تناقص خطر بعدد السكان مع انخفاض حاد في معدل الإنجاب

الألمان يواجهون خطر الانقراض

خلال جيل من الزمن سيصل عمر نصف سكان ألمانيا إلى أكثر من 60 عاماً. فوتوز.كوم

يتناقص سكان ألمانيا الاتحادية بشكل مريع للغاية، للحد الذي يشكل خطراً على زوال الجنس الألماني من على وجه الأرض، في الوقت الذي لاتزال فيه قضايا مثل انخفاض معدلات المواليد من الأمور التي لا يجوز فيها الخوض سياسياً، وتثير هذه القضية قلقاً بالغاً، ففي عام 2010 سجلت نسبة المواليد 7.88 لكل 1000 شخص بانخفاض 16٪ عن الأعوام الـ10 السابقة، وهو المعدل الأدنى في تاريخ البلاد حتى الآن. ويعتقد خبراء الديموغرافيا أنه خلال جيل من الزمن سيصل عمر نصف سكان المانيا إلى أكثر من 60 عاماً، وفي الوقت الذي ينبغي ان يتم فيه تشجيع المهاجرين على السفر إلى ألمانيا للحفاظ على النمو الاقتصادي لا يحبذ معظم الالمان هذا الاتجاه. ويرى العديد من الخبراء في هذا المجال ان أمام ألمانيا ثلاثة خيارات: تشجيع الهجرة، زيادة عدد المواليد، أو أن تصبح البلاد فقيرة.

تحذير

في عام ،2002 صرحت وزيرة شؤون الأسر في ألمانيا، رينيت شميدت، بأن الحكومة بحاجة إلى رفع معدل المواليد.

وأضافت أنه «من دون أطفال سنكون أمة من العجائز».

وتقول الأكاديمية، ساندرا غرويسكو، إن المشكلة أعقد مما ذكرت الوزيرة، وتضيف «أجريت عملية حسابية ذات مرة، وتبين لي انه اذا ما استمرت المانيا بمعدل مواليدها الحالي، فإن الأمة الالمانية ستمحى عن الوجود بعد 300 عام، وهي فترة ليست بالطويلة في عمر الأمم كما أعتقد».

ويبدو ان الأمر برمته مثيراً للجدل في المانيا، كما تعلق شميدت، فعندما تحث الحكومة مواطنيها على التوالد بسرعة وبشكل جيد، فإن هاتين العبارتين تنضحان بالنسبة للشعب الالماني برائحة النازية والشيوعية، إذ إن النازيين يركزون على مزيد من التوالد وإنشاء عوائل أكثر عدداً، وعلى العكس من ذلك، فلم يكن المواطنون في ألمانيا الغربية يشغلون أنفسهم بمعدلات المواليد، وأصبح هذا الأمر خطاً أحمر في مرحلة ما بعد توحيد الألمانيتين.

وعندما سلطت شميدت الضوء على هذا الموضوع مرة اخرى، لم تكن هناك سوى استجابة ضئيلة للغاية، وتتذكر غرويسكو ان أشخاصاً قلائل ردوا على مطالبة الوزيرة بقولهم: «لا نريد زيادة في المواليد»، لكن الأنكى من ذلك ان الحزب المحافظ يطلق عبارات مثل «إنكم تجبرون الآباء على السرقة، انكم تجبرونهم على تغيير طريقة عيشهم».

السؤال الذي يبحث عن إجابة هو: كيف يمكن للبلاد ان تزيد من معدلات المواليد، وكيف يمكن ان تجعل الحكومة من إنجاب الأطفال شراكة بين الأم والأب في خضم الحرب من اجل زيادة سكان البلاد؟

اختلاف

عندما انهار جدار برلين عام ،1989 كانت لدى نساء ألمانيا الشرقية ونظيراتهن في الشطر الغربي تجارب مختلفة للغاية، ففي ألمانيا الشرقية كانت هناك رعاية صحية للطفولة من العمر المبكر، وتشجع الحكومة الأمهات على الإنجاب والعودة مجدداً للعمل، كان نظام المواليد صارماً للحد الذي أزعج المانيا الغربية، فقد شاهد الألمان الغربيون ذات مرة صوراً لـ20 طفلاً ألمانيا شرقيا يجلسون على عدد من «القصريات» المصفوفة تصدر إليهم الارشادات لإخراج الفضلات في وقت واحد، كأنما من الممكن تنسيق الوظائف الجسمانية بشكل جماعي إذا دربتها على ذلك في عمر مبكر.

ولدت الصحافية جينين كنتارا في ألمانيا الشرقية، وعاشت هناك إلى ان بلغت سن الـ،11 وتتذكر ان الوضع هناك كان مختلفاً جداً بالنسبة إليها، وتقول «أعلم ان الوضع كان صارماً، لكنني كنت سعيدة، وكانت والدتي تبدو دائما سعيدة، لأنها كانت تتولى وظيفة جيدة في مكتبة كبيرة وكانت تحب الكتب، وبالطبع كانت مذنبة لانها لم تكن تعتني بي، لكنني اعتقد بأنها لم تكن لتستطيع تغيير ذلك الوضع».

