بفضل أدوات جديدة سمحت بمعرفة الكثير عن المستهلكين ووجّهت الإعلانات حسب اهتماماتهم

التكنولوجيا تغيّر صناعة الإعلانات جذرياً

صورة

أحدثت التكنولوجيا تغييرات عميقة في مجال الإعلانات طالت آثارها كلاً من المستهلكين والشركات، ويرجع ذلك أساساً إلى الأدوات الجديدة التي سمحت بمعرفة الكثير عن المستهلكين، وتوجيه الإعلانات إليهم حسب اهتماماتهم ومرحلتهم العمرية، وغيرها من العوامل.

ولم تعد صناعة الإعلان تكتفي بإبداع إعلان جيد ونشره في الوسيلة الإعلامية الملائمة للجمهور، ثم الانتظار على أمل أن يراه المستهلكون وينجح في جذب انتباههم، وربما إقناعهم مع الوقت بشراء سلعة أو خدمة، إذ يمكن للشركات حالياً تكوين ملفات شخصية عن سلوكيات المستهلكين المحتملين من مستخدمي الإنترنت، وتوجيه رسائلها إليهم استناداً إلى موقعهم الجغرافي، ومجالات اهتمامهم، وتاريخ تصفحهم للإنترنت، وسماتهم الديموغرافية، بحسب ما تناول تقرير لمجلة «إيكونوميست» البريطانية.

كما يمكن للإعلانات الرقمية ملاحقة المستخدمين من موقع إلى آخر، فإذا بحث شخص مثلاً عن رحلات جوية إلى مدينة فرانكفورت الألمانية، فسيظهر له الكثير من الإعلانات تروج لقضاء العطلات في ألمانيا.

ويؤثر السن في الإعلانات المعروضة للشخص، وعلى سبيل المثال أطلقت شركة «بروغريسف» للتأمين قبل أشهر قليلة إعلان فيديو في موقع «فيس بوك»، يُظهِر رجلاً بالغاً يتصرف مثل طفل صغير، واستهدف الإعلان حث الشباب عن ترك تأمين السيارة الخاص بوالديهم، وشراء تأمينهم الخاص تحت عنوان «تصرف حسب عمرك».

وفي حين رأى العديد من موظفي «فيس بوك» هذا الإعلان، فإنه لم يظهر لرئيس التسويق في الموقع ديفيد فيشر، الذي يبلغ من العمر 41 عاماً، نظراً لأن حملة «بروغريسف» سعت إلى جذب الشباب الأصغر سناً.

وإضافة إلى ذلك، تؤثر سمات الشخص في النسخة التي يراها من الإعلان، فيعرض المعلنون العديد من النسخ من الإعلان نفسه، لتتوافق مع الأذواق والسمات الشخصية المختلفة.

وتستعين شركة «كونفرسانت» للتسويق الرقمي بخوارزمية لعرض نحو 800 ألف شكل مختلف من إعلان واحد ليجذب المستهلكين المحتملين. ووفر الإنترنت فرصة غير مسبوقة لمتابعة فورية لردود فعل المستهلكين وآرائهم، إذ تتابع شركة «كرافت» لصناعة الأغذية مثلاً، الآراء المنشورة على الإنترنت حول علامتها التجارية في غرفة تُطلق عليها «المرآة».

وعلى مدى سنوات ظل التخصيص أو إضفاء الطابع الشخصي على الإعلانات المقدمة حكراً على الإعلانات في محركات البحث على غرار «غوغل» و«ياهو»، وغيرهما، وهو ما اختلف حالياً.

وتقليدياً، دأبت الشركات على توجيه إعلاناتها إلى وسائل الإعلام التي يحتمل أن تجذب جمهورها المقصود، فتتجه مثلاً للإعلان في صحيفة مثل «وول ستريت جورنال» للوصول إلى المديرين التنفيذيين، وإلى قنوات «إم تي في» للوصول إلى جمهور الشباب، لكن ذلك تغير الآن، إذ لم يعد يجب على المعلنين الاعتماد على وسائل الإعلام كوكلاء عن المستهلكين، فتتوافر لديهم الكثير من الأدوات، فضلاً عن قدر هائل من البيانات، ما يمكنهم من استهداف جمهورهم والوصول إليه بدقة.

وحقق الإعلان على الإنترنت الجانب الأكبر من تطوره خلال السنوات القليلة الماضية، على الرغم من بلوغ شبكة الإنترنت عامها الـ25 في مارس الماضي، ومُضي 20 عاماً على أول إعلان لافتة أو «بانر» على الشبكة.

وبحسب استطلاع للرأي أجرته شركة «أدوبي» للبرمجيات، قال معظم المتخصصين في التسويق، إنهم لمسوا تغييراً أكبر خلال العامين الأخيرين مقارنة بالـ50 عاماً الماضية.

وخلال عام 2013، شكلت إعلانات الإنترنت نحو ربع صناعة الإعلان على المستوى العالمي التي يقدر حجمها بـ500 مليار دولار. وتعتمد بعض من أهم وأقوى الشركات تأثيراً في القرن الـ21 مثل «غوغل» أساساً على الإعلانات.

وتعني التطورات الجديدة مواجهة شركات أقدم صعوبات بالغة للحفاظ على مكانتها بسبب اختلاف أسلوب العمل.

