ترصد تغيّر ضغط «الشبكة» وتحدّد مكان التسريب فيها

أدوات استشعار ذكية تحذّر من تسرّب المياه في المدن

صورة

يتصاعد عدد سكان المناطق الحضرية باستمرار مقابل ثبات موارد المياه تقريباً في ما يتعلق بكميتها وبتوزيعها الجغرافي، الأمر الذي يجعل إدارة شبكات المياه بأمسّ الحاجة إلى أدوات تقنية جديدة تواجه ارتفاع الطلب، ويفتح مجالاً واسعاً أمام التحسين والتطوير ضمن نظم إدارة المدن الذكية.

ومن ذلك نظام لمراقبة تسريب المياه في سنغافورة صممته شركة «فيسنتي» Visenti التي خرجت من رحم «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، ويتضمن نحو 130 مستشعراً تتوزع عبر شبكة المياه في سنغافورة، لتسجيل القراءات كل ميلي/ثانية، أي ما يعادل واحداً على الألف من الثانية. ويدرس النظام ضغط المياه بسرعة تفوق سرعات الأنظمة الأخرى التي تُسجل العينات كل بضع دقائق.

وفي حال وجود تسريب في أنابيب المياه، فإن ضغط المياه يتغير في مختلف أرجاء الشبكة، وبالتالي تلتقط مستشعرات «فيسنتي» التغيير في العديد من النقاط، لتُرسل البيانات إلى مخدم مركزي لتحديد مصدر التسرب. ومثلاً اكتشف تسرّب رئيس للمياه أسفل وسط سنغافورة خلال مايو الماضي، وفي جزيرة تُعاني شح الموارد المائية ربما يمثل وجود تسرب غير مُكتشف كارثة تدمر البنية التحتية، مثل قطارات الأنفاق وشبكات الصرف الصحي، وربما يظهر تأثيره على سطح الأرض قبل أن يتمكن أحد من ملاحظته.

لكن بفضل النظام الجديد، أمكن لشبكة تتألف من أدوات الاستشعار اكتشاف التراجع المفاجئ في ضغط المياه، وتتبّع مكانه، وإرسال فريق من المهندسين إلى الموقع لإصلاحه قبل اتساع نطاق الأضرار. وحسب أحد مؤسسي الشركة، أمي بريس، فعادة ما يتفوق النظام على المهندسين في تحديد ما يجري في الواقع بدقة، ويصنف التسرب باعتباره كبيراً، في حين يقول المهندسون بعد وصولهم للموقع إنه ليس بهذا الحجم الضخم، لكن من خلال الحفر يتبين لهم الحجم الحقيقي للتسريب.

واعتبر مدير معهد المياه في المناطق الحضرية التابع لجامعة «تكساس» في أرلينغتون، جان بيير بارديه، أن سنغافورة تتقدم في مجال إدارة توزيع المياه، وهو ما يرجع لكونها جزيرة لا تتمتع بالكثير من الموارد المائية، ما يحتم عليها الإبداع في إدارة مواردها المحدودة.

وتنتقل حالياً تقنية مستشعرات المياه التي توفرها شركة «فيسنتي» من سنغافورة إلى مدن أخرى في آسيا وأستراليا، منها هونغ كونغ وملبورن، كما تجمع «فيسنتي» بيانات من مدينة سيدني الأسترالية كجزء من خطة لمد التقنية إليها لاحقاً.

وعموماً تنتظر شبكات المياه الكثير من التحسين، فعلى سبيل المثال يرجع تاريخ تركيب العديد من أنابيب المياه في الولايات المتحدة الأميركية إلى منتصف القرن التاسع عشر. وسربت أنابيب المياه في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا ثلث ما حملته من مياه في عام 2009، وبلغت نسبة التسريب في مدينة كليفلاند في أوهايو 29%.

وتواجه أغلب دول العالم وضعاً يجبرها على التعامل مع موارد مائية محدودة، ما يجعل ضعف البنية التحتية سبباً لخسائر جمة، مع بعض الاستثناءات، مثل أيرلندا التي تتمتع بفائض في مصادر المياه العذبة قد يُفسر احتمالها خسارة 350 ميلليمتراً في مُقابل كل لتر يدخل إلى شبكة المياه.

