وضع المواقع الإخبارية في قسم «خلاصات الأخبار» يؤثر في مكانتها صعوداً وهبوطاً

«فيس بوك» يُغيّر طريقة تعامل مستخدميه للصحافة

صورة

يقترب موقع «فيس بوك» بالنسبة لصناعة الأخبار من بلوغ المكانة التي يحظى بها موقع «أمازون» في مجال نشر الكتب، كمنصة كبيرة يُمكنها الوصول إلى مئات الملايين من المستخدمين؛ وبحسب دراسة لمركز «بيو» للأبحاث، يحصل نحو 30% من البالغين في الولايات المتحدة على الأخبار عبر «فيس بوك».

ويعني ذلك أن وضع أي موقع إخباري في قسم «خلاصات الأخبار» أو «نيوز فيد» في «فيس بوك» يُؤثر في مكانته صعوداً أو هبوطاً؛ ونال هذا القسم، الذي يعرض التحديثات الرئيسة والقصص الإخبارية والصور ومقاطع الفيديو للمستخدمين، دوراً أساسياً في مجال عمل الأخبار والمؤسسات الإعلامية، حسبما تناول تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية.

ووفقاً لبيانات شركة «سمبل ريتش» SimpleReach للتحليلات، فإن نسبة 20% من زوار المواقع الإخبارية تأتي من موقع «فيس بوك»، وترتفع هذه النسبة على الأجهزة المحمولة، كما تواصل نموها.

وفعلياً يحظى «فيس بوك» بخمس سكان العالم، أي نحو 1.3 مليار مستخدم، يُسجلون الدخول إلى الشبكة الاجتماعية ما لا يقل عن مرة واحدة شهرياً.

وعلى الرغم من تأثير خدمات أخرى مثل «تويتر» و«غوغل نيوز» في مجال الأخبار، إلا أن «فيس بوك» يأتي في الطليعة لإحداث تغيير جوهري في كيفية تعامل الناس مع الصحافة واستهلاكهم لها.

وفي الوقت الحاضر، لا يصل معظم القراء إلى المواقع الإخبارية عبر النسخ المطبوعة من الصحف والمجلات أو الصفحات الرئيسة للمواقع، وإنما من خلال خدمات الإعلام الاجتماعي ومحركات البحث التي تخضع لخوارزميات أو صيغ رياضية تتنبأ بالموضوعات التي يرغب المستخدمون في قراءتها.

وفي هذا السياق، اعتبرت كبيرة محرري الأخبار الرقمية في صحيفة «ذا واشنطن بوست» الأميركية، كوري هايك، هذا التحول «تفكيكاً كبيراً» للصحافة.

وقالت إن المستخدمين لن يكتبوا مجدداً عنوان موقع الصحيفة، وإنما سيصلون عبر البحث والشبكات الاجتماعية.

وعلى غرار تحول الموسيقى سابقاً من بيع ألبومات غنائية إلى بيع أغنيات منفردة بشكلٍ فوري عبر الإنترنت، يصل الناشرون إلى القراء حالياً عبر مقالات منفردة، عوضاً عن النسخ الكاملة من الصحف والمجلات في السابق.

وقال المؤسس المشارك في شركة «سمبل ريتش»، إدوارد كيم، إن «الصفحة الرئيسة لإحدى الإصدارات ستكون قريباً بأهمية إعلان للعلامة التجارية أكثر منها وجهة يقصدها القراء».

ويرى المديرون التنفيذيون في «فيس بوك» أن علاقة الموقع بالناشرين تُحقق منافع متبادلة للطرفين؛ فحين يُروج الناشرون لمحتواهم في «فيس بوك»، يكون لدى مستخدميه محتوى جذاب للقراءة والنقاش، وفي الوقت نفسه يحصل الناشرون على مزيدٍ من القراء لمواقعهم وإصدارتهم.

ووفقاً لما قال الأستاذ المساعد في جامعة «واشنطن»، المهتم بدراسة التداخل بين التكنولوجيا والسلوك، شون مونسون، فإن «شركات الإعلام الاجتماعي، مثل (تويتر) و(فيس بوك) و(لينكد إن)، تسعى إلى قضاء المستخدمين مزيداً من الوقت في تنفيذ المزيد من الأنشطة مع خدماتها، وهو المفهوم المعروف بالاندماج أو التفاعل».

ويقول المسؤولون في موقع «فيس بوك» إنه كلما أمضى المستخدمون وقتاً أكثر في الموقع، فسيحدث على الأرجح تبادل قوي لوجهات نظر وأفكار متنوعة تجري مشاركتها على الإنترنت؛ وفي الوقت ذاته، يتخوف آخرون من أن يقود ذلك إلى إنشاء المستخدمين دوائر وغرف لا يسمعون فيها سوى صدى أصواتهم، ويستبعدون أي محتوى لا يتفقون معه.

