يصنعه صحافيون شباب متحمسون بخبرة متواضعة

إعـلام ليبي جديد يـولـد فـي بنغــازي

الصحافيون الشباب يعتمدون على مساعدة بعض الكوادر القديمة التي لها خبرة في الإعلام المرئي. أ.ف.ب

بدأت ملامح ليبيا الجديدة تتضح يوماً بعد يوم في شرق البلاد المحرر، حيث يعمل ناشطون في جميع المجالات على تنسيق الجهود لدعم الثورة التي لم تنته بعد، وإعادة الحياة إلى المدن الشرقية، ومن بين هؤلاء يبدي الإعلاميون إصراراً على إطلاق منشورات جديدة ومحطات إذاعية وتلفزيونية، لمواكبة الأحداث التي تعيشها ليبيا، وتوفير رؤية محلية وقراءة مختلفة للأحداث.

وفي المركز الثقافي بمدينة بنغازي، يجري العمل على قدم وساق، في قاعات المركز الذي كانت تترأسه ذات يوم، هدى بن عامر التي شاركت في إعدام مهندس ليبي معارض للنظام، في ،1984 على الهواء مباشرة، الأمر الذي جعل منها شخصية مقربة من الزعيم الليبي معمر القذافي وتولت منصب عمدة بنغازي مرتين، وأصبح المركز مثل خلية نحل لا تهدأ إلا قليلاً في ساعات الفجر الأولى، ويقوم الصحافيون الشباب، بإعداد البرامج وكتابة التقارير اليومية، بحماسة وعزيمة كبيرتين. وانطلقت قناة تلفزيونية وصحيفتان في وقت قياسي، بعد تحرير المدينة من قبضة كتائب القذافي.

وتعتبر قناة «ليبيا الحرة» إحدى إنجازات الثورة المهمة، حيث تطل على الليبيين ببرامج منوعة، تصب جميعها في خدمة الحركة الثورية التي تخوضها المعارضة ضد نظام القذافي في طرابلس. وتحاول القناة أن تنافس القنوات الإخبارية المعروفة، حسب القائمين عليها، من خلال تغطية شاملة وشفافة، ومن بين البرامج التي بدأت تلقى شعبية في ليبيا، برنامج «شباب.. من فضلكم»، الذي يقدمه مذيعون شباب لا يتعدون سن الـ،25 بدعم من بعض الكوادر القديمة التي لها خبرة طويلة في الإعلام المرئي.

وجوه الإعلام الجديد

شهرزاد كبلان

انتقلت شهرزاد كبلان من الولايات المتحدة لتلتحق بقناة «ليبيا»، على الرغم من أنها لم تعمل في الإعلام من قبل، حيث كانت تعمل أستاذة في إحدى الجامعات الأميركية، لكنها نجحت من البرنامج الأول «ليبيا الناس»، الذي تتلقى فيه اتصالات هاتفية من المشاهدين من ليبيا ومن جميع أنحاء العالم، وتشعر شهرزاد بالسرور من دور المرأة الليبية في هذه الثورة.

محمد ربيع عاشور

انضم الصحافي الليبي محمد ربيع عاشور إلى طاقم القناة، ويقول إنه لا يمكن المقارنة بين الأحوال التي جربها في المؤسسة العامة للصحافة، والعمل الحالي في قناة ليبيا الأحرار، حيث يشعر فعلياً بحرية كاملة في عمله، وباعتباره ناشطاً أمازيغياً يقول ربيع إن زملاءه في القناة طلبوا منه إعداد مواد إعلامية باللغة الأمازيغية ليتم بثها في القناة، وهو ما يجعله مطمئناً على مستقبل ليبيا ما بعد الثورة، وعلى المساواة الكاملة بين جميع أعراقها.

محمد مليطان

يرى محمد مليطان الذي كان يدرس اللغات في المغرب، أنه التحق بالجبهة لمواجهة النظام الليبي، من خلال عمله في القناة، لكن هذه الجبهة ليست عسكرية وإنما إعلامية، ويسهم الآن في تحرير الأخبار والتقارير مع بقية زملائه، ويقول إن هناك إقبالاً كبيراً على هذه القناة في ليبيا، وفقاً للمكالمات الهاتفية، وأيضاً من خلال الرسائل الإلكترونية، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

حيادية

ويتم خلال البرنامج نقل مباشر للأحداث في مدينة مصراتة المحاصرة، ويحرص العاملون في القناة على البعد الوطني لمهمتهم الإعلامية، ويقول الصحافي في «ليبيا الحرة» أحمد بن خيال، «يتعين علينا معالجة الأخبار التي ترد إلينا من وكالات الأخبار ونقرأها كما هي، ولا أحد يبدي رأيه في أي خبر».

ويضيف أنه عمل على مدار الـ50 يوماً الماضية من دون انقطاع، حتى أيام الجمعة. أما الطالبة في الثانوية، غالية جمعة (18 عاماً)، التي تقوم بإعداد وتقديم النشرة الجوية، في إحدى القاعات الصغيرة المجاورة لاستديو الأخبار، وتبدو غالية متحمسة جداً للعمل التلفزيوني، في الوقت الذي توقفت فيه الدراسة على مستوى المدارس والثانويات في بنغازي، وكان من المقرر أن تجتاز امتحان الثانوية العامة هذا العام، ويعمل والدها مهندساً في حقول النفط، ووالدتها مدرسة رياضيات، في حين اختار اثنان من إخوانها الجبهة الأمامية للحرب على كتائب القذافي، ويقبع ثالث في سجن أبوسليم الشهير، منذ عام.

