات الأوروبية من تمتع الشركات الأميركية القوية بميزة غير عادلة على منافسيها من الشركات المحلية. وأشار عضو البرلمان الأوروبي عن حزب «الخضر» اليساري الألماني، جان فيليب ألبرشت، إلى أن السبب الأساسي للقلق الأوروبي يرجع إلى إمكانية التفاف الشركات القوية من خارج القارة على القواعد، والقيام بممارسات من شأنها توجيه القضية إلى محاكم قد تُصدر أحكاماً في صالحها في ما يخص قوانين الخصوصية والضرائب.

ومما يدل على حجم التحدي الاقتصادي الذي يُواجه أوروبا أن القيمة السوقية لأربع شركات أميركية متخصصة في التكنولوجيا، وهي «أبل» و«أمازون» و«فيس بوك» و«غوغل»، والتي تبلغ 1.3 تريليون دولار تتجاوز قيمة أكبر 30 شركة ألمانية تُشكل معاً مؤشر «داكس» في بورصة فرانكفورت.

وكثيراً ما تركز رد الفعل الأوروبي على شركة «غوغل» التي تُهيمن على سوق محركات البحث في أوروبا بحصة 90%، الأمر الذي دفع البرلمان الأوروبي، في نوفمبر الماضي، لإصدار قرار يدعو لفصل محركات البحث على الإنترنت عن الخدمات التجارية الأخرى التي تُقدمها الشركات لضمان توفير فرص مُتكافئة للمُنافسة، ما قد يُهدد بفصل أعمال «غوغل» في القارة الأوروبية، على الرغم من أن القرار لا يُلزم الجهات التنفيذية في دول الاتحاد. وقال ألبرشت تعليقاً على قرار البرلمان الأوروبي تجاه «غوغل»، «نريد إتاحة الفرص لوجود مُنافسين جدد».

ولا يتعلق الخلاف الأوروبي مع شركات التكنولوجيا الأميركية بالاقتصاد وحده، بل يمتد لاختلاف القيم الحاكمة، فترفض بلدان مثل ألمانيا، التي تضغط كثيراَ لحماية خصوصية البيانات، ميل شركات «وادي السيليكون» في أميركا لوجود قدر أقل من التنظيم ودفاعها عن الإنترنت المفتوح.

ويرى خبراء أن من بين الأسباب الدافعة للنهج الأوروبي الصارم تجاه شركات التكنولوجيا، مثل «غوغل»، شكوك المسؤولين عن تنظيم المنافسة في الاتحاد الأوروبي حيال قدرة السوق على الإصلاح الذاتي. وقارن المحامي في بروكسل في شركة «بروين لايتون بايسنر» للأعمال القانونية، ديفيد أندرسون، بين الأوضاع المتباينة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.

واعتبر أندرسون أن لدى مسؤولي مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة عموماً قدراً أكبر من الثقة بالسوق الأميركية، وتوفيرها ما يكفي من الطاقة والإبداع لمواجهات الاحتكارات، في مُقابل التاريخ الطويل لأوروبا من إخفاقات السوق، والأزمات، وتباطؤ عمل الاحتكارات المملوكة للدول، وضعف المنافسين، الأمر الذي يدفع لاتباعها نهجاً يميل الى قدر كبير من التدخل في تنظيم المنافسة.

وتُثير الإجراءات الأوروبية تجاه شركات التكنولوجيا الأميركية قلق الكثير من المحللين في أسواق الأوراق المالية، وينظرون إليها باعتبارها خطراً وجودياً يُهدد شركات الإنترنت العملاقة. وفي الواقع فإن تركيز أوروبا على خصوصية البيانات قد يُقلل قدر المعلومات التي يُمكن للشركات جمعها عن المستخدمين، كما يحد من قدرتها على استخدامها في الوقت الذي تُعتبر بيانات المستخدمين المُحرك الأول لمجال الإعلانات والتجارة على الإنترنت.

 

تويتر