Emarat Alyoum

اعترافات ليفني الجنسية

التاريخ:: 15 نوفمبر 2012
المصدر: خالد محمود
اعترافات ليفني الجنسية

انشغلت المنتديات الصحافية والمواقع الإلكترونية العربية، رغم كل هموم «الربيع العربي»، الأسابيع الماضية بقضية (مصيرية)، وهي نشر ما قالت إنه المغامرات الجنسية لوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني.

لا نعرف من أين بدأت القصة، ولا كيف تطورت، فعلى حين غرة، ظهرت اعترافات «موثقة» لـ«اليهودية الحسناء» تسيبي ليفني، تقول فيها إنها مارست الجنس أثناء عملها في «الموساد»، ونسب ناشرو الأخبار القصة إلى مطبوعات معتبرة، منها صحيفة «تايمز» البريطانية و«يدعوت أحرنوت»

ولأننا أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، بتعريف ميشيل عفلق، فقد تركنا كل ما في أيدينا، لنتابع الخبر «القنبلة»، فها هو العدو الصهيوني «المنحل» ضبطناه متلبساً معترفاً بجريرته، وها هي الثنائية النضالية اللذيذة التي طالما تعاطيناها في مسلسلات رأفت الهجان وجمعة الشوان وطاقم الأعمال الكاملة لنادية الجندي، تصبح واقعاً ونراها رأي العين، وها هي الجاسوسة المثيرة الحسناء (استر بولنسكي) التي تخايل الشاب العربي الغضنفر وتسعى إلى إغرائه، تبرهن الأيام أنها واقع، فهنيئاً للأمة ولكتاب مسلسلاتها قدرتهم على التنبؤ والاستبصار.

وطبعاً، والحال هكذا، تطور الخبر يوماً بعد يوم، وبدلاً من أن يصبح مجرد خبر على المواقع، شق طريقه بجرأة وثقة الى الصفحات الأولى للصحف، الصغرى أولاً، ثم إلى صحف كبرى جداً يشار إليها بالبنان.

ثم تطور مضمون الخبر ذاته، من كونها (أي ليفني) مارست الجنس من أجل إسرائيل، إلى كونها مارسته مع شخصيات عربية معينة، وظلت الصحف تنقل وتضيف وتلمّح وتصرح، حتى ظهرت الطامة الكبرى، وهو تقرير من صحيفة «ولا الإحبارية» ينفي وجود الخبر جملة وتفصيلاً.

وكشفت «ولا» أن ليفني لم تدل بتصريح لا في الداخل الاسرائيلي ولا في الخارج، وأن كتاب الخيال العلمي، من الصحافيين العرب، أعادوا إنتاج مقابلة تمت مع ليفني عام ‬2009، وزادوا عليها، وخلطوها بخيالاتهم، ووصل أمر كذبها إلى حد تحديد ثلاث شخصيات عربية كبرى في الفضيحة.

لقد تحول الخبر من كارثة لا أخلاقية إسرائيلية إلى كارثة لا أخلاقية عربية، ففي ظل سيادة روح السبق والإثارة والتنافس على التوزيع، لم يفكر رئيس تحرير عربي واحد، ممن تورطوا في الكارثة، في بديهية بسيطة، وهو أن يطلب نص الخبر الأجنبي ليقارنه بالترجمة العربية، ولم يفكر مرة في قاعدة «تأكيد الخبر من مصدرين»، ولو عبر الاستعانة بخبير في الشؤون الإسرائيلية.

وإحقاقاً للحق لا ننكر أن صحيفة «المصري اليوم»، كانت شجاعة ومهنية ورائدة حين نشرت للرأي العام اعتذاراً صريحاً عن نشرها للخبر، قالت فيه إن «تصريحات ليفني لم ترد في (تايمز) ولا (يديعوت احرنوت)، وتم نقله من مصادر غير موثوقة اصطنعت الخبر»، لكن تكذيب «المصري اليوم» على أهميته لم يوقف انتشار الخبر في الصحف الصغرى والمواقع، وأصبح مجرد «نقطة في بحر الأكاذيب» العربية.

لقد سخرت «ولا» من الحالة الغوغائية العربية (التوصيف من عندي )، بعد أن كشفت الواقعة أن جموع الأمة، في موقفها من إسرائيل، ليسوا أكثر من جمهور لأفلام نادية الجندي، وأن اهتمامهم بجسد ليفني المثير أكثر من اهتمامهم بمخططاتها هي وزملائها السياسية في الاحتلال والضم والالحاق والاستيطان، وأن فرضية أنها «غانية» أكثر أهمية من كونها صهيونية متشددة، ولو تطورت القصة لما استبعدنا أن نجد شعارات، من نوع «الغازية لازم ترحل»، تسيطر على صفحات «فيس بوك» العربية، بوصفها الاكثر عصرنة ، بدلاً من شعارت الزمن الخشبي القديم، ورطانات «الصهيونية والامبريالية » التي أكل عليها الدهر وشرب.