ويُمكن لتقنية كالتي توفرها «فيسنتي» المحافظة على المياه وتوفير الطاقة اللازمة لضخها. وإلى جانب متابعة تسرب المياه، تُوفر الشركة أدوات استشعار لقياس الحموضة ودرجة الحرارة والتوصيل الكهربائي، وغيرها من الخصائص التي يمكن الاستعانة بها لاكتشاف تلوث المياه.

وفي الواقع، تتضمن أغلب أنظمة المياه في المناطق الحضرية أدوات للمتابعة مع وجود المياه ضمن شبكة التوزيع، لكن لا يقوم أيٌ منها تقريباً بالمتابعة مع وصولها إلى المستهلكين. وقال بارديه إن المراقبة عبر شبكة المياه يُمكن أن تضمن للمستهلكين أن المياه التي يحصلون عليها آمنة وصالحة للشرب، الأمر الذي تزيد أهميته بعدما صارت إعادة تدوير مياه الصرف جزءاً أساسياً من إمدادات المياه في المدن الكبيرة والمتنامية.

وحسب بارديه، فليس بمقدور أغلب أجزاء العالم توفير نظام للمياه يُعادل كفاءة النظام العامل في سنغافورة، نظراً لقدم البنى التحتية المستخدمة، وصعوبة تطبيق الأنظمة الجديدة بالاعتماد على أنابيب قديمة.

وأضاف بارديه أن الدول المتقدمة أنفقت أموالاً طائلة على تركيب أنابيب المياه، وعادةً قبل فترة تتجاوز 100 عام، لكن لا تُخصص موارد مماثلة للحفاظ على هذه البُنى التحتية. واعتبر مهندس المياه في «معهد روتشستر للتكنولوجيا» في نيويورك، إريك ويليامز، أن توافر المياه بكلفة رخيصة أحد أكبر التحديات التي تُواجه نظم توزيع المياه في الولايات المتحدة، إذ لا يتوافر حافز اقتصادي يحث المستهلكين على الاهتمام بالقدر الذي يستخدمونه من المياه. لكن ليس بالضرورة أن يعتمد توفير ومتابعة المياه على نظم ذات تكنولوجيا فائقة. وعلى سبيل المثال لجأت مدينة لاس فيغاس في صحراء نيفادا الأميركية، التي تتوافر على موارد مائية محدودة، إلى نظام يُعيد تدوير كل المياه المستخدمة في المنازل تقريباً.

ويبدأ بجمع مياه الصرف ومعالجتها، ثم ضخها إلى برك أنُشئت خصيصاً لهذا الغرض تعمل كمصافٍ طبيعية ضخمة، وتُعرف باسم «لاس فيغاس ووش» Las Vegas Wash، قبل أن تفرغ المياه إلى بحيرة ميد، لتحصل المدينة على مياه البحيرة مرة أخرى، وتُعالجها قبل ضخها إلى المنازل والشركات، وهكذا تتواصل دورة توزيع المياه.

وقال برونسون ماك، من «منطقة المياه في لاس فيغاس»، إن المدينة نجحت منذ عام 2002 في خفض استهلاك المياه بمقدار 123 مليار لتر، ومع ذلك ارتفع عدد السكان إلى 480 ألف شخص.

وأخيراً، بدأ بارديه تطبيق مبادئ انتشار الأوبئة على نظم أنابيب المياه في المدن الرئيسة في العالم المتقدم، وتبين له انتشار الإخفاقات بالطريقة نفسها التي تتفشى بها الأمراض. وأشار إلى سلسلة انفجارات متتالية في أنابيب المياه في مدينة لوس أنجلوس في عام 2009 بعد فترة طويلة من الحرص.

وقال بارديه إنه بمجرد وقوع اختلال مفاجئ في شبكة المياه، بدأت المشكلات بالظهور في أنحاء متفرقة منها، كواحدة تسببت في تسرب ملايين اللترات من المياه إلى حرم جامعة كاليفورنيا، وغمرت السيارات. وأضاف «لم يتمكنوا من العثور على صمام لإغلاق الأنبوب»، وتساءل عما إذا كان من الصواب إطلاق صفة الذكاء على نظام تستغرق فيه إشارة التحذير ساعات عدة، قائلاً: «كان باستطاعتهم توفير الكثير من المياه والكثير من الخسارة الاقتصادية إذا أمكنهم تغيير مسار المياه داخل المنظومة بسرعة».

تويتر