بعد أن تحولت من أدوات للعمل والتواصل إلى «سيد آمر» يتحكم بحياة المستخدم

الإجهاد الناجم عن الأجهزة الذكية يُوثر على الأفراد والشركات

صورة

أسهمت الهواتف الذكية والأجهزة المحمولة المتصلة بالإنترنت في تحريرالعديد من الاشخاص من قيود مواعيد العمل الثابتة، والاضطرار إلى الوجود في مكان العمل. ومنحهم هذا القدر الكبير نسبياً من الاستقلالية والمرونة، والفرصة لتنظيم حياتهم العملية، وتخصيص مزيد من الوقت للعائلة والأصدقاء وتنمية الهوايات الشخصية.

وفي المقابل، تحولت الهواتف الذكية لدى آخرين، من أدوات للعمل والتواصل إلى «سادة آمرين» يتحكمون في حياة المرء، إذ يصعب عليه مقاومة إغراء الهاتف حتى أثناء التمتع بقضاء إجازة، أو الخلود للنوم، وحينها يكون التحقق من البريد الإلكتروني والرسائل هو الخطوة الأولى بمجرد الاستيقاظ من النوم، وآخر ما يقوم به قبل النوم، ليصل الأمر إلى استخدام الهاتف أثناء الوجود في دورة المياه.

ويُضاف إلى ذلك، قلق كثيرين من انخفاض بطارية الهاتف، وانقطاع الإنترنت أثناء السفر، أو عدم توافره في الفندق، ما يؤدي إلى شعور بالضغط والإجهاد الدائم. ويُثير هذا الوضع قلقاً متزايداً لدى المراقبين والمهتمين من حيث تأثيراته الصحية والاجتماعية، فضلاً عن تأثيراته في إنتاجية الموظفين والشركات.

وعلى سبيل المثال، شعر مُطور التطبيقات، كيفين هولسه، بالقلق حيال تجاهله لعائلته وأصدقائه، ما دفعه إلى تطوير تطبيق «مومنت» لنظام «آي أو إس»، بهدف مراقبة استخدامه للهاتف. ويُتيح التطبيق معرفة الوقت الذي قضاه المستخدم على هاتفه، وإعداد تنبيهات في حال تجاوز الوقت الذي حدده لنفسه سلفاً.

وبحسب ما يذكر موقع تطبيق «مومنت»، فإن «هدف (مومنت) هو تعزيز التوازن في حياتك، بعض الوقت مع هاتفك، وبعض الوقت من دونه مع عائلتك وأصدقائك من حولك».

لكن هذا التوازن بين العمل والحياة ليس بالأمر اليسير باعتراف بعض أصحاب العمل، ويبدو في بعض الأحيان بحاجة إلى مساعدة خارجية. ويُشبه ذلك ما قامت به شركة «دايملر» الألمانية لصناعة السيارات بتقديم خيار الحذف التلقائي لرسائل البريد الإلكتروني الخاصة بموظفيها أثناء قضائهم للإجازات، في اعتراف ضمني بأن إراداتهم قد لا تكفي لمساعدتهم على الخروج من أجواء العمل.

ويتسبب الارتباط الزائد، الذي يصل لدرجة الإدمان، بالهواتف الذكية ونحوها في حالة من الإجهاد الدائم. وبحسب ما شرحت المتخصصة في علم النفس المهني في «مركز أبحاث علم النفس والسلوك والإنجاز» في جامعة «كوفنتري» البريطانية، الدكتورة كريستين جرانت، فإن الآثار السلبية لـ«ثقافة الاتصال المستمر بالإنترنت» ترجع إلى أن الذهن لا يُعيد ترتيب وضعه، ولا يتوافر للجسم وقت للانتعاش والتعافي، فيظل الشخص دائماً تحت تأثير الضغوط والإجهاد.

وتابعت جرانت: «كلما أصبحنا أكثر إجهاداً، كلما ارتكبنا مزيداً من الأخطاء، كما يُمكن أن تتضرر الصحة النفسية والعقلية»، لافتة إلى أن البقاء على اتصال دائم بالإنترنت، وما يتيحه ذلك من إمكانية العمل من أي مكان في العالم، يُغذي شعوراً عميقاً ويصعب تغييره بعدم الأمان.

وقالت جرانت: «يوجد قلق واسع من فقدان السيطرة»، مشيرة إلى أنها لمست من خلال أبحاثها تعرض أشخاص للإجهاد الناجم عن العمل الزائد، بسبب اصطحابهم أدوات التكنولوجيا في السفر طوال الوقت بصرف النظر عن المنطقة الزمنية التي وجدوا فيها.

وتتأثر النساء خصوصاً بهذا الإجهاد، فبعد قضاء يوم كامل في العمل، يواجهن بعد العودة إلى المنزل العناية بالأطفال وأعباء أخرى قبل الذهاب للنوم في وقتٍ متأخر.

