دراسة: البلاد المشجعة على المعرفة الرقمية قد تشهد تراجع الإصابة بالخرف

خلاف حول التأثيرات السلبية والإيجابية للإنترنت

صورة

كثيراً ما يُلقى باللائمة على شبكة الإنترنت في التسبب في تشتيت المستخدمين، وتسطيح تفكيرهم، وخداعهم في بعض الأحيان، لكن تبقى هذه الاتهامات وغيرها محل جدل، في ضوء آراء مختلفة، ودراسات متباينة النتائج حول تأثير الإنترنت في طريقة تفكير مستخدميه، وعلاقاتهم الاجتماعية وعاداتهم.

ووفقاً لما تضمنه مقال كتبته آنا نورث، في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أخيراً، فإن دراسة حديثة تشير إلى أن استخدام الإنترنت قد يكون صحياً لبعض الأشخاص. وحللت الدراسة التي نُشرت في «دوريات علم الشيخوخة»، بيانات 4642 شخصاً، راوحت أعمارهم بين 50 و89 عاماً، وعلى مدى ثمانية أعوام سئل المشاركون مرات عدة عن استخدامهم للبريد الإلكتروني والإنترنت، وخاضوا اختباراً لتذكر الكلمات بهدف قياس ذاكرتهم.

وحسب النتائج، كان أداء الأشخاص الذين لم يستخدموا الإنترنت أو البريد الإلكتروني أسوأ في الاختبارات، في حين تحسن واقعياً أداء أولئك الذين استخدموا الإنترنت، وذلك مع حساب الباحثين لعوامل أخرى، مثل العمر، والحالة الاجتماعية والاقتصادية.

وتنطبق النتيجة على المشاركين، الذين عانوا انخفاضاً نسبياً في وظائفهم المعرفية مع بداية الدراسة، ما يعني أنهم ربما مروا بمشكلات ترتبط بالسن، وتحسن أداؤهم في اختبارات التذكر مع استخدامهم للإنترنت، مقارنة بحالتهم إذا لم يكونوا من مستخدميه.

ووصف المؤلفون البحث بأنه «الدراسة الرئيسة الأولى، التي تظهر أن تعلم المرء رقمياً يمكن أن يُحسن ذاكرته»، وأن «البلاد التي تشجع المعرفة الرقمية ربما تشهد تراجع معدلات الإصابة بالخرف، خلال العقود المقبلة».

وقال أحد مؤلفي الدراسة، أندريه كزافييه، إن استخدام الإنترنت والبريد الإلكتروني قد يكون مفيداً، نظراً إلى حاجة أدمغتنا إلى تعلم أشياء جديدة، والتفاعل مع العقول الأخرى. وأضاف «قد يكون استخدام الإنترنت إحدى الطرق، للحفاظ على الروابط، وإنشاء أخرى جديدة». وأشار كزافييه إلى أن الثقافة الرقمية تتعلق بالتواصل، والآفاق الجديدة، والاندماج، وإضفاء الطابع الإنساني، ما يدفع الأفراد مجدداً إلى العودة كجزء فعال في المجتمع.

وفي الواقع، قد تمثل التقارير التي تدافع عن إيجابيات شبكة الإنترنت للأشخاص، من ناحية أو أخرى، مفاجأة بسبب التحذيرات المتكررة من أضرارها.

وخرج أحد أشهر التحذيرات من الكاتب الأميركي المهتم بالتقنية، نيكولاس كار، كالذي كتبه في مقال حمل عنوان «هل يجعلنا (غوغل) أغبياء؟»، نشر عام 2008 كموضوع الغلاف لمجلة «أتلانتيك» الأميركية.

وأورد كار في مقاله تغييرات لاحظها في عاداته العقلية الخاصة، ومما كتبه «يتوقع ذهني الآن تلقي المعلومات بالطريقة نفسها التي تُوفرها شبكة الإنترنت، كتيار من الجزيئات سريعة الحركة. سابقاً، كنت أغوص في بحر من الكلمات، والآن أمضي سريعاً على السطح».

وأبدى كار قلقه من تغيير الإنترنت، ليس فقط لتفكيرنا وعادات القراءة، لكن أيضاً لذواتنا، وكان كتب في عام 2001، إنه «مع جميع ما كتب حول الشبكة، يوجد القليل من الاهتمام بالكيفية التي تعيد برمجتنا بها». لكن هذه النقطة ربما لم تعد صحيحة، بالنظر إلى انتشار الدراسات والاستقصاءات حول تأثير الإنترنت في الوظائف العقلية.

ومن ذلك ما كتبه مايكل روزنوالد، في صحيفة «واشنطون بوست» الأميركية، وتناول بحثاً جديداً تناول استخدام الإنترنت والقراءة، وقال فيه إن الانتشار الواسع للكثير من المعلومات، ونصوص الارتباط التشعبي، ووجود الفيديو والميزات التفاعلية، تجعل أدمغتنا تكون روابط مختصرة للتعامل مع ذلك كله، وتألف أسلوب المسح، والنظر سريعاً لأعلى وأسفل، والبحث عن كلمات رئيسة.

ونقل روزنوالد، عن عالمة الأعصاب والباحثة في القراءة، ماريان وولف، إشارتها إلى ملاحظتها هذه التأثيرات في نفسها، بعد يوم من الاستخدام المكثف للإنترنت. وقالت وولف «لم أتمكن من إجبار نفسي على التمهل حتى لا أقرأ سريعاً، ودون كثير من الحرص أنتقي الكلمات الرئيسة، وأنظم حركات عيني للحصول على أغلب المعلومات بأقصى سرعة».

وربما يكون هذا ما أكده الكاتب مايكل هاريس، في كتابه الجديد «نهاية الغياب.. استعادة ما فقدناه في عالم من الاتصال المستمر»، فتحدث أنه ربما يكون أسلوب التفكير الأبطأ في سبيله للفناء، وأن العقول الشابة قد تكون أكثر استعداداً للتعامل مع الحقيقة الرقمية أكثر من الواقع المحتم الأقل بريقاً.

وكتب هاريس «ربما نكون في سبيلنا لنصبح خدماً لتطور تقنياتنا الخاصة، تتحول القوة سريعاً من انطلاقها عن المقصد الإنساني إلى امتصاص إرادة الإنسان، من قبل تكنولوجيا يبدو أن لها مقاصدها الخاصة».

لكن البعض يرى استخدام الإنترنت نعمة ونقمة في الوقت ذاته، وكتب عالما النفس دانيال واجنر وأدريان وارد، في مجلة «ساينتيفك أميركان»، عن دراسة شاركا فيها، وبينت نتائجها أن الأشخاص الذين استخدموا الحاسوب لحفظ حقائق كانوا أسوأ في ما يتعلق بالقدرة على تذكرها.

وأشارت نتائج دراسة أخرى إلى أن الأشخاص الذين سُمح لهم باستخدام الإنترنت، للإجابة عن أسلة تافهة شعروا بأنهم أكثر ذكاء من الأشخاص الذين توجب عليهم الإجابة دون أي مساعدة خارجية. واعتبر واجنر ووارد أن استخدام «غوغل» يوفر للشخص شعوراً بأن الإنترنت صارت جزءاً من أدواته المعرفية.

وأضافا أنه «يبدو أن عصر المعلومات أنشأ جيلاً من الأشخاص يشعرون بأنهم يعرفون أكثر من أي وقت مضى، في حين أن اعتمادهم على الإنترنت يعني أنهم ربما يعرفون أقل من أي وقت عن العالم المحيط بهم».

ومع ذلك، خلص واجنر ووارد إلى أنه «مع طمس التقدم في الحوسبة، ونقل البيانات الخطوط الفاصلة بين العقل والآلة، ربما نتخطى بعض القيود على الذاكرة والتفكير التي تُسببها أوجه القصور في الإدراك البشري، لكن هذا التحول لا يعني أننا عرضة لخطر فقدان هويتنا، نحن ببساطة ندمج النفس مع شيء أعظم لنُشكل شراكة تبادلية ليس فقط مع الأشخاص الآخرين، لكن أيضاً مع مصدر للمعلومات أكثر قوة مما شهده العالم من قبل».

من جهتها، تعتقد ماريانا وولف بوجود منافع لاستخدام الإنترنت، وحسب ما ذكرت لروزنوالد، «ينبغي أن نقرأ للأطفال من الكتب، ونعطيهم المادة المطبوعة، ونساعدهم على تعلم هذا النمط الأبطأ، وفي الوقت نفسه نزيد بشكل مطرد من استغراقهم في العصر الرقمي».

 

تويتر