وبالنسبة لموقع الأخبار والترفيه «بَزفيد» BuzzFeed، الذي نشأ أصلاً في العالم الرقمي، فقال رئيس تحرير الموقع، بن سميث، إن لديه قاعدةً بسيطة في التحرير وإعداد التقارير تقول «لا لاستخدام المرشحات».

وأوضح سميث أن لدى المؤسسات الإخبارية التي تُواصل تقديم نسخ مطبوعة، ما وصفه بالفتحات أو الفراغات؛ فلديها فراغات فيزيائية في الورق، وأخرى افتراضية في الصفحات الرئيسة لمواقعها، وهو ما يؤدي إلى نشر قصص لا تكون بالضرورة الأكثر إثارة للاهتمام أو الأكثر ملاءمة للوقت، لكنها مطلوبة لسد المساحات الخالية.

وأرجع عدم تشجيع «بَزفيد» لعملية «ملء الفراغات» إلى أنه لم يُركز على الصفحة الرئيسة مع انطلاقته للمرة الأولى.

ولفت إدوارد كيم إلى نصيحته للمؤسسات الإعلامية القائمة بخطورة البدء بملاحقة النجاح في مواقع الإعلام الاجتماعي، لأن ذلك سينتهي إلى تشابههم مع الجميع، وخسارتهم لما يُميزهم.

وأضاف أن «السؤال الذي يتوجب على الناشرين الأقدم، الذين لم ينشأوا أصلاً في العالم الرقمي، طرحه هو ما إذا كانوا يُقدمون المحتوى بالطريقة التي يُستهلك بها في هذه البيئة».

وفي محاولة لتوفيق المحتوى مع الإنترنت والطرق الجديدة لتلقي الأخبار، تقود كوري هايك فريقاً من العاملين في صحيفة «ذا واشنطن بوست»، بدأ هذا العام بالعمل على توفير صيغ مختلفة من المواد الصحافية للمستخدمين المختلفين، استناداً إلى معلومات عن كيفية وصولهم للمقال، والجهاز الذي يستخدمونه في القراءة، وفي حال كان هاتفاً يُؤخذ في الحسبان الطريقة التي يمسكون بها الجهاز.

وتُوجه «واشنطون بوست» وقتاً وجهداً لهذه الأهداف؛ لأنها بحسب هايك «تتعلق في نهاية المطاف بدعم عملنا وزيادة جمهورنا»، مضيفة أن «ما يزيد على نصف القراء عبر الأجهزة المحمولة ينتمون إلى ما يُطلق عليه (جيل الألفية)، المولود بين بداية الثمانينات من القرن العشرين ومطلع العقد الأول من القرن الـ21، ويستهلك هذا الجيل الأخبار في شكلها الرقمي، وبشكلٍ كبير من خلال مواقع الإعلام الاجتماعي مثل (فيس بوك)».

وتسعى إصدارات أخرى إلى إيجاد هامش للربح من خلال منهج مُغاير مثل موقع «ذا براوزر» The Browser، الذي يُحرره الصحافي السابق في كلٍ من «فاينينشال تايمز» و«ذا إيكونوميست»، روبرت كوتريل؛ إذ إنه في كل يوم، يقرأ كوتريل سريعاً نحو 1000 مقال لينشر منها خمسة أو ستة يراها مُثيرةً للاهتمام، لتصل إلى نحو 7000 مشترك، يدفع كلٌ منهم 20 دولاراً سنوياً.

وشمل أحد اختيارات كوتريل الأخيرة دراسة عن الفلاسفة العظماء في الشرق، ومقالاً تناول حياة البنائين الأميركيين في مطلع القرن الـ20. وأوضح كوتريل أن الفكرة العامة تكمن في تقديم عدد قليل من المقالات يرونها ممتعة ودائمة القيمة، وقال: «نحن بالتأكيد في الطرف الآخر المُقابل للخوارزميات». وأفاد بأنه «يُمكن للذكاء الاصطناعي تولي المهمة مستقبلاً، لكن في الوقت الراهن يجري الاعتماد على المعلومات التي تُجمع عبر الإنترنت، وهي بيانات فقيرة جداً حال مقارنتها بالإنسان». ويتفق قائد الفريق المسؤول عن تصميم التعليمات البرمجية التي تتحكم في قسم «خلاصات الأخبار» في «فيس بوك»، المهندس كريغ مارا، مع هذا الرأي، معتبراً أن وجود محرر بشري لكل شخص سيكون مثالياً، لكنه ليس من الواقعي تنفيذ ذلك على مستوى كل شخص على سطح الكوكب، مُضيفاً: «لذلك أعتقد أنه سيكون لدينا دوماً هذه النظم الهجينة مثل (خلاصات الأخبار) التي تُساعدك على العثور على الأشياء التي تهتم بها»، ووصفها مارا: «إنها ببساطة، جريدة شخصية».

 

 

تويتر