لا تبدو غالية، بثيابها المحتشمة والأنيقة، أقل حماسة من أشقائها الثلاثة، فهي تعمل بنشاط وقناعة مع زملائها في هذه القناة الوليدة، وكانت ضمن القليلين الذين قبلوا للعمل في القناة من بين مئات المرشحين، وانضم 20 شاباً وفتاة إلى الطاقم، على الرغم من قلة خبرتهم في المجال الإعلامي. وتتضافر جهود جميع العاملين هناك من أجل إطلاق بث متواصل لبرامج القناة.

ويعيش مدير القناة محمود الشمام، حالياً في قطر، وهو صحافي وناشط حقوقي ليبي معارض، وهو أيضاً عضو في «فريق الأزمة» الليبية. ولاتزال آثار الدمار واضحة في مركز بنغازي الثقافي، ولايزال حطام النوافذ والجدران يملأ المكان، ويوجد أمام مقر القناة مسلحون يحرسون «صوت الثورة».

صحيفتان

وفي الطابق الأول من المركز، توجد مكاتب صحيفتين جديدتين تصدران بشكل أسبوعي. ويقول أحد الصحافيين العاملين في صحيفة «صوت»، محمد شمبيش، (22 عاماً)، إن «عدم وجود الانترنت هو مشكلتنا الأساسية، ما دفعنا لوضع صندوق كبير للرسائل أمام قصر العدل، وطلبنا من الناس وضع رسائلهم فيه».

ويضيف أن الصندوق امتلأ بالرسائل في اليوم الأول (19 مارس الماضي)، وتبرع البعض بمعونات نقدية، ويتم طبع الجريدة بطرق تقليدية، حيث لا تتوافر لدى الصحيفة وسائل حديثة للطبع والإخراج.

ومن جانب آخر، يؤكد الصحافي في «صوت»، إدريس عبيدية، أنه «تم الاتفاق مع المجلس الوطني الانتقالي على أن الأمر يتعلق بصحافة حرة ومستقلة موجهة للشباب، وليست صحف ممولة من المجلس».

أما الصحيفة الثانية «برنيق بوست»، التي سميت نسبة إلى اسم بنغازي في زمن الإغريق، فتطمح لتكون واجهة ليبيا وتتوجه للقراء العرب والأجانب، حيث ينوي القائمون عليها إطلاق الصحيفة في نسختين، عربية وإنجليزية. وبتمويل من بنك خاص، قررت مجموعة من الشباب الليبي إطلاق هذه الصحيفة، وفي ذلك تقول عضو فريق التحرير، فرح غطاط، التي تدرس في معهد اللغات، «لم يطلب منا أحد إنشاء الصحيفة، لقد بادرنا بأنفسنا إلى ذلك». ويعمل في الجريدة مجموعة من الشباب الذين ينتمون إلى الطبقة البورجوازية في بنغازي، والذين تبدو عليهم ملامح التحرر نسبياً، ويتقن كل منهم لغتين.

ويبدو الأمر مختلفاً بعض الشيء في مكاتب صحيفة «انتفاضة الأحرار» الأسبوعية، ومقرها كلية اللغة الإنجليزية سابقاً، حيث تعج بالحركة والعمل المتواصل، على الرغم من أن الصحافيين هناك لم يكونوا متخصصين في هذا المجال، وفي ذلك يقول أسامة، (24 عاماً)، «لا يوجد بيننا من هو متخصص في الإعلام حقاً، وجميعنا طلاب متطوعون جئنا هنا من أجل القضية».

ويتم طبع نحو 3000 نسخة أسبوعياً وتباع بنصف دينار ليبي، ويقوم الشباب الصحافيون بتوزيعها بأنفسهم، ويقوم ثمانية محررين من الشباب والشابات بتحقيقات ميدانية ويعاينون ما يحدث ويكتبون تاريخ الثورة، ويعتبر هؤلاء فرنسا بلداً يدعم الحرية واحترام حقوق الإنسان. وربما يكون السبب الرئيس الذي حفز هذه المجموعة لإنشاء «انتفاضة الأحرار» هو «خصخصة الحرية»، كما قال أحدهم. وتراوح أعمار العاملين في الصحف الثلاث بين 18 و27 عاماً، الذين وجدوا أنفسهم أمام مأساة حقيقية تعيشها بلادهم، ورأوا أنه من الواجب أن يقدموا شيئاً لهذا الوطن. ويضيف أسامة، «هناك من يخاطر بحياته على جبهات القتال، وهذا أقل ما يمكن فعله من أجل هذه الثورة». ويضيف «سلاحنا في هذه الثورة هي الكلمات».

لحظة تاريخية

بعد أيام من تحرير بنغازي أطلقت مجموعة من الإعلاميين محطة إذاعية برفقة مهندسي صوت وفنيين، أطلقوا عليها اسم «صوت ليبيا الحرة».

وتقول وهيبة الهاسي، التي عملت في المحطة الحكومية المتوقفة حاليا على مدى 20 عاماً، «إنها لحظة تاريخية ومؤثرة للغاية».

وتضيف «قبل الثورة كانت مهمة الإذاعة هي تمجيد الحاكم، والآن يمكننا أن نعبّر عما يختلج في صدورنا للمرة الأولى منذ 42 عاماً». وتعتبر «المحطة» وجهاً من المشهد الإعلامي الجديد الذي بدأ يتجسد في بنغازي ويرسم ملامح المستقبل الواعد في ليبيا.

ويقول أحد المعارضين القدامى، تذكرنا هذه الصحف الجديدة والمحطات الإذاعية بالتنوع الإعلامي الذي كان في ليبيا قبل مجيء القذافي إلى السلطة. ويقول مصطفى غرياني، «القلم أقوى من البندقية، وأعتقد أن ليبيا سيكون لديها مستقبل مشرق في ظل إعلام حر».

تويتر