البحث المُعمق في آراء المستهلكين يُوفر فهماً جديداً لقدر كبير من البيانات

شركات تستعين بتقنيات الذكاء الاصطناعي لفهم آراء المتعاملين

صورة

كثيراً ما تُسهِم الطريقة التي تتعامل بها الشركات، باختلاف مجالات عملها، مع آراء المتعاملين، في نجاحها أو العكس، ولا يُعد الاهتمام بردود أفعال المستهلكين أمراً مستحدثاً، فمن قبل استخدمت العلامات التجارية الشهيرة والشركات الأصغر، استطلاعات الرأي المكتوبة والهاتفية وعبر الإنترنت ودراسات السوق.

وحالياً، يتجه عدد متزايد من الشركات للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحليل النصوص، للبحث المُعمق في آراء المستهلكين الواردة في الاستطلاعات، ومكالمات خدمة المتعاملين، ومنتديات الإنترنت والشبكات الاجتماعية، ومجموعات الدراسة والاختبار، ما يُوفر فهماً جديداً لقدر كبير من البيانات، بحسب ما تناول تقرير نشرته صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية.

وخلال عام 2013، لاحظت شركة «سكوتس ميركل-جرو» الأميركية المتخصصة في منتجات العناية بالحدائق والمروج، إلغاء عدد من المتعاملين معها، بما تجاوز المستوى المتوقع، لخدمة التسميد التي توفرها، ما دفعها لاستطلاع آراء المتعاملين، وطلبت منهم تقييم مستوى رضاهم عن الخدمة وكتابة ملاحظاتهم.

وبعدها صنفت الشركة درجات تقييم خدماتها، واستعانت ببرنامج شركة «لومينسو» الذي تولى تحليل آلاف الاستطلاعات، وتوصل منها إلى نتيجة مفاجئة؛ إذ إن ما دفع الأشخاص لإيقاف تعاملهم مع الشركة كان رغبتهم في الحصول على مستوى أفضل من خدمة المتعاملين.

وعلى الرغم من أن العديد من الأشخاص لم يذكروا صراحةً «خدمة المتعاملين»، إلا أن برنامج «لومينسو» المعتمد على الإنترنت، تمكن من ربط العبارات التي قد تبدو عديمة الصلة ببعضها بعضاً مثل «يستمع»، و«لا تستجيب».

واعتبر أحد كبار المحللين في «سكوتس ميركل-جرو» والمسؤول عن البرنامج، ديفيد إردمان، أن منصة «لومينسو» تحفر أعمق قليلاً في ما يقوله المستهلكون في الواقع. وبحسب إردمان، تُقيّم الشركة حالياً برامج خدمة المتعاملين، وتُخطط لتوسيع استخدامها لبرنامج «لومينسو» ليتسنى لجميع الأقسام الوصول إليه.

وترجع نشأة شركة «لومينسو تكنولوجيز»، التي يمتد عمرها خمس سنوات، إلى مختبر وسائط الإعلام «ميديا لاب» التابع لمعهد «ماساتشوستس» للتقنية، وتمثل جزءاً من جهد أوسع يرمي للتنقيب العميق فيما يدور بأذهان المستهلكين، عبر تحليل نتائج مجموعات الاختبار واستطلاعات الرأي، ومحتوى منتديات الإنترنت، والإعلام الاجتماعي.

وتتعامل شركة «لومينسو» حالياً مع نحو 60 عميلاً. وتعمل برمجياتها في متصفح الإنترنت، وفي البداية تستخرج البيانات من جداول برنامج «مايكروسوفت إكسل» أو مواقع الإعلام الاجتماعي، ثم تعالج الكلمات والعبارات لفهم معناها ضمن السياق.

ويتميز برنامج «لومينسو» بعرض بصري لسحابة الكلمات المُستخرجة من النصوص. وتظهر بعض الكلمات أكبر بحسب مرات تكرارها، كما تُجمع معاً استناداً لقوة العلاقة في ما بينها. كما يمكن لمستخدمي البرنامج عزل كلمات مفتاحية أو موضوعات معينة، وتغيير طريقة تمثيل البيانات.

