المرصد

الترجمة الصحافية ومزالقها الخطرة

الترجمة جزء أصيل من الإعلام والصحافة، وكلاهما يكمل بعضهما بعضاً لإيصال العبارة بصدق وأمانة إلى المتلقي، لاسيما الترجمة الصحافية، التي لا غنى لأي صحيفة عنها لنقل الموضوعات ذات الاهتمام من تلك اللغة إلى اللغة الأم للصحيفة. فالمترجم الحاذق يستطيع أن يعالج النص بمهارة، ويتجاوز المنحنيات اللفظية الحادة، ويتفادى الصعود والهبوط في الجمل والعبارات، ليحافظ على انسيابية النص واندفاعه في سياق متصل، ليأخذ طريقه مباشرة إلى فهم القارئ، ولا ينسى أن يحافظ على حضور روح العبارة ليجعلها كائناً حياً، وألا يضحي بالمعنى في سبيل حرفية النص. وتحضرني عبارة للأديب، غابرييل غارسيا ماركيز، عندما عبر بإعجابه الشديد عن ترجمة أجنبية لأحد كتبه، وهنأ المترجم على قدرته على إضفاء روح على النص جعله يختلف عن النص الأصلي، وقال إنه يفضل تلك الترجمة أكثر من النص الأصلي الذي ألفه هو.

ويتطلب الأمر في الترجمة الصحافية التعامل بعناية مع العبارة، لأنها قد تقود إلى أخطاء مميتة غير مقصودة، فالمزالق هنا منتشرة كالألغام وقد تؤدي إلى أزمات سياسية واقتصادية، وتعكر صفو العلائق بين دولتين بسبب خطأ غير مقصود. فالعبارة المترجمة قد تحدث أزمة بين دولتين إن لم ينقلها المترجم بدقة، ففي أوج الحرب الباردة قدم الزعيم السوفييتي، نيكيتا خروتشوف، حديثاً جاء في سياقه عبارة خاطب بها الأميركيين، نقلها المترجم من اللغة الروسية إلى اللغة الإنجليزية بمعنى «سندفنكم جميعاً»، وزادت هذه العبارة من الوهلة الأولى درجة التوتر بين القوتين العظميين لأنها تعني أن أميركا ستتعرض لضربة نووية سوفييتية، ويبدو أن المترجم نقل المعنى الحرفي للعبارة ونسي بالضبط المعنى الدقيق، لأنها تعني بالضبط أن نظام الاتحاد السوفيتي سيدوم لفترة طويلة حتى ما بعد انحسار النظام الرأسمالي الغربي. وصحح خروتشوف بنفسه تلك العبارة في ما بعد قائلا «عانيت كثيراً من تلك العبارة، بالطبع إننا لن ندفنكم ـ مخاطبا الأميركيين - بالجواريف ولكن طبقتكم العاملة هي التي ستدفنكم».

في نهاية الحرب العالمية الثانية أصدرت الولايات المتحدة إعلان بوتسدام مطالبة اليابان بالتسليم، وعليه دعا رئيس وزراء الياباني في ذلك العهد، كانتارو سوزوكي، لمؤتمر صحافي أصدر خلاله بيان جاء فيه وفقاً للنص الياباني الأصلي «لا تعليق، مازلنا نفكر في هذا الأمر»، لكن الترجمة للغة الانجليزية جاءت مختلفة بمعنى «نتجاهل هذا الطلب ونزدريه»، وهذا هو ما أغضب الرئيس الأميركي، هاري ترومان، وجعله يسقط القنبلة الذرية على اليابان.

 

تويتر