تتجه إلى احتلال المركز الأول في إفريقيا إنتاجاً للمعدن الأصفر

السودان يزيد إنتاجه من الذهــب للتعويض عن عائدات النفط

صورة

نصف مليون مواطن سوداني تقريباً انتشروا في صحراء العتمور وأجزاء من البحر الأحمر بحثاً عن الذهب، مستخدمين أدوات بدائية لاستخراج كميات شحيحة من المعدن الأصفر، وتتزايد الأعداد يوماً بعد آخر، بعد انتشار قصص عن منقبين استطاعوا الحصول على ثروة كبيرة بين عشية وضحاها، وترك بعضهم الحياة الهانئة نسبياً في المدن، ليتجشموا عناء السفر والعيش في الصحراء تحت درجات عالية من الحرارة، ووسط الثعابين والعقارب واحتمال تعرضهم للنهب من قطاع الطرق، وآخرون تركوا مزارعهم ومواشيهم ليلحقوا بركب من ذهبوا إلى هناك، مدفوعين بقصص تناقلتها الصحف عن بعض الأشخاص الذين اغتنوا بين عشية وضحاها، ومن بين تلك القصص قصة عن أحد مواطني شرق السودان من قبيلة الرشايدة، الذي حالفه الحظ في العثور على كتلة من الذهب عالي النقاء تزن 60 كيلوغراماً، باعها في سوق الخرطوم، بما يعادل 1.6 مليون دولار. وتؤكد بعض المصادر أن أحد المنقبين اشترى سيارة جديدة كلياً، بواسطة تقنية الأقمار الفضائية مقابل ما يعادل سعرها ذهباً.

تدابير للحدّ من التهريب

بهدف التقليل من تهريب الذهب، يشتري بنك السودان المركزي إنتاج الذهب بسعر السوق العالمية، وتجتمع لجنة برئاسة وزير الدولة بوزارة المعادن بشكل دوري، لتقييم الأسعار التي يقدمها بنك السودان، وتعتقد الوزارة أن الكميات التي يتم تهريبها ليست كبيرة، وارتفعت الكميات التي اشتراها البنك خلال الشهر الماضي، بجانب أن الحكومة اتخذت إجراءات لضبط النوافذ، وترى الوزارة أن الحل لقضية تهريب الذهب، تكمن في تحديد أسعار مغرية للمعدن، بحيث يبيع المنتج ذهبه برضاه، وفي هذا الإطار وجهت اللجنة بنك السودان بفتح منافذ للشراء بمناطق التعدين في كل الولايات المنتجة، للسيطرة على كميات الذهب المنتج وشرائه بالسعر العالمي.

ويقول أحد أفراد مجموعة من الشباب السودانيين، ذهبت إلى هناك، لقد نصبوا معسكرهم في الصحراء وبدأوا يبحثون عن المعدن الأصفر بواسطة آلات الكشف عن الذهب، واستطاعوا خلال اسبوعين فقط الحصول على كيلوغرامين، يعادل ثمنها 94 ألف دولار، وهذا ما شجع العديد من الشباب ليحذوا حذوهم، ويتجشموا المصاعب والصعاب ليحققوا حلمهم بالثراء.

ويقول محمد علي، (34 عاماً) معلقاً: في بعض الأحيان نذهب إلى موقع في الليل، لا يوجد فيه أحد لنبدأ التنقيب، وعند الساعة الخامسة صباحاً نسمع كاشفات الذهب تصدر اصواتاً من حولنا، لنجد العديد من الشباب لحقوا بنا إلى هذا الموقع.

ويقول احد المنقبين ان الشباب أصبحوا يائسين هذه الأيام، بسبب عدم توافر وظائف وقلة العائد من تلك الوظائف إن وجدت، كما ان الحياة أصبحت اكثر قسوة، ولهذا السبب يتجشمون عناء السفر والعيش في تلك المناطق، ويعتقدون ان المغامرة تستحق المخاطرة بالأرواح.

ويقول وزير المعادن، عبدالباقي جيلاني، معلقاً: «ينتشر في البلاد الآن ما يعرف بحمى الذهب، فالجميع هنا يبحثون عن الذهب مثلما حدث في أميركا في القرن الـ19». ويشير الوزير إلى أن ما يصل إلى 200 ألف سوداني انتشروا في الأجزاء المختلفة من السودان، بحثاً عن الذهب، ما اضطر الحكومة لتقديم سعر تشجيعي لهم، كحافز لبيعه للحكومة، بدلاً عن تهريبه للخارج، واستحدثت الحكومة أيضاً جمعيات تعاونية لدعمهم. ويعتقد أن 50% من الذهب المستخرج من التنقيب الأهلي، يجد طريقه للخارج عبر حدود السودان، التي لا تخضع جميعاً للمراقبة.

ويؤكد الوزير أن التعاونيات التي تم تأسيسها في بعض الولايات، تضمن بأن المنقبين لا يستخدمون اطفالاً في هذه الأعمال، وتعمل على توعيتهم بالمخاطر الصحية والبيئية. ويقول في هذا الخصوص «علينا أن نراقبهم ونعمل على تنظيمهم في جماعات، ونوفر لهم بعض الخدمات الصحية، لأنهم يستخدمون مواد سامة مثل الزئبق في استخراج الذهب».

اشتهر السودان بغناه بمعدن الذهب منذ عصر الفراعنة، وخلال مملكة النوبة التي نشأت على ترابه، كما أن الحصول على الذهب كان من بين دوافع الحملات والطموحات الاستعمارية، من قبل المصريين والبريطانيين في السودان.

ومن الناحية التاريخية يمارس الأهالي التنقيب عن الذهب منذ عهد الممالك النوبية، في القرن الثالث قبل الميلاد. وكان هذا النشاط منتشراً في جميع أنحاء النوبة وكوش، وممالك شرق السودان، مثل قبيلة البجا والمهاجرين العرب والنوبة. واستمر هذا النشاط حتى الحملة التي قادها محمد علي باشا للسودان، بحثاً عن الذهب في جبال بني شنغول، ومناطق أخرى من صحراء العتمور وجبال غرب البحر الأحمر.

وتم إدخال آلات التنقيب الحديثة إلى السودان في عام 1965، من قبل الشركات الأجنبية والوطنية في ذلك الوقت، وهي شبيهة بكاشفات الألغام، إلا أن عملية التنقيب توقفت قبل فترة طويلة، نظراً لانخفاض قيمة الذهب، وعادت الآن بعد ارتفاع أسعاره.

ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج السودان من الذهب بنسبة 9.6% هذا العام لمستوى قياسي يبلغ 80 طناً، حيث يسعى هذا البلد الإفريقي لتعزيز إنتاجه من المعادن والفلزات، وأكد وزير الدولة بوزارة المعادن، أوشيك محمد أحمد طاهر في مؤتمر عن التعدين هذا العام، أن الإنتاج بلغ نحو 72 طناً في نهاية الربع الثالث.

ويقول الوزير إن «نحو 85% من الإنتاج أتى من خلال التعدين التقليدي، و15% من الشركات العاملة في هذا المجال».

ويحاول السودان، الذي يعاني ضائقة مالية، زيادة إنتاجه من المعادن، بعد فقدان معظم عائدات النفط مع انفصال الجنوب، وهي المنطقة التي كانت تنتج نحو 75% من النفط السوداني.

وتعمل شركات من 17 دولة في إنتاج الذهب في السودان، وتتطلع البلاد لمنح تراخيص لمزيد من الشركات للمساعدة على زيادة إنتاج الذهب والمعادن والفلزات، وأكملت 10 شركات دراساتها وحددت احتياطاتها من الخام بما يصل إلى 944 طناً. ويتطلع السودان، الذي يحتل الآن المركز الثالث في إنتاج الذهب في إفريقيا ــ ليصبح المنتج الأكبر في القارة عام 2018، بعد أن يتخطى جنوب إفريقيا وغانا. ووصلت جملة عائدات البلاد من الذهب مليار دولار عام 2014، وهي السنة التي شهدت انتاج 71 طناً من المعدن الأصفر. وفي سبتمبر 2012 افتتحت الحكومة السودانية في الخرطوم أول مصفاة للذهب بالبلاد بسعة انتاجية قدرها 10 طن في اليوم.

ويؤكد أحد المحللين في صناعة الذهب بالعاصمة البريطانية لندن، أن هناك بالفعل زيادة كبيرة في انتاج الذهب في السودان والدول المحيطة به، لكنه يشك في أن يكون الإنتاج عالياً، حسب تقديرات الحكومة السودانية. ومن المحتمل أيضاً أن يتم استخراج كميات من الذهب في الدول المجاورة للسودان، مثل تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، ثم يتم نقله إلى السودان من قبل المهربين، قبل تصديره إلى أسواق الشرق الاوسط عبر الطرق الصحراوية، وهذا من شأنه أن يؤثر في تقديرات انتاج الذهب.

تويتر