شركات تلجأ إلى أسلوب الكتابة والمدونات الشخصية ومواقع التواصل لتحليل سمات المرشحين لوظائفها

تحليلات البيانات الضخمة سبيل جديد لاختيار الموظفين الجدد

صورة

ربما لا تُمثل السيرة الذاتية الجيدة والخبرات السابقة ثم اجتياز المقابلة الشخصية، الأسباب الوحيدة لنجاح المرء في الحصول على وظيفة، فيلجأ مسؤولو التوظيف، مثل حال مجالات أخرى، إلى تحليلات البيانات الضخمة، والبحث في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الأساليب الجديدة، لاختيار أنسب المتقدمين للوظائف.

ويحاول مديرو الموارد البشرية والشركات إضفاء صبغة أكثر علمية وكفاءة على عمليتيّ التوظيف والفصل، مع ما يحيط بهما من مشكلات وصعوبات في اتخاذ القرارات الملائمة. وقد يعني ذلك بالنسبة للباحثين عن عمل، ضرورة الاعتناء ببياناتهم على الإنترنت، بالقدر نفسه تقريباً الذي يعطونه لتطوير مهاراتهم وإعداد سير ذاتية دقيقة، بحسب ما تضمن تقرير نشره موقع «بي بي سي».

 

ثقافة الشركات

ويعكس السعي للتغيير، ما تُواجهه معظم الشركات من مشكلات في العثور على موظفين جدد مُلائمين، فبحسب دراسة شملت 20 ألف تعيين جديد، أخفق 48% من الموظفين في غضون 18 شهراً.

وفي ظل اعتراف مديري التوظيف بفشلهم عادةً في اختيار أفضل المتقدمين، انتهت الدراسة إلى أن الإخفاق لا يرجع إلى نقص المهارات سوى في 11% من الحالات، بينما يتسبب فيه تعارض شخصيات الموظفين وسلوكياتهم مع ثقافة الشركات في 89% منها، فالسير الذاتية والاختبارات لا تُبين في كثيرٍ من الأحيان مدى استعداد الموظف للتعاون مع زملائه، ومهاراته في التفكير الإبداعي ونحو ذلك.

وضمن استعانة الشركات بالتقنيات الجديدة، ومع ما يسرته شبكة الإنترنت من التوفيق بين المتقدمين للوظائف وفرص العمل، لا تقتصر الشركات على البحث في الكلمات الرئيسة لإيجاد المرشحين المناسبين، إذ تحاول الاستفادة من تحليلات أكثر تطوراً.

وعلى سبيل المثال، لا تهتم شركة «إلكترونيك إنسايت» Electronic Insight المتخصصة في تكنولوجيا التوظيف، بدراسة المهارات والخبرات التي يُدرجها المتقدمون للوظائف، وبدلاً من ذلك تهتم بأسلوب بناء عباراتهم. وقال الرئيس التنفيذي للابتكار في الشركة، مارك مابيس: «ننظر فقط إلى ما كتبه الأشخاص، وكيف نظموا عباراتهم».

وتُحلل خوارزميات «إلكترونيك إنسايت» أنماط اللغة، للكشف عن السمات الشخصية لطالبي الوظائف وسلوكياتهم، ومن ثم تُقارنها بالثقافة السائدة في الشركة. وأكد مابيس أن السبب في فصل الموظفين في 84% من الحالات يرجع إلى غياب التلائم الثقافي بين الطرفين، وليس بسبب الافتقار إلى المهارات العملية.

 

دمج الألعاب

وتتجه محاولات أخرى إلى دمج الألعاب في مجال العمل والاستفادة من أساليبها، فيما يُشار إليه باسم Gamification، ومنها شركة «كناك» الناشئة Knack التي تُطور ألعاباً، وسيلة لتقييم مدى ملاءمة المرشحين لشغل الوظائف، وذلك من خلال ألعاب صُممت للكشف عن شخصيات اللاعبين ومهاراتهم في حل المشكلات ومدى نضجهم العاطفي. وأثناء اللعب، يجري جمع الكثير من البيانات ليتم تحليلها، إذ تتطلب لعبة «واسيب ويتر» Wasabi Waiter، مثلاً، من اللاعبين خدمة متعاملين في مطعم، وتقييم حالتهم المزاجية ورغباتهم، ليكشف كل قرار واختيار يتخذه اللاعب، جانباً من سمات شخصيته دون وعيٍ منه. وتقول شركة «كناك» إن «اللعب يُمكنه كشف شخصيتنا الحقيقية».

وفي إشارة إلى مزايا الاستعانة بتقنيات الألعاب في التوظيف، قال المدير الإداري لشركة «كونيتك» Konetic لحلول التوظيف على الإنترنت، بول فيتش: «يُمكن للألعاب أن تُبين ما إذا كان الشخص يُقبل على المخاطرة، أو مُبتكراً، كما تٌناسب ثقافة اللعب الشباب».

