المرصد

صورة عمران وذاكرة العالم القصيرة

مرة أخرى تثبت الصورة أنها أقوى تأثيراً من الكلمة، فعندما انتشرت صورة الطفل السوري عمران دقنيش البالغ عمره خمس سنوات، في جميع صفحات الصحف العالمية، كما أنها انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي. بدا عمران مذهولاً وصامتاً وملطخاً بالدماء والرمال، جراء تعرض منزله لقصف طائرة مجنونة انزلت حممها على سكان مدنيين أبرياء لا يعرفون أين المفر، أصلاً، من جنون وتوحش هذه الطائرات، كان عمران صامتاً وكأنه قد أدرك بأن الكلام لم يعد له أي جدوى، بعد كل هذا الدمار وكل هذا الموت وكل هذا اليأس، الذي بات السمة الطاغية لحياة الكثير من الأطفال في سورية. لقد بقي عمران صامتاً وهو جالس على مقعد سيارة الإسعاف، لأنه أدرك على ما يبدو أنه لم يعد من المجدي طلب المدد من أي جهة لتخفيف هذا الجحيم، وهذا التغول في القتل، ضد أطفال سورية، وما يعانونه من خوف، هذا إن بقوا في بلدهم، والموت غرقاً في أعالي البحار اذا فكر ذووهم في الهجرة إلى بلاد أخرى والهرب من هذه الحرب المجنونة، التي لا تبقي ولا تذر.

لقد انتشرت صورة عمران على نحو سريع وأثارت الكثير من الغضب في شتى انحاء العالم، وكذلك الرفض لهذه الحرب ولما يتعرض له أطفال سورية، وطالب كثيرون بإيجاد أسرع حل لوقف نزيف الدم في هذا البلد. ولكن مما يؤسف له أن هذه الهبة موسمية، سرعان ما تنتهي، نظراً إلى أن ذاكرة العالم ضعيفة جداً، إذ إن صورة الطفل عمران التي هزت ضمير العالم سبقتها صورة طفل سوري آخر هو آلان كردي ابن السنوات الثلاث الذي هرب من هذه الحرب، ولكنه كان أقل حظاً من عمران وغرق خلال رحلة هربه مع عائلته، ومن ثم طفت جثته الصغيرة على احد الشواطئ، وشكلت صورته التي انتشرت في جميع وسائل الإعلام صدمة، وإدانة أيضاً للعالم أجمع، ولكن العالم نسي الموضوع بعد أن أطلق الكثير من الإدانات والمطالبات بحماية الأطفال وعدم تعريضهم للموت.

وقبل ذلك كانت صورة مجموعة من الأطفال تعرضوا للموت بأسلحة كيماوية، وقبل ذلك فوجئ العالم أيضاً بصورة الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي قتله الجنود الإسرائيليين بدم بارد وهو يحتمي بأحضان والده، الأمر الذي أثار غضب العالم في حينه، ولكن نسيه في ما بعد.

وبناء عليه، فإذا كان هؤلاء الأطفال الذين يقتلون تحت بصر العالم، بوحشية لا يمكن أن يتقبلها أي شخص يمتلك ضميراً حياً، ينساهم العالم بعد برهة من الزمن، فما بال العالم بـ50 الف طفل سوري قضوا بصمت، نتيجة تدمير بيوتهم فوق رؤوسهم بقصف الطائرات والصواريخ والمدفعية، ولم يكن هناك من يصور جثثهم.

تويتر