فرنسا أمام مأزق أخلاقي

فتاة فرنسية تشارك في «احتجاجات التقاعد» الأخيرة. أرشيفية

تركز الجهات الرسمية الفرنسية في الآونة الأخيرة على الجانب المعنوي والأخلاقي لطلاب المدارس، وتحاول تعزيز الروح الوطنية فيهم. وقد عرفت البلاد اضطرابات اجتماعية كثيرة في ضواحي المدن الكبرى، ما سلط الضوء على مشكلة الجيل الجديد خصوصاً أولئك المنحدرين من أصول أجنبية. وفي 2008 عادت المدارس الفرنسية للعمل بما يطلق عليه «التعليمات المدنية والأخلاقية»، وأصبح طلاب المدارس الثانوية يتلقون دروسا في التربية المدنية والقانونية والاجتماعية. ويكلف المدرسون بشرح مجموعة من القيم والمبادئ الأخلاقية للطلبة في مختلف الأطوار الدراسية. ومن المبادئ التي تمت الإشارة إليها من طرف وزيرة التعليم، مسألة الحرية الشخصية التي «تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر».

ويدخل ضمن برنامج تدريس القيم كذلك طرق التعامل مع الآخرين، إذ يتم التركيز على احترام الكبار واختيار الألفاظ والعبارات اللائقة والمناسبة.

يذكر أن لغة الشارع أصبحت معتمدة لدى الشباب الفرنسي في كل مكان، سواء في المدرسة أو المنزل. وفي مرحلة متقدمة يكتشف الطلاب أهمية الحقوق والواجبات في العلاقات الاجتماعية. ويقول المدير العام للتعليم جون ميشال بلانكيه، «يجب أن يتمكن الطفل من احترام الآخرين وقواعد الحياة المشتركة».

وقد أدرج الفرنسيون وثيقة المبادئ العامة للمواطنة في ،1880 وتضم مجموعة من التعليمات والتوجيهات في ما يخص الجانبين الأخلاقي والاجتماعي، وطرأت على الوثيقة تعديلات كثيرة منذ ذلك الوقت، حسب الظروف التي مرت بها البلاد، إلا أن فرنسا تعيش حاليا نوعاً من التراجع الأخلاقي، فقد أصبح الشباب أكثر جرأة على العنف والتخريب.

وفي استطلاع للرأي أجري أخيراً، عبر 46٪ من المشاركين عن تأييدهم لتعليم «مبادئ العيش داخل المجتمع» في المدرسة، ويرى هؤلاء أن ذلك يشجع مسألة التعايش وتغليب المصلحة العامة.

وفي الوقت الذي يدافع مسؤولون وتربويون عن جدوى البرامج الدراسية ودورها في القضاء على الظواهر السلبية، يقول آخرون إن ما تفعله وزارة التربية والتعليم هو إضاعة للوقت، فالجيل الجديد لم يعد يقتنع بما يقال له نظرياً، لأنه يريد أن تطبق المبادئ التي يدرسها في المدرسة على أرض الواقع.

ويقول مراقبون انه من غير المنطقي أن يتلقى طالب في الـ14 دروساً عن الحرية والعدالة، في حين يرى أن الواقع لا يعكس هذه النظريات.

ويرى الخبير الفرنسي لوك فيري، أن المجتمع الفرنسي شهد خلال القرن العشرين «تدمير القيم التقليدية ومفهوم السلطة». ويضيف فيري ان النزعة الفردية أصبحت هي الغالبة في المجتمع بشكل عام. ويرى أن هذه الاتجاه يؤدي إلى التخلي عن معاني المدنية المعاصرة ومبادئها، ويفتح باب الفوضى واللامبالاة. ولعل المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المسؤولين السياسيين، حسب فيري، الذي يطالبهم بغرس القيم الصحيحة في الأجيال الجديدة، ولأن ذلك سينعكس على الأجيل المقبلة أيضاً.

تويتر