أما المؤرخة أنيتي فوينكل، فترعرعت في منطقة بيليفيد بألمانيا الغربية، وتتذكر جيداً عهد طفولتها المختلفة كليا عن طفولة كنتارا، وتقول«كانت والدتي تعتقد ان الذين يعيشون خلف الستار الحديدي غير سعداء على مدار الساعة، لكنني الآن اعود بذاكرتي لحديثها وأعتقد انها لم تكن سعيدة على مدار الساعة»، وتضيف «كانت تعتمد على والدي وتكرهه في بعض الاحيان، وظلت ملازمة لنا في المنزل 13 عاماً».

هذه هي الحقيقة في الغرب الألماني في ذلك العهد، إذ لم تكن هناك رعاية صحية للاطفال من قبل الدولة، وربما لم تكن هناك قابلية للولادة نفسها. وكان على النساء ان يلازمن منازلهن السنوات الثلاث الاولى لميلاد كل طفل، ومن لا تفعل ذلك تعتبر امرأة غير سوية.

وتتمتع المرأة الالمانية الغربية بثقافة أمومية قوية، ويذهب البعض في القول إن رعاية الام أطفالها بنفسها تعتبر من صميم الحريات الغربية، مثلها مثل ارتداء بنطال جينز من علامة «ليفايز». ويتذكر رئيس شعبة تقنية المعلومات بمعهد الدراسات المتقدمة، ويبكي غوس تلك المرحلة ويقول «إن والدتي لا تلفظ أبداً عبارة (دار الحضانة)، لأنها عبارة ألمانية شرقية».

تشجيع الولادة

انطلاقاً من يناير 2007 أصبح الزوجان العاملان 14 شهراً يستحقان اجازة وضع مدفوعة الأجر بعد ولادة كل طفل، ويمكن للوالدين ان يقررا نصيب كل منهما من هذه الإجازة، وتعتبر هذه السياسة هي العمود الفقري في اصلاح اجتماعي تبنته وزيرة شؤون الأسر في ذلك الوقت، ارسولا فون ديرلين، وهي أم لسبعة أطفال، وتعتبر هذه الخطوة محاولة منها لجعل البلاد اكثر اهتماماً بالشؤون الأسرية والإنجاب.

كما تتلقى الأمهات أيضا مبلغا من المال (مصاريف امومة) قبل ستة اسابيع من موعد وضعهن، وايضا بعد ثمانية اسابيع من الوضع. وإلى ان يبلغ كل طفل 18 شهراً تقريباً تتلقى المرأة فوائد سخية أخرى. وهناك تقليد الماني منذ عام ،1949 يتمثل في ان أي امرأة أنجبت سبعة أطفال أو أكثر فإن الطفل السابع يصبح «الطفل الروحي» لرئيس البلاد في ذلك الوقت ويتلقى مكافأة مالية قيمتها 500 يورو.

في ما بعد تم تعديل الفوائد المالية لإجازة الوضع، إذ اصبحت الأم تتلقى 67٪ من راتبها الذي تتقاضاه وهو اعلى مما كانت تتلقاه سابقا، كما ان هناك زيادة كبيرة في مقدار الدعم المقدم من الدولة لرعاية الطفل، وعلى الرغم من ذلك لم يرتفع معدل المواليد، ويعزو بعض الخبراء في هذا المجال السبب إلى الأزمة الاقتصادية.

وتتساءل الاكاديمية مارتينا ويتمان هوهلبين، المولودة في المانيا الشرقية، والتي كانت في الثامنة من عمرها عندما انهار جدار برلين «بأن الرعاية الصحية للاطفال في ألمانيا الاتحادية مكلفة للغاية إلا ان ذلك لم يساعد حتى على رفع معدل المواليد؟»، ويجيب عن تساؤلاتها الصحافي اولريك وينكلمان قائلاً «حسناً، نحن الالمان نعتبر الأعلى انتاجية، وحققنا ذلك لاننا نعمل كالمجانين، فإذا كانت نساؤنا أيضا تعمل كالمجانين في الوقت نفسه، فلا غرابة في ان يكن غير راغبات في الإنجاب».

وضع اجتماعي

تعد ظاهرة تناقص معدلات المواليد ظاهرة طبيعية للثراء والرفاهية وتغير الوضع الاجتماعي، إذ إن ارتفاع مستوى المعيشة من شأنه ان يتمخض عن تغيرات فيزيولوجية تعمل على انخفاض الخصوبة، وهناك عوامل اقتصادية تتمثل في تأخير سن الزواج والإنجاب.

خلال جيل من الزمن سيبلغ عمر نصف سكان ألمانيا أكثر من 60 عاماً، في الوقت الذي تم تشجيع المهاجرين على السفر إلى ألمانيا للحفاظ على النمو الاقتصادي، إلا ان معظم الالمان لا يحبذون هذا الاتجاه. ويرى العديد من الخبراء في هذا المجال ان امام المانيا ثلاثة خيارات: تشجيع الهجرة، زيادة عدد المواليد أو ان تصبح فقيرة.

لعقود من الزمن تجاهلت المانيا الغربية مسألة رعاية الطفولة واعتبرتها شأناً خاصاً، وخلال عهد المستشار الالماني السابق، هيلموت كول اعتبر الالمان رعاية الاطفال والعمل في الوقت نفسه لا يقدر عليه إلا «الشيطان نفسه».

وتعد المانيا بلداً مثالياً من حيث اهتمام الام بأبنائها، إذ تطبخ لهم في المنزل، وتعتني بهم، وتوصلهم للمدرسة، إلا ان الحقيقة مختلفة تماماً، حيث تؤجل 80٪ من الامهات الشابات الإنجاب، لان الدولة لا تدعمهن مالياً.

تويتر