المرصد

مؤتمر النصف مليار مشارك

كان «مؤتمر نصرة القدس»، الذي تم بدعوة من الأزهر الشريف، أخيراً، واحداً من أنجح المؤتمرات العالمية بمختلف المعايير، فقد حضرته 86 دولة رسمياً، و113 شعبياً، وشارك فيه علماء ورجال دين من مختلف الديانات والمذاهب، بما في ذلك يهود معادون لإسرائيل والصهيونية، وتوج الحضور شخصيات عامة عالمية مهمة، وغطاه صحافيون وإعلاميون تجاوز عددهم الـ800 صحافي.

وعلى الرغم من هذا النجاح وهذا الزخم، أبى الإعلام الرسمي العالمي الغربي، المسيطر عليه مالياً، وبالتالي خطابياً، من لوبيات صهيونية وتجار سلاح واحتكاريين ومتلاعبين بالعقول، إلا أن يهمّش المؤتمر، ويحوله إلى خبر في ذيل نشرة الأخبار في «سي إن إن» أو «فوكس نيوز»، أو تقرير لا يرى بالعين المجردة في صفحات «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» أو «وول ستريت جورنال» أو ما شابه، مقدماً بذلك على خيانة ألف باء مهمة الإعلام، وهي نقل الحدث أياً كان موقفنا منه، أو حتى خيانة استهدافه الاقتصادي الأساسي، ألا وهو التوزيع والربح.

كان المؤتمر فرصة سانحة لمن يريد أن يعرف «الوجه الآخر للقمر» و«الرواية الثانية للحقيقة»، وهي عناوين طالما كتبها على السبورة أساتذة إعلام غربيون، لا يملون السخرية من بدائية ولا موضوعية إعلامنا، فقد ذخر المؤتمر بمن قدم هذا الوجه وهذه الرواية، دينياً وتاريخياً وقانونياً وسياسياً، بأدق وأفضل ما يكون عليه العلم، حيث برهنوا على أن الرواية الصهيونية ليهودية القدس هي رواية خيالية، fiction، وليست non fiction، كما يحلو للغربيين تصنيف كتبهم، وقدم المحاضرون الدليل تلو الدليل، على وجود عربي بالمدينة المقدسة، ممثلاً في اليبوسيين والكنعانيين، يعود تاريخه إلى 4000 عام، كما برهنوا على أن الوجود اليهودي الذي لم يتخط سنوات معدودات في تاريخ المدينة المقدسة، كان نقطة في بحر الوجود العربي والإسلامي والمسيحي، الذي مثل معظم تاريخها.

كان المؤتمر أيضاً، من منظور الصحافة والإعلام، مملوءاً بالمانشيتات، التي تتحرق إليها شوقاً اجتماعات مجالس التحرير اليومية في الصحف والتلفازات أو ديسكات الأخبار، مانشيتات من نوع «أبو مازن يكشف 700 قرار أممي ضد تهويد القدس»، أو «استقبال حافل لوفد يهود ناطوري كارتا من المسلمين»، أو «هل تنطلق جحافل المسلمين والمسيحيين لتزور القدس لتواجه التهويد؟»، وهي مانشيتات أياً كان موقف الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية منها، تعبر عن واقع جرى على لسان المؤتمرين بالفعل، ويعكس سجال وسط عوالم عربية وإسلامية ومسيحية، موجودة على عبر الكوكب.

لقد تناست وسائل الإعلام الغربية الرسمية، أساتذتنا في وجوب تحري الحقيقة على لسان الخصم قبل الحبيب، ما جرى في المؤتمر، لكنها أغفلت مع هذا التناسي أمراً مهماً آخر.. أن في عصر الإنترنت والـ«فيس بوك» لم يعد بإمكان أحد دفن الحقيقة، وأن السكين الذي يقتل هو ذاته السكين الذي يقطع الخبز ويصنع السلطة.

لقد اكتشف العرب والمسلمون والمدافعون عن الحقيقة من كل طائفة وملة واعتقاد في المؤتمر، أنفسهم وقوتهم وإمكاناتهم، وعِداد خصومهم بشكل شبه متوازٍ، اكتشفوا أن خصومهم ليس فقط إدارات سياسية إجرامية كتلك الموجودة في كيان الاحتلال الغاصب، أو حليفه الأميركي صاحب القرار الأحمق، وإنما أيضاً في لوبيات الإعلام الغربي التي أدمنت طمس الحقيقة، في زمن وعد بلفور، كما في زمن وعد ترامب على حد سواء، كما اكتشف حضور المؤتمر أن وجودهم معاً له قيمة، وله تأثير قابل للتطور.

تويتر