وصف شاغروها بـ «خراف تنتظر النحر»

«الرئيس التنفيذي للمعلومات».. منصب الوظيفة الأكثر صعوبة

يتوجب على الرؤساء التنفيذيين للمعلومات دائماً التفوق على العقول المدبرة للجرائم الإلكترونية والقراصنة العسكريين. أرشيفية

قبل 10 سنوات، لم يكن منصب «الرئيس التنفيذي للمعلومات» بشكله الحالي، ونادراً ما كرست الشركات موظفاً مخصصاً لهذه المهمة وحدها، إلا أن تزايد حوادث اختراق البيانات على الإنترنت والبرمجيات الخبيثة دفع الشركات والحكومات للاستعانة بأشخاص تتركز مسؤولياتهم على ضمان أمن أنظمة البيانات، وعند حدوث المشكلات، وهو الأمر الذي يصعب تجنبه تماماً، وعادةً ما يتحمل هؤلاء النصيب الأكبر من اللوم.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية، قال الرئيس التنفيذي للمعلومات في شركة «أرلينغتون مكونتي»، ديفيد جوردان: «نشبه الخراف التي تنتظر النحر»، لافتاً إلى أن من يشغل هذا المنصب يعرف المصير المنتظر حين يحدث اختراق خطير للبيانات، ووصفها بمهنة لا تُلائم شخصاً جباناً.

ويتولى الرؤساء التنفيذيون للمعلومات، واحدة من أصعب الوظائف في مجال الأعمال اليوم، إذ يتوجب عليهم دائماً التفوق على العقول المدبرة للجرائم الإلكترونية في موسكو، والقراصنة العسكريين في مدينة شنغهاي الصينية، والتحقق من قائمة طويلة من شروط التوافق مع متطلبات الأمن.

وفضلاً من ذلك، فإنه ينبغي عليهم توقع الاختراقات من جهات غير متوقعة مثل أنظمة التحكم في درجات الحرارة، وآلات بيع المشروبات الغازية، وفي الوقت نفسه متابعة بعض الموظفين المهملين الذين قد يحملون ملفات مهمة على خدمة «دروب بوكس» للتخزين السحابي، وكذلك الهواتف غير المؤمنة للموظفين.

ويُنتظر من العاملين في هذا المنصب، التمتع بمهارات في إدارة الأزمات والاتصالات، وخبرات في التقنيات الأكثر تقدماً، وسط أخبار متتالية عن تسريب للبيانات، وشبكات جديدة للجريمة الإلكترونية تُذكرهم دائماً بالمخاطر المحدقة بمهامهم ووظائفهم.

بدوره، قال الرئيس التنفيذي للمعلومات في شركة «ترند مايكرو»، توم كيليرمان: «علينا أن نكون على صواب في 100% من الوقت، ويجب أن يكون مجرمو الإنترنت على صواب مرة واحدة».

وبالعودة إلى ما قبل عقدٍ واحد، فقد ضم عدد قليل من المنظمات منصب «الرئيس التنفيذي للمعلومات»، أما حالياً فتُعين أكثر من نصف الشركات التي تضم 1000 موظف أو أكثر، مديراً مسؤولاً عن هذه المهمة سواءً بدوام كلي أو جزئي، وفقاً لدراسة أجراها «معهد بونيمون» للأبحاث الأمنية في عام 2013.

ووفق دراسة «معهد بونيمون»، فإن ما يعكس أهمية الوظيفة، محاولة الشركات تجميل اتفاقات العمل بإضافة مكافآت ورواتب تراوح من 188 ألف دولار إلى 1.2 مليون دولار، وامتيازات تتيح للموظفين العمل من المنزل، ووعود بتوفير ميزانيات أكبر لشراء مزيد من أدوات الحماية.

لكن ذلك ربما لم يؤثر كثيراً في نظرة الرؤساء التنفيذيين للمعلومات لوظائفهم، إذ رأى العديد منهم ممن شاركوا في دراسة «بونيمون» أن وظيفتهم هي الأكثر صعوبة، كما قال أغلبيتهم إنها «سيئة» أو إنها أسوأ وظيفة قاموا بها على الإطلاق.

ويُمكن أن يرجع جانب كبير من ذلك إلى أن حوادث اختراق البيانات ــ وهي أمر متكرر ــ يعني غالباً التضحية بـ«الرئيس التنفيذي للمعلومات».

وفي العام الماضي، حين تعرضت متاجر «تارغت» للتجزئة في الولايات المتحدة لاختراق بيانات البطاقات الائتمانية لنحو 110 ملايين شخص، لم يكن لديها رئيس تنفيذي للمعلومات، ووظفت أول مسؤول عن ذلك في يونيو 2013.

وأدت حادثة الاختراق إلى إجبار «بيث جاكوبس» الذي أشرف على حماية بيانات «تارغت» ضمن مهام أخرى، على الاستقالة، كما فقد بسببها الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة «تارغت»، جريج ستنهافل، وظيفته.

وفي مثال آخر، استقال قبل عامين «ستيفن فليتشر» الذي أشرف على أمن البيانات في ولاية «يوتا» بعد تسريب جرى كشف عن البيانات الشخصية لـ780 ألفاً ممن يتلقون المعونة الطبية.

كما ترك الرئيس التنفيذي للمعلومات في «ياهو»، جستن سومايني، منصبه في يناير الماضي بعد فترة قصيرة من اعتراف الشركة باختراق بعض حسابات البريد الإلكتروني التي تم تجديدها حديثاً لبعض المتعاملين معها.

ويُبين ذلك مقدار الضغوط التي تحيط بوظيفة الرئيس التنفيذي للمعلومات. وبحسب دراسة «بونيمون»، ينتهي الأمر بالعديد ممن يشغل المنصب إلى الاستقالة طوعاً أو كرهاً خلال عامين، في وقت توصلت دراسات أخرى إلى أنه في المتوسط يبقى الرؤساء التنفيذيون في مناصبهم لـ10 سنوات.

ومن بين أهم التحديات التي تُواجه الرؤساء التنفيذيين للمعلومات، اختيار المنتجات الأمنية الأجدر بثقتهم.

ويتفق العديد من الرؤساء التنفيذيين للمعلومات على أن البرمجيات التقليدية للحماية من الفيروسات تفشل في الحماية من التهديدات الحالية، كما يقول بعضهم إن المنتجات الأحدث ليست أفضل كثيراً، ويشككون في إمكانية تقييم المنتجات في ظل الخوف السائد وحمى التسويق.

وسلط تقرير أصدرته مجموعة «إن إس إس لابز» البحثية المستقلة في مارس الماضي ضوءاً على المشكلة، مقارناً بين منتجات الكشف عن الاختراق، ووجد أن منتجات شركة «فاير آي» لم تكن بكفاءة منتجات مثل «سورس فاير» من «سيسكو»، و«ترند مايكرو»، وحتى عروض أقل تكلفةً من شركة «جنرال ديناميكس». وأثار التقرير نزاعاً بعدما وصفت شركة «فاير آي» منهجيته بأنها «معيبة بشدة»، كما أضر بأسهم «فاير آي».

من جانبهم، قال مسؤولون عن أمن المعلومات إن تقرير «إن إس إس» لم يقل جديداً، وإنه لا يوجد حل سحري حين يتعلق الأمر بمواجهة اختراق وتسريب البيانات، وإن النجاة تكمن في المزج بين استخدام عدد من أكثر التقنيات فاعلية، وتوظيف أفضل الكفاءات، ثم الأمل في مستقبل طيب.

ويقول مسؤولو التوظيف إن المرشحين لوظيفة «الرئيس التنفيذي للمعلومات» يحرصون على خوض محادثات صعبة مع إدارة الشركات قبل قبولهم للوظيفة، فيرغب بعضهم في ضمان تفهم مجلس الإدارة لمسألة أن اختراق البيانات أمر لا مفر منه، وكذلك قبولهم تخصيص نسبة كبيرة من ميزانية تكنولوجيا المعلومات للجانب الأمني.

وقال المُحلل الأمني في شركة «فورستر» لأبحاث السوق، جون كيندرفاج، إنه إذا ما علم الشخص بأنه مقبل على التضحية، فإنه يرغب حينها في سببٍ كافٍ لقبول الوظيفة.

وأضاف: «لا يتحدث الناس عما نفعله بهؤلاء المساكين، نضع كل هذا التعقيد على كاهلهم، ثم نتمنى لهم فقط حظاً موفقاً».

وكثيراً ما يلجأ الرؤساء التنفيذيون للمعلومات إلى الفكاهة للتعامل مع القلق والمخاطر الدائمة، ومنها ما يُروى عن لقاء رئيس تنفيذي جديد للمعلومات بسلفه الذي أعطاه ثلاثة مظروفات، وطلب منه أن يفتحها في حال الطوارئ.

وبعد حدوث أول اختراق للبيانات، فتح الرسالة الأولى، وقرأ فيها: «القِ باللوم على سلفك». وعقب الاختراق الثاني، فتح المظروف الثاني، وقرأ فيه: «القِ باللوم على فريق العمل». وجاء الاختراق الثالث، وفتح المظروف الثالث، ووجد الرسالة المكتوبة تخبره بأن يُجهز ثلاثة مظروفات جديدة في إشارة إلى أن يستعد لترك وظيفته!

 

تويتر