ولا يُمثل هذا الإجهاد حالة فردية تقتصر على عدد قليل من الأشخاص، إذ إنه وفقاً لرئيس «جمعية الطب المهني» في بريطانيا، الدكتور ألسدير إيمسلي، فإن 400 ألف شخص في المملكة المتحدة يشكون كل عام ضغوطاً مرتبطة بالعمل تصل إلى مستوى يعتقدون أنها تتسبب في مرضهم.

واعتبر إيمسلي أن التغيرات في التكنولوجيا أحد العوامل المُساهمة في ذلك، لاسيما إذا ما تسببت في إشعار الموظفين بالعجز عن التعامل مع الطلبات المتزايدة، أو امتلاك قدر أقل من التحكم عند التعامل مع عبء العمل.

وتتضح التغيرات في التكنولوجيا مع الانتشار المتزايد للهواتف الذكية والإنترنت، ووفقاً لهيئة تنظيم الاتصالات في المملكة المتحدة «أوفكوم»، قال 61% من البالغين أن لديهم هواتف ذكية، كما تضاعفت تقريباً حصة الملكية المنزلية من أجهزة الكمبيوتر اللوحية خلال عام 2013 لتصل إلى 44%.

وبحسب «أوفكوم»، ارتفع استهلاك البريطانيين من الإعلام منذ عام 2010 من ثماني ساعات و48 دقيقة ليصل إلى أكثر من 11 ساعة، وهو ما يرجع جانب كبير منه إلى الهواتف الذكية. وإضافة إلى ذلك، فقد تجاوز وقت الإعلام، متوسط الوقت الذي يخصصه البريطانيون للنوم يومياً.

وتتواكب مع اتساع ملكية الهواتف الذكية المتصلة بالإنترنت، زيادة كبيرة في كم البيانات المتوافرة. ومع ذلك، فإن نمو البيانات لا يعني بالضرورة تحسن القدرة على الإدارة واتخاذ القرارات. ويرى الشريك في «برايس ووترهاوس كوبرز» للخدمات المهنية، مايكل رينديل، أن ذلك يقود إلى نوع من شلل القرار.

وشرح «رينديل» بالقول إن زيادة البيانات تتسبب في إضافة مزيد من التوتر في مكان العمل، نظراً لأنه يتوجب على الموظفين التعامل مع نطاق أوسع من البيانات والاتصالات التي يصعب إدارتها جميعاً، كما تُصعب عملية اتخاذ القرارات، وتجعل كثيرين أقل إنتاجية لشعورهم بوقوعهم تحت ضغط، وأنه لا يمكنهم أبداً مغادرة مكتب العمل.

وتضمن تقرير شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» بعنوان «مستقبل العمل: رحلة إلى 2022» مقابلات مع 50 ألف عامل من جميع أنحاء العالم.

وبحسب رينديل، فإن قوة العمل في المملكة المتحدة لا تتمتع بقدر أكبر من الإنتاجية، يفوق ما كانت عليه في الماضي، على الرغم من الاتصالات والبيانات المتوافرة حالياً.

ويتفق مع ذلك المحامي المتخصص في قانون العمل في شركة «بليك مورجان»، تيم فورير، الذي تساءل: «لماذا لم تتواكب الأجور مع التضخم؟ يرجع ذلك إلى أن لدينا مزيداً من الأشخاص يقومون بعمل أقل».

وفي الواقع، لا يُعد غياب الخط الفاصل بين العمل وأوقات الفراغ، بتأثير التكنولوجيا الحديثة، مشكلة ترتبط بصحة وسلامة الموظفين وحدهم، بل يُحتمل أن تكون لها عواقبها الوخيمة على الشركات أيضاً.

ورأى أن تحقق الشخص من الرسائل النصية والبريد الإلكتروني كأول ما يقوم به صباحاً، وآخر ما يفعله مساءً، من السهل أن يُدمر هذه الحدود. وقال: «يُهدد هذا واجب الشركات في رعاية موظفيها».

وترى شركة «سولار ويندز» لبرمجيات إدارة تكنولوجيا المعلومات أن عدم وجود وقت للراحة يُمثل ضغطاً إضافياً على أقسام تكنولوجيا المعلومات في الشركات. وتوصل بحث للشركة إلى أنه نتيجة للاتصالات المتوافرة، يشعر ما يزيد عن نصف العاملين بأنه يُتوقع منهم العمل أسرع، والالتزام بالمواعيد النهائية، كما تعتقد نسبة تقترب من نصف العاملين، بأن أصحاب العمل يتوقعون إمكانية الوصول إليهم في أي وقت وأي مكان. وربما يكمن مفتاح التغلب على صعوبة تحقيق توازن بين العمل والحياة، في ضبط استخدام الهاتف والالتزام بذلك، وتحويل مرونة العمل لمصلحة الموظف، ما يعني مثلاً استخدام الرد التلقائي على رسائل البريد الإلكتروني حال الوجوwد في عطلة، وإغلاق الهاتف قبل النوم.

تويتر