المرصد

«يجعلها إلكترونية»

كانت ايريانا هافنغتون، ابنة مؤسس هافنغتون بوست الأميركية، الأكثر دقة في فهم نقطة التفوق في الصحافة الالكترونية حين قالت يوماً، إن الأخطر في نتائجها، هي أنها ستصنع «ثورة في الخبر» بمختلف مناطق العالم.

فقبل كلمات ايريانا، ركزت الكتابات على النقلة التي يمكن أن تحدثها صحافة الشبكة العنكبوتية في مجالين، هما توسيع مجال التعبير عن الرأي، بكسر احتكار كتاب الأعمدة التقليديين له، وتوسيع مواعين ديمقراطية المعرفة بالمعنى المعلوماتي، لكن ظل الجميع يتحدث عن «الخبر»، بوصفه بقرة الإعلام المكتوب المقدسة التي يجب أن لا تُمس، وبوصفه شيئاً له أصوله واحترافيته، وإلا تحول الى «إشاعة».

ضربت ايريانا يومها مثلاً على صحة رؤيتها بالخبر المصمت، الذي كان يهبط علينا في زمن وكالات الأنباء القديم، فنستهلكه دون أن نجرؤ على المساس به، وخبر اليوم الذي يبدأ بحدث ما يقع، فتضيف اليه صحيفة الكترونية تعليقاً من طرف مشتبك مع هذا الحدث، ويضيف ثانٍ توضيحاً أو شهادة أو وثيقة، فيظل يتدحرج مثل كرة الثلج ليصحو الناس في اليوم التالي ليجدوا خبراً آخر تماماً، في عملية تجمع بين ديمقراطية صنع الخبر وجماعيتها وشفافيتها.

بالفعل اصبحت الصحافة الالكترونية تعني الخبر قبل كل شيء. وفي الضجة التي صحبت اعلان فوربس للصحف الأكثر تقدماً في هذا المجال، الذي فازت فيه «اليوم السابع» المصرية بالمرتبة الأولى من بين 50 صحيفة، وفازت «الإمارات اليوم» بالمرتبة الأولى عربياً داخل الدولة، والمرتبة 22 من القائمة، أدرك الناس عدم امكانية الفصل بين مفهومي التفوق في السبق الخبري والتفوق الالكتروني، وتجلى هذا الأمر بوضوح من الانزعاج الذي أصاب صحيفة «المصري اليوم»، التي حازت ترتيباً متأخراً، رغم كل نجاحاتها الورقية، فانطلقت تشكك في القائمة وتتشاجر بالمعنى الحرفي مع منظميها. الصحافة الالكترونية -الخبرية، أضحت واقعاً، والصحافة الواقعية الورقية -ويا للمفاجأة - أصبحت افتراضية. لكن هذا الاستنتاج - على متعته- أصبح يلقي أعباء جسيمة على الصحافة الورقية المتحولة، لم تكن يوماً بخاطرها. فالخبر القديم، الذي كان يصنعه محرر تقليدي لديه فسحة وقت، وامكانية توثيق، أصبح اليوم في حاجة الى لاعب مختلف، يمكن أن يطير الخبر ويوثقه ويصادق عليه في «فونيم» من الثانية.

والأخبار التي حرث المحرر من الصباح إلى المساء لانباتها، تصبح في ومضة في «مزبلة» الأرشيف والتاريخ، وعليه - أي على المحررـ أن يقبل هذا بأعصاب باردة، والخبر الحقيقي قد يأتي من ناقل غير محترف، بما يحمله ذلك من أخطار، علاوة على هذا وذاك، فمن أين ستأتي الصحف بالمهني القادر على الاحتفاظ بالحقيقة وسط شد الحبل السريع من كل أطرافها والمشتبكين معه على الهواء مباشرة؟ عالم جديد وأسئلة جديدة وتحديات هائلة، لكن لانملك إلا أن ندعو ونحن فرحين إن شاء الله دائماً يجعلها إلكترونية، يا رب، فقد زادت قدرة الإنسان بشكل خرافي على تملك الحقيقة.

تويتر