ومع ذلك، يرى كثيرٌ من المتخصصين بالتوظيف، أن الطرق المُبتكرة لاختبار شخصيات المتقدمين للوظائف تُكمل دون أن تُغني تماماً عن تحليلات البيانات الضخمة، فيستفيد أرباب العمل من تحليل البيانات القديمة لعشرات الملايين من طالبي العمل، سواءً تم قبولهم أم لا، في التنبؤ بالأفضل من بين المرشحين الجدد للوظائف من خلال مقارنة بياناتهم بالمسارات المهنية والسمات الشخصية ومؤهلات موظفين ناجحين في السابق.

وقال المدير الإداري لشركة «إكسبريس» Experis لاستشارات التوظيف: «نستطيع الآن استخدام بياناتنا الخاصة لمتابعة المدة التي أمضاها المرشحون في وظيفة قبل بحثهم عن فرص جديدة، كما يُمكننا أيضاً تخطيط وتوقع المسارات المهنية النموذجية استناداً إلى التاريخ المهني للمرشحين الآخرين، ما يرفع كفاءتنا وقدرتنا على مساعدة المرشحين للوظائف بشأن طموحاتهم المهنية في المستقبل».

 

توفير الوقت والمال

ويُوافق بن هوت، الرئيس التنفيذي لموقع «تالنت بارتي» Talent Party المعني بعرض وظائف في المملكة المتحدة وأستراليا، على أن علوم البيانات تُوفر للعاملين بالتوظيف الكثير من الوقت والمال.

وقال هوت، الذي تهدف شركته إلى أن تصبح بمثابة موقع «غوغل» للبحث عن الوظائف: «لدينا 10 ملايين سيرة ذاتية لمرشحين في قاعدة بياناتنا، وباستخدام التحليل الدلالي الآلي، يُمكننا التوفيق بين المرشحين المناسبين والوظائف الملائمة بسرعة وكفاءة، الأمر الذي يُوفر لمديري الموارد البشرية كثيراً من الوقت».

ولفت أحد مُؤسسي موقع التوظيف «جوب آند تالنت» Job and Talent، خوان أوردياليس، إلى دور خوارزميات التعلم الآلي في جعل عملية الجمع بين المرشحين الملائمين والوظائف المتوافقة معهم أكثر دقة بكثير، قائلاً: «نُحلل شهرياً ما يزيد على 2.5 مليون ملف شخصي، وأكثر من 2.5 مليون عرض وظيفي، ونعلم أي الوظائف ينقر عليها طالبو العمل، وأيها يرفضون، ونحسن عملية البحث استناداً إلى تلك البيانات».

مهارات وخبرات

وفي الواقع، يُثير تحليل هذا القدر الكبير من البيانات تساؤلات بشأن التصورات القائمة عن المهارات والخبرات التي ينبغي توافرها في المرشحين لشغل منصب أو وظيفة معينة. ومثلاً توصلت شركة «إيفولف» Evolv لتحليلات البيانات الضخمة إلى أن أداء الأشخاص الذين أمضوا فترات طويلة عاطلين عن العمل لم يكن أسوأ من زملائهم الذين انخرطوا في عمل أكثر انتظاماً. كما وجدت الشركة، التي تتخذ من مدينة سان فرانسيسكو الأميركية مقراً لها، أن الخبرات التي يكتسبها الأشخاص من أعمالهم السابقة والتعليم لا تُعد بالضرورة مؤشراً إلى الأداء الجيد في بعض الوظائف. وتوصلت «إيفولف» إلى أنه لسببٍ ما تبين أن العاملين في قطاع الخدمات ممن يستخدمون أسبوعياً خمس منصات للإعلام الاجتماعي على الأقل، أكثر إنتاجية، وفي الوقت نفسه أقل ولاءً مقارنةً بزملائهم الأقل إقبالاً على منصات الإعلام الرقمي. وإضافة إلى ما يستفيده المتخصصون بالتوظيف من تحليل البيانات التاريخية، فإنهم ينهلون من مصدرٍ آخر ثري بما يُوفره من بيانات الوقت الحقيقي، فتكشف مُدونات الأشخاص ومواقعهم وتغريداتهم في موقع التدوين المُصغر «تويتر» وحساباتهم في «لينكد إن»، الشبكة الاجتماعية المُخصصة للمهنيين، قدراً من المعلومات يُساوي إن لم يتجاوز ما تقوله السير الذاتية شبه المثالية. ويُحذر جيف سميث من شركة «إكسبريس» من انتهاء عهد الفصل بين المعلومات الشخصية والمهنية. وقال: «يُمثل الإعلام الاجتماعي منصةً رائعة للأفراد لعرض مهارتهم وخبرتهم وحماسهم لمجال تخصصهم، ومع ذلك فإن المرشحين للوظائف بحاجة إلى الوعي بشأن سمعتهم على الإنترنت التي يبنونها، وأثر البيانات التي يُخلفونها وراءهم». ويتزايد عدد شركات التكنولوجيا التي تُتيح أدوات البحث وسط البيانات الضخمة لمواقع الإعلام الاجتماعي، والتعرف من خلالها إلى أنماط السلوك والمشاعر. وقال سميث إن أدوات على الإنترنت مثل «سبروت سوشيال»Sprout Social و«هوتسوت» Hootsuite تتيح للمتخصصين بالتوظيف، الانتباه لما يجري في الواقع، وتقدم إشارات عن مستقبل عملائهم والمرشحين للوظائف والقطاعات التي يهتمون بها.

 

تويتر