وبحسب أحد خبراء الإنترنت ورئيس شركة «سيمولميديا» للإعلانات التلفزيونية، ديف مورغان، فقد اعتاد الإعلام سابقاً الانتشار النادر، في إشارة إلى المساحات المحدودة، بعكس ما توفره الإنترنت حالياً من مجالات غير محدودة وأسعار منخفضة للإعلانات، ما جعل تحقيق الأرباح أصعب مما هو عليه خارج الإنترنت حتى بالنسبة لشركات رقمية رائدة مثل «ياهو».

ويضاف إلى ذلك تواصل انضمام لاعبين جدد إلى مجال الإعلانات الرقمية، بسبب إغراءات الفرص المتاحة وتراجع نفقات العمل في الإعلام الرقمي.

ويواصل الإعلام الرقمي نموه بدعم من ثلاثة اتجاهات مهمة: أولها صعود الأجهزة المحمولة مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر اللوحية، الذي بدأ بعد تقديم شركة «أبل» لهاتفها «آي فون» في عام 2007. وحالياً يستخدم الهواتف الذكية 1.7 مليار شخص، أي ما يُمثل 20% من سكان العالم.

وأسهمت الأجهزة المحمولة، وتعلق كثير من المستخدمين بها، في تغيير طريقة تصفح الإنترنت، إذ يفضل المستخدمون حالياً التطبيقات أكثر من زيارة المواقع.

وفي الولايات المتحدة، يتراجع الوقت المخصص لأجهزة الكمبيوتر المكتبية. وقالت نائب الرئيس التنفيذي للدعاية في صحيفة «نيويورك تايمز»، ميريديث كوبيت ليفين: «استغرق تراجع صناعة الصحف 150 عاماً، لكن مجال أجهزة الكمبيوتر المكتبية سينكمش بسبب المحمول في عُشر هذه الفترة».

ويتمثل الاتجاه الثاني في صعود الشبكات الاجتماعية، مثل «فيس بوك»، و«تويتر»، و«بنترست» التي صارت بمثابة نظام يلجأ إليه الأشخاص لتصفح الإنترنت والبحث عن المحتوى. وتحتفظ هذه المواقع بمعلومات ثمينة عن مستخدميها بفضل ما يذكرونه طوعاً عن أنفسهم وأفكارهم، كما يُمكن لها تتبع المواقع التي يزورونها على الإنترنت، وبيع معلومات عن اهتماماتهم إلى المعلنين.

واعتبر مؤسس موقع الأخبار والترفيه «بَزفيد»، جونا بريتي، أن تقارب الجانب الاجتماعي والأجهزة المحمولة شكّل جمهوراً على الإنترنت يمكن معرفته والوصول إليه أكبر 100 مرة مما وُجد في السابق.

ويقود الاتجاه الثالث تطور نظام العطاءات لشراء الإعلانات في الوقت الحقيقي لاستهداف المستهلكين بسرعة ودقة، وهو عبارة عن عملية مزايدات تتم في الوقت الحقيقي، وتسمح للناشرين والمعلنين والوسطاء بشراء الإعلانات الرقمية وتوجيهها للمستهلكين المعنيين بسرعة فائقة، لتظهر لهم على الفور، بالاعتماد على واجهات برمجية وخوارزميات للتحليل.

وقال جوناثان نيلسون، من شركة «أومينكوم غروب» للإعلان، إن لدى شركته الفرصة للتقدم بعطاءات لنحو 10 ملايين «ظهور إعلاني» على الإنترنت، أي إعلانات من المحتمل أن يراها المستخدمون في كل ثانية. ويُتوقع زيادة انتشار العطاءات في الوقت الحقيقي لتواكب اتصال المزيد من الشاشات بالإنترنت كالتلفزيونات واللوحات الإعلانية.

وقادت هذه الاتجاهات حالياً إلى تداخل الخطوط الفاصلة بين أقسام الإعلام، فحالياً تُنتج شركات الإعلام العديد من المحتوى لمصلحة المعلنين أو ما يُطلق عليه «الإعلان الأصلي»، وفي الوقت نفسه يوظف بعض المعلنين صحافيين لإنتاج القصص ومواقع الإنترنت ومقاطع الفيديو. وتسهم التقنيات الجديدة في تغيير عمل الوكالات الإعلانية التقليدية. وقال رئيس مجموعة «ببليسز» للإعلان، موريس ليفي، إن شركته تتحول لتصبح شركة إنترنت أكثر بكثير من كونها مجموعة للإعلان.

لكن التفوق الحالي للإعلانات الرقمية لا يعني تواري الأشكال الأخرى من الإعلانات تماماً، فلايزال الإعلان التلفزيوني يحتفظ بهيمنته في عالم الإعلانات، ربما لأنه إحدى الوسائل الأساسية للوصول إلى جمهور واسع، لاسيما خلال العروض التلفزيونية المباشرة والأحداث الرياضية.

ومع ذلك، لا ينفي احتفاظ الإعلانات التلفزيونية بمكانتها، حيرة المعلنين بسبب توجه المستهلكين للعديد من الوسائط، وتوزع وقتهم بين أنواع مختلفة من الشاشات.

 

تويتر