منظمات غير حكومية تقدّر العدد بنحو 350 ألف طفل

آباء رومانيون يتخلون عن أبنائهم من أجل الهجرة

مادلينا وشقيقتها في العاصمة الرومانية. أرشيفية

عندما كانت مادلينا أوبريسان في الـ 13 من العمر، غادرت والدتها رومانيا للعمل في مجال النظافة في إسرائيل. وخلال فترة الغياب التي دامت أكثر من 12 عاماً لم يلتقيا سوى أربع مرات فقط. وانتقلت مادلينا وشقيقتها الصغرى أيونا لتعيشا مع خالاتهما في بلدة باكو. وكانتا من بين الحالات التي استقطبت وسائل الإعلام التي اهتمت في السنوات الأخيرة بـ«الأطفال المتخلى عنهم» من قبل ذويهم المهاجرين الذين يغادرون رومانيا وبلدان أوروبا الشرقية الأخرى للعمل في الدول الغنية، تاركين وراءهم أبناءهم الصغار ليكبروا بعيداً عنهم.

تضحية

يقول اندريه دوبرا، وهو مدون روماني، إن والداه انتقلا إلى إسبانيا عندما كان عمره 13 عاماً وتركوه مع عمته.

وكانا قد هاجرا بغرض البقاء لمدة عام فقط، ولكن انتهى الأمر بالبقاء في الخارج، وأصبح لا يراهما سوى في الإجازات. ويقول أندريه، 28 عاماً، وهو الطفل الوحيد، «لم أشعر أبدا بأنهما هجراني ولم أشعر أبداً بأي كراهية تجاههما»، مضيفا «أنا أعلم أنهما تركا رومانيا وقدما هذه التضحيات من أجلي».

وفي كثير من الأحيان، برزت هذه القصص في وسائل الإعلام الرومانية والأوروبية، إذ تحولت حياة عدد من هؤلاء الأطفال إلى العنف أو حتى الانتحار. إلا أن بعض الأطفال من المتخلى عنهم حالفهم الحظ وتمكنوا من العيش بشكل طبيعي. فبعد مغادرة والدتها، ازدهرت حياة مادلينا وشاركت في المسابقات المدرسية، وتخرجت من أفضل المدارس الثانوية في المدينة ودرست الصحافة في بوخارست بعد حصولها على منحة دراسية.

وتقول مادلينا (26 عاماً): «كان من الصعب بالنسبة لي أن أكبر هكذا، عبر التواصل بالإنترنت، إلا أن هذا الوضع جعلني أقوى». والشقيقتان من بين العديد من الأطفال المتخلى عنهم، الذين نشأوا في ظروف صعبة دون اهتمام كبير من قبل الجهات الرسمية ومن دون إثارة نقاش عام حول الهجرة وتأثيرها في الأسرة. ولفهم نجاح هؤلاء الأطفال في مجالات مختلفة والثمن الذي دفعه بعضهم لتحقيقه، تواصلت «شبكة التحقيقات في البلقان» مع نحو 30 من المهنيين والطلاب الشباب الذين نشأوا في وقت كان آباؤهم وأمهاتهم يعيشون في الخارج. وتضيف مادلينا «حاول والدانا تغيير وضعنا الاجتماعي من خلال الهجرة إلى بلد غني للعمل بهدف تحسين ظروفنا المعيشية». وتتذكر الشابة الرومانية معاناة والدتها التي اضطرت لبيع الصحف والقوارير لتأمين لقمة العيش لابنتيها. وكانت الأم تتقاضى 300 يورو، حيث كانت ترسل الجزء الأكبر منه إلى رومانيا.

على مدى عقدين ونصف العقد، ترك الملايين من الرومانيين بلدهم بحثاً عن عمل في أوروبا الغربية. وفي حين بدأت الموجة الأولى من الهجرة في أعقاب سقوط الشيوعية عام 1989، انطلقت الثانية خلال العقد الأخير بعد أن رفع الاتحاد الأوروبي قيود الدخول إلى منطقة «شنغن»، التي لا يوجد فيها حالياً رقابة على الحدود الداخلية وتضم 26 بلداً. وجد الرومانيون وغيرهم فرص عمل في قطاعات حيوية في البلدان المضيفة، مثل البناء والزراعة والنظافة والرعاية وغيرها. وترك العديد منهم أطفالهم وراءهم في رعاية أحد الوالدين أو أحد الأقارب، أو السماح لهم بالعيش بمفردهم إذا كانت أعمارهم تسمح.

ووفقاً لهيئة حماية الطفولة في رومانيا، فإن 84 ألف طفل يفتقدون أحد الوالدين أو كليهما بسبب الهجرة. إلا أن منظمات غير حكومية تقدر العدد بنحو 350 ألف طفل وهو الأعلى في أوروبا. وفي مولدوفا المجاورة يقدر عدد الأطفال المتخلى عنهم بنحو 177 ألف طفل. وتقول أولغا غافريليتا التي هاجر والداها وهي في التاسعة من العمر «إنه نمط حياة مكثف للغاية وتجربة والديّ جعلتني أدرك ماذا أريد أن أفعل في المستقبل». وحصلت أولغا على شهادة الماجستير من جامعة «فريدريك شيللر» في ألمانيا.

وأصبح مصير الأطفال المتخلى عنهم موضوعاً رئيساً في السنوات الأخيرة في رومانيا. وتقول الأخصائية في شؤون المهاجرين في مؤسسة المجتمع المفتوح، التي تتخذ من بوخارست مقراً لها، فكتوريا نيدلسيوس «هناك عدد من الحالات المأساوية ووسائل الإعلام تستخدمها لجذب انتباه الرأي العام». موضحة «مع ذلك، هناك إيجابيات عدة للهجرة».

تويتر