المرصد

إعلامي ساخر يتجاوز حدود «حرية التعبير»

لا شك أن عقبات كثيرة تواجه الإعلاميين أثناء ممارستهم مهمتهم، إلا أن نجاح بعضهم قد يدفعه إلى الغرور وكسر جميع المحظورات، فالإعلامي الألماني الساخر يان بومرمان أثار ضجة كبيرة في بلاده وأوروبا، لينتقل النقاش إلى تركيا حول حرية التعبير والضوابط التي تحكمها، بعد أن كتب قصيدة ساخرة تتضمن تعابير وكلمات «غير لائقة» وجهها للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لم يسكت على هذه الإهانة، وحرك دعوى قضائية ضد بومرمان. وبقبول القضاء الألماني تحريك الدعوى ومتابعة الساخر بتهم القذف والسب، ستكون هذه القضية سابقة في تاريخ ألمانيا، إذ نجح مسؤول أجنبي في مقاضاة إعلامي ألماني، مع أن المعطيات السياسية الراهنة لعبت دوراً مهماً في هذه القضية. ويرى البعض أن الحكومة الألمانية ليست بحاجة الى توجيه القضاء الألماني المستقل، فالإعلامي المتهم بالإساءة لرئيس أجنبي يستحق المتابعة القضائية، لأنه تجاوز الحدود «المهنية والأخلاقية» للمهنة.

يذكر أن الإعلامي الساخر ألقى قصيدة في برنامجه الشهر الماضي، هجا فيها أردوغان مستخدماً إيحاءات جنسية ومتطرقاً إلى «قمع» الأقليتين الكردية والمسيحية. وهذه القصيدة بالنسبة لمحامين ألمان قد تجاوزت حدود حرية التعبير، لأنه لا أحد يرغب في سماع شيء من هذا القبيل، يعنيه أو يعني شخصاً مهماً بالنسبة له. يذكر أن مئات الآلاف من المواطنين الألمان لديهم أصول تركية، والعديد منهم من مناصري الرئيس التركي.

وفي وقت يرى متابعون ألمان وأوروبيون أن القصيدة «كريهة» وغير مقبولة، يعتقد آخرون أنها لا تتعدى حدود حرية التعبير والفن، ويجب ألا تعطى أكبر من حجمها. ويفرض القانون الألماني شرطاً مزدوجاً للمقاضاة بخصوص توجيه شتائم إلى زعيم دولة أخرى، فهذا يعتبر جنحة قد تصل عقوبتها إلى السجن ثلاث سنوات، لكن على الدولة المعنية تقديم طلب، وعلى الحكومة قبوله أولاً قبل تولي النيابة المعنية النظر والحكم في المسألة.

لقد سعى بومرمان إلى تسليط الضوء على قضايا لا وجود لها بالأساس، من خلال أسلوب فج وغير لائق، فالأقلية الكردية لا تواجه القمع، والأمر يتعلق بمواجهة مسلحة بين فصيل متمرد على السلطة يتبنى نهجاً إرهابياً من جهة، وقوات حكومية نظامية من جهة أخرى، في حين لم نسمع أحداً يتحدث عن قمع الأقلية المسيحية في تركيا إلا بومرمان. والمحكمة التي ستجرى في حق الفكاهي لن تكون محاكمة لحرية الرأي، ولكن لسوء استخدام هذه الحرية للنيل من الآخرين، والتشويش على العلاقات بين بلدين «حليفين»، على الأقل إزاء قضايا مهمة حالياً. «حرية التعبير» يجب ألا تكون وسيلة للصيد في المياه العكرة والسب والقذف، لكن وسيلة لتسليط الضوء على قضايا ذات أهمية بطرق مهنية بحتة.

تويتر