أما شركة «كانجويا»، فتعتمد على برمجية للذكاء العاطفي، تقول إن باستطاعتها تمييز أكثر من 100 نوع من المشاعر بما فيها الاكتئاب. وأخيراً عملت «كانجويا»، التي تتخذ من مدينة سان فرانسيسكو مقراً لها، مع علامة تجارية كبيرة لتقييم شعار جديد تفكر في استخدامه. وحقق الشعار نتائج جيدة مع مجموعات الاختبار، لكن النتيجة اختلفت بعض الشيء مع استخدام برنامج «كانجويا».

واعتماداً على عمل ممتد لسنوات في المشاعر ودراسة التركيبة السكانية، اقترح برنامج «كانجويا» أن الشعار الجديد قد يُزعج بعض المجموعات في مناطق الغرب الأوسط في الولايات المتحدة؛ نظراً لأن بعض كلماته تحمل معاني دينية مستترة، ما شجع الشركة على التراجع عن إطلاق الشعار.

وشبه المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «كانجويا»، أرمين بيرجيكلي، عملها بوجود شخص يتمتع بدرجة عالية من الذكاء العاطفي في التسويق، والمبيعات، وخدمة المتعاملين.

وتعتمد شركة «كونجي كور تكنولوجيز»، التي تتخذ من برشلونة مقراً لها، على تحليل النصوص لفهم ما ترمي إليه شكاوى المتعاملين، خصوصاً للمؤسسات التي تتمتع بعددٍ كبير من المستهلكين مثل شركات الاتصالات والخطوط الجوية.

ويهدف برنامج الشركة، التي نشأت في «معهد برشلونة للذكاء الاصطناعي»، للتعرف إلى مشاعر المتعاملين، وسياق كل شكوى، ومن ثم تُصدر ردوداً آلية، ومع ذلك وعلى الرغم من اعتماد تطبيقات تحليل النصوص على سنوات من البحث، فإنها لاتزال بعيدة عن الكمال. وعلى سبيل المثال تُكافح شركة «لومينسو» لتمييز العبارات التهكمية. وأظهر اختبار تضمن سؤالاً عن «أبل»، في إشارة للشركة الأميركية، أن برنامجها يفوق معظم التطبيقات المماثلة، لكنه يتحير في التمييز بين سمات الشركة وفاكهة التفاح التي تعني «أبل» باللغة الإنجليزية.

واعتبرت المحللة في شركة «فورستر» للأبحاث، ميشيل جويتز، أن اعتماد الشركات لمثل هذه التقنيات يتطلب نضوجها أولاً لتقتنع العلامات التجارية بقيمتها.

وتبحث الشركات عن برنامج يستطيع التحليل والتصرف في الوقت الحقيقي دون توجيه، ما يُؤثر بصورة فورية على حملات التسويق وقرارات الشراء. وقالت: «عندما يمكنهم التصرف نيابة عن المسوقين أثناء التفاعل، سيُمثل هذا نقطة تحول للنمو والقيمة».

لكن على المدى القريب، يمكن لهذه التقنيات مساعدة الشركات في معالجة قدر كبير من البيانات بسرعة، ودون الحاجة لإنفاق أموال طائلة في توظيف المستشارين أو المحللين. من جانبها، قالت الرئيسة التنفيذية وأحد مؤسسي «لومينسو»، كاثرين هافسي، إنها لاحظت قبل نحو ستة أشهر تحولاً في اتجاه الإقبال، تزامن تقريباً مع الفترة نفسها التي شهدت إقبال شركات التكنولوجيا العملاقة مثل «غوغل» و«فيس بوك» على اجتذاب خبراء وشركات الذكاء الاصطناعي.

وأضافت هافسي: «تعلمنا في وقت مبكر جداً ألا نستخدم أية كلمات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، لأن الناس سيشعرون بالخوف ويفرون